الهمة العالية
إذا كانت النفوس كبارًا *** تعِبت في مرادها الأجسام
الهمة العالية الرفيعة هي صفة جميلة مهمة، يتصف بها العظماء، الهمة تقوي الرجال وتُعليهم وترفعهم، العظماء جهودهم رهينة هذه الصفة العالية، الأنبياء والصحابة رضي الله عنهم كلهم اتصفوا بهذه الصفة وتحلوا بها، قال الله تعالی: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 35].
الهمة العالية والقوة الإيمانية جعلت العظماء أن يصبروا على الشدائد والمصائب والنكبات، ولم يضعفوا أمام الباطل؛ قال الشاعر:
إذا كانت النفوس كبارًا *** تعِبت في مرادها الأجسام
****
إذا ما طمِحتَ إلى غاية *** لبست المنى ونسيت الحذَر
ومَن لا يُحب صعود الجبال *** يعش أبدَ الدهر بين الحفر
السلف الصالح أنجزوا أكبر إنجازات علمية تعليمية ثقافية بعدما اتَّصفوا بهذه الصفة الرفيعة، بقدر الكد تكتسب المعالي من طلب العلا سهر الليالي، ولا يحصل العلا بالمنى، الذي يقضي أيامه في التسويف والتكسل والبطالة، فهو إنسان فاشل ضعيف يبقى في حفر الدنيا، التاريخ الإسلامي مليء بالهمة، الصحابة رضي الله عنهم افتتحوا الدنيا، وأسقطوا الإمبراطوريات الغاشمة المغطرسة في بكرة أبيها بالهمة والنشاط والحيوية، فتح الفرس والروم والخلافة الأموية والعباسية والعثمانية والأندلس، نتيجة الهمة العالية التي تحلَّى بها عظماء الإسلام، هؤلاء أسسوا الحضارات والعلوم وعلم الصناعة والتكنولوجيا والتقنية، بعدما تحلوا بحلية الهمة، الإسلام صاغ إرادة الأمة العربية المنزوية المتخلفة عن ركب البشرية، ووهبها قوة وإرادة وهمة قوية، جرأة عظيمة لفتح البلدان، العراقيل والمشاكل المحيطة بهم لم تمنعهم من تنفيذ القوانين الإلهية، بل ذابت الجبال أمام همتهم وقوة إرادتهم الوطيدة.
يقول عمارة اليمني:
إن كبرت سني فلي همة لم يتأثر فضلها بالكبر ما ضرني غدر الليالي.
وقد وفَّى لي السمع ونور البصر، ولا خبا مصباح ذكري، ولي فكر سليم ولسان ذكر.
اليوم هذه الأمة العظيمة التي كانت تستضيء منها الأمم وتتعلم منها الإنسانية والقيم الأخلاقية والأسرية، صارت أمة بائسة فاقدة الإرادة، عديمة التأثير، انزوت عن قيادة ركب البشرية، فقدت قيادتها وشوكتها وعظمتها، اليأس والقنوط والبطالة وضعف الهمة أضعفها وخلَّفها عن مسيرتها وأهدافها ومبادئها، اليوم المسلمون يتسكعون في دياجير الفشل والهزيمة، يغربلون الأفكار اللا دينية، يركنون إلى الغرب في الصناعة والتكنولوجيا والتقنية، الهمة العالية عبارة عن تركيز كافة جهدك على اكتشاف إيجابياتك ونقاط قوتك، والتخلص من السلبيات ونقاط الضعف والخمول، يا أخي الفاضل تقدم وكن واعيًا طماحًا، خطِّط وبرمِج لحياتك، فكِّر في كيفية إنقاذ مستقبل المسلمين من الهزيمة الشرسة والأوضاع الساخنة التي حلَّت بهم، استعد لتطوير مشاريع أمتك، أنت قلب نابض لهذه الأمة، لا تصغر نفسك ولا تُهينها، بل كن واثقًا بالله تعالی وقدراتك ومهاراتك الذاتية، كن كالطائر الطماح يطير في جوف السماء ويخرقه بجناحيه، وكما أن الطائر يطير بجناحيه، كذلك يطير الإنسان الطماح ذو الهمة العالية بهمته، فيحلِّق به لأعلى الآفاق، طليقة من القيود التي تكبل الأجساد.
من أبرز وأقوى صفات صاحب الهمة العالية في هذه الدنيا أنه لا يكترث بكثرة العوائق وبنيات الطريق، فشعاره دائمًا: إذا عزمت فتوكل على الحي الذي لا يموت ولا يفنى، فهذا عمر بن عبدالعزيز وكان صاحب همة عالية، ونفس طموحة، يقول: إنَّ لي نفسًا توَّاقة تمنت الإمارة فنالتها، وتَمنَّت الخلافة فنالتها، وأنا الآن أتوق إلى الجنة، وأرجو أن أنالها، فيا أخي الفاضل كن صاحب نفس توَّاقة طماحة جرية، دع الكسل والبطالة، طالع حياة الصحابة رضي الله عنهم، هم كانوا صناع الحياة، وهم قيادات المستقبل، وبهم تسموا الأمم، وبهم يُرفع قدرها، ويعلو شأنها، فلولا أهل الهِمم، لما قامت لأمة الإسلام قائمة، الذين تربوا على القرآن والسنة، فهانت عليهم المصاعب، وباعوا الغالي والنفيس، من أجل أمتهم، فمنهم من ضحى بحياته وماله، في سبيل رفع راية الإسلام، ومنهم من أرخص حياته وروحه للإسلام، وهو يفتخر بذلك، ومنهم من وهب حياته للدفاع عن الإسلام بالسيف، ومنهم من دافع عنه باللسان، أنت أمين سرِّ هذه الأمة العظيمة، الأمة ترتقي وتزدهر وتعلو بك.
___________________________________
الكاتب: عبدالسلام العمري البلوشي
- التصنيف: