التطرف الديني

منذ 2021-10-10

** ولنعلم أن خطأنا في الحكم بإسلام كافر أهون من خطأنا في الحكم بتكفير مسلم، وأن خطأ الإمام في العفو خير من خطأه في العقوبة.

بسم الله الرحمن الرحيم

«التطرف الديني الرأي الآخر» كتاب ماتع للدكتور "صلاح الصاوي"، رئيس الجامعة الدولية، وأمين عام مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، والذي يلخص محوره بقوله:

ولسنا في صف التطرف بطبيعة الحال، كما لا ننكر اشتمال التاريخ الإسلامي على بعض مواقف التطرف التي حفل بها تاريخ الفرق الغالية، كالخوارج والرافضة وأمثالهم، كما لا ننكر أن صفوف التيار الديني المعاصر قد تسرب إلى بعضها هذا الداء بجرعات متفاوتة، كما لا ننكر أن التطرف علة من علل التدين، وأنه تسرب إلى الأمم السابقة فأهلكها .. نقول مع إيماننا بهذا كله، إلا أننا نؤمن وبنفس المستوى أن اعتبار كل معارضة للسلطة باسم الإسلام تطرف ديني نوع من أنواع الاستطالة البالغة والعدوان الظلوم، وأسوأ من هذا أن نرى مجرد الالتزام بالمظهر الإسلامي علامة من علامات التطرف، وسمة من سمات الانحراف الديني، فنربط بين التدين وبين التطرف، كما نربط بين التهتك والاعتدال، وفي هذا غاية التطرف وغاية المراغمة للدين والمكابرة الحقيقية للواقع والتاريخ.   

ويقول المؤلف في معرض قضية التطرف: 

** العجيب أن هذا المصطلح أستعمل أول ما أستعمل في إسرائيل، عندما بدأ الشباب المتدين في الأرض المحتلة يتعرف على جذوره الحضارية، ويتلمس طريقه نحو الأصالة الأيديولوجية، ويرفض ركام التصورات العلمانية التي أهدرت قضيته ردحا طويلا من الدهر، وقذفت بها إلى سراديب المفاوضات ومهزلة النضال بالكلمات، ولم يجن بعد هذه المعاناة الطويلة إلا مزيدا من الشتات والفواجع، فرمت قوات الاحتلال هذا الشباب بهذه التهمة، ومنها انتقلت إلى البلاد العربية التي رمت بهذه التهمة كل معارض للسلطة باسم الإسلام.

ويقابل هذا المصطلح في الشرق مصطلح «الأصولية» في الغرب

** تجاوز الحدود الشرعية في الإنكار على المخالف: فهو ألا يفرق بين مجمع عليه وبين مختلف فيه، ولا يراعي درجات الاحتساب ولا يعتبر بالمآلات، ولا يوازن بين المصالح والمفاسد المترتبة على هذا الإنكار، ولا يضع اعتبارا لاختلاف الزمان والمكان والأحوال، فإن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقها من أخطأه كان احتسابه وبالا على نفسه وعلى الدين، واعتبر به في عداد الغلاة والمتطرفين.

** من لم يعرف الاختلاف فليس بفقيه كما قال أبو حنيفة، أولم يشم الفقه بأنفه كما روي عن قتادة رحمه الله.

** التهيئة لإقامة الشريعة تبدأ بإصلاح مناهج التعليم وبرامج الإعلام ودعم أجهزة الدعوة إلى الله، وكل ذلك جزء لا يتجزأ من قضية تطبيق الشريعة، فقد جاءت الشبهة من اختزال القوم للشريعة في «الحدود» ثم قالوا: أن الشريعة –يقصدون الحدود- لا سبيل إلى إقامتها إلا بعد تهيئة الأمة وتحقيق المناخ السياسي الملائم، والجواب على ذلك أن الحدود جزء من المعاملات، والمعاملات جزء من الشريعة التي تنتظم العقائد والأخلاق والعبادات والمعاملات، فهي الطابق الرابع من عمارة الإسلام إذا صح التعبير.

** مكمن الخلل في واقعنا المعاصر ليس مجرد بضعة قوانين مخالفة للشريعة فحسب، ولكنه يكمن أساسا في هذا المنهج الذي يقرر ابتداء نقل مصدرية الأحكام من الشريعة إلى القانون، وينزع السيادة عن الشريعة الإسلامية ليسبغها على القوانين الوضعية، ويجرد نصوص الكتاب والسنة من السيادة والحاكمية ويقرر هذا الحق المطلق للإرادة البشرية وما يصدر عنها عبر المجالس النيابية، الأمر الذي لم تعهده الأمة في تاريخها كله.

** الكفر الأكبر الذي ينتقض به عقد الإيمان: إما أن يرجع إلى خلل في ركن التصديق أو خلل في ركن الانقياد، وعلى هذا الأساس يمكن تفصيل القول في قضية «الحكم بغير ما أنزل الله»، فإن كان مردها إلى تكذيب الحكم الشرعي أو رده أو عدم التزامه فذلك الكفر الأكبر، وإن كان مردها إلى اتباع الهوى في نزوة طارئة وواقعة جزئية مع بقاء الإقرار بما أنزل الله تصديقا وانقيادا كانت من جنس الذنوب الكبائر، وصدق عليها ما قاله بعض السلف: «كفر دون كفر».

** قال تعالى: { {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} } [النساء:59]

فأعاد الفعل مع الرسول ولم يعده مع أولى الأمر ليبين أن للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طاعة على سبيل الاستقلال، وأما أولو الأمر فإن طاعتهم تبع لطاعة الله ورسوله، فكانت طاعتهم مقيدة بأن تكون فيما كان لله طاعة وللمسلمين مصلحة، ولذلك لم يأمر بالرد إليهم عند التنازع وإنما أمر بالرد فقط إلى الكتاب والسنة

** يقول العز بن عبد السلام: وَتَفَرَّدَ الْإِلَهُ بِالطَّاعَةِ لِاخْتِصَاصِهِ بِنِعَمِ الْإِنْشَاءِ وَالْإِبْقَاءِ وَالتَّغْذِيَةِ وَالْإِصْلَاحِ الدِّينِيِّ وَالدُّنْيَوِيِّ, فَمَا مِنْ خَيْرٍ إلَّا هُوَ جَالِبُهُ, وَمَا مِنْ ضَيْرٍ إلَّا هُوَ سَالِبُهُ, وَلَيْسَ بَعْضُ الْعِبَادِ بِأَنْ يَكُونَ مُطَاعًا بِأَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ, إذْ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ إنْعَامٌ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْته فِي حَقِّ الْإِلَهِ, وَكَذَلِكَ لَا حُكْمَ إلَّا لَهُ فَأَحْكَامُهُ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْأَقْيِسَةِ الصَّحِيحَةِ وَالِاسْتِدْلَالَات الْمُعْتَبَرَةِ, فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَحْسِنَ وَلَا أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَصْلَحَةً مُرْسَلَةً, وَلَا أَنْ يُقَلِّدَ أَحَدًا لَمْ يُؤْمَرْ بِتَقْلِيدِهِ: كَالْمُجْتَهِدِ فِي تَقْلِيدِ الْمُجْتَهِدِ أَوْ فِي تَقْلِيدِ الصَّحَابَةِ وَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ, وَيَرُدُّ عَلَى مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { إنْ الْحُكْمُ إلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ } .

وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْعَامَّةُ فَإِنَّ وَظِيفَتَهُمْ التَّقْلِيدُ لِعَجْزِهِمْ عَنْ التَّوَصُّلِ إلَى مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ بِالِاجْتِهَادِ, بِخِلَافِ الْمُجْتَهِدِ فَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى النَّظَرِ الْمُؤَدِّي إلَى الْحُكْمِ [قواعد الأحكام]    

** فالسعي إلى التغيير يجب أن ينضبط باعتبار المآل، والموازنة بين المصالح والمفاسد لتحقيق أكمل المصلحتين ودفع أعظم المفسدتين، أما الاعتقاد الشخصي والسلوك الفردي فلا مناص فيه من الالتزام بالشرعية الإسلامية في جميع الأحوال.

** الأصل في التغيير باليد أنه منوط بالسلطة العامة لأنه يحتاج إلى شوكة ومنعة قل أن تتوفر لغيرها، ولأنه إذا جاء التغيير باليد من جهتها لا يؤدي ذلك إلى فتن وتقاتل، إذ لا طاقة لفرد أو لأفراد مهما بلغوا من القوة أن يقفوا لقوة الدولة، ولأنها قبل ذلك مسئولة بحكم ما أنيط بها من الولاية على الناس على حراسة الدين وسياسة الدنيا به، ولم تعقد لها البيعة إلا على هذا الأساس، فإن أخلت بذلك فإن شرعية حكمها من الأساس تكون في مهب الريح.

** ولنعلم أن خطأنا في الحكم بإسلام كافر أهون من خطأنا في الحكم بتكفير مسلم، وأن خطأ الإمام في العفو خير من خطأه في العقوبة.

** الجاهلية حالة نفسية ترفض الاهتداء بهدي الله، ووضع تنظيمي يأبى التحاكم إلى ما أنزل الله، إنها عبودية الهوى واتخاذه إلها من دون الله، لقد كان هذا هو جوهر هذه الجاهلية، وهو جوهر قابل أن يتخذ صورا شتى بحسب البيئة والظروف والزمان والمكان، فتتشابه كلها في أنها جاهلية وإن اختلف مظاهرها كل الاختلاف.

وقد ذكرت كلمة «الجاهلية» في القرآن في أربعة مواضع: في كل من آل عمران والمائدة والأحزاب والقتال.

أما أول هذه المواضع فيشير إلى سوء الظن بالله وهي «جاهلية الاعتقاد» في سورة آل عمران: {يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} يشير إلى الذين كانوا يقولون: {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا} كانوا يظنون بعد وقوع القدر أنهم كانوا يقدرون على دفعه فأكذبهم الله تعالى ورد عليهم بقوله: { قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} وبقوله: {قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} وسمى ظنهم هذا ظن الجاهلية.

وبشير الموضع الثاني إلى «جاهلية الحكم» في قوله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] وتقرر الآية أن للحكم منهجين لا ثالث لهما: حكم الله أو حكم الجاهلية، وذلك كما قال الله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الجاثية:18] فإما شريعة الله أو أهواء البشر ولا ثالث! ونفس هذا المعنى تجده في قوله تعالى: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص:50]

ويشير الموضع الثالث إلى «جاهلية العادات» والسلوك الاجتماعي المشين، وهي جاهلية الأعراف والعادات وذلك في قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33] وغاية هذا التبرج الذي نعت الآية على أهله أن المرأة كانت تبدي موضع القرط والقلادة منها، وتمشي مفسحة بصدرها بين الرجال، فأين هذا من تبرج النساء في واقعنا المعاصر؟!

ويشير الموضع الرابع إلى حمية الجاهلية وهي «جاهلية العصبيات»، وذلك في قوله تعالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} [الفتح:26] يحدث عن منع الكفار للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من دخول مكة عام الحديبية حتى لا يتحدث العرب أنه دخلها عليهم عنوة.

ويلاحظ أن تعبير الجاهلية ليس مرادفا للفظ الكفر، فإن الجاهلية هي مطلق الفسوق عن أمر الله، وذلك قد يكون في الأصول فيكون كفرا، وقد يكون في الفروع فيكون معصية، وكل حالة بحسبها.

كما في قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي ذر عندما عير بلالا بأمه: (أعيرته بأمه، إنك امرؤ فيك جاهلية) ولم يقل أحد أن هذه الكلمة تعد كفرا من أبي ذر، وأنه قد خرج بها من الملة.

وقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ومن دعا بدعوة الجاهلية، فهو من جثاء جهنم [الحجارة المجموعة]، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم، فادعوا بدعوة الله التي سماكم بها المسلمين المؤمنين عباد الله). 

** قال الإمام البخاري في صحيحه: وَكَانَتِ الأَئِمَّةُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَشِيرُونَ الأُمَنَاءَ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ فِي الأُمُورِ المُبَاحَةِ لِيَأْخُذُوا بِأَسْهَلِهَا، فَإِذَا وَضَحَ الكِتَابُ أَوِ السُّنَّةُ لَمْ يَتَعَدَّوْهُ إِلَى غَيْرِهِ، اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

** يقول الأستاذ عصام العطار: نحن لم ندخل التاريخ بأبي جهل وأبي لهب، ولكن دخلنا بمحمد وأبي بكر، ولم نفتح الفتوح بالبسوس وداحس والغبراء، ولكن فتحناها ببدر والقادسية واليرموك، ولم نحكم الدنيا بالمعلقات السبعة، ولكن حكمناها بالقرآن المجيد، ولم نحمل إلى الناس رسالة اللات والعزى، ولكن حملنا إليهم رسالة الواحد القهار.. من أجل ذلك نرفض الدعوة إلى القومية ونبذ العلمانية ونطالب بالخلافة الإسلامية.. اللهم هل بلغت فاشهد.     ‌

 

       جمع وترتيب

د/ خالد سعد النجار

[email protected]

 

خالد سعد النجار

كاتب وباحث مصري متميز

  • 3
  • 1
  • 1,804

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً