ضرب الزوجات .. أما لهذا الليل من آخر؟
"أنت متسامح إذن أنت ضعيف" هذا هو شعار زماننا الذي نعيشه الآن؛ فقد أكدت آخر إحصائية بريطانية أن هناك ألف سيدة تموت يومياً بسبب عنف الأزواج، أما ملفات الجرائم بأقسام الشرطة فهي مليئة بالعديد من النماذج، منها على سبيل المثال
"أنت متسامح إذن أنت ضعيف" هذا هو شعار زماننا الذي نعيشه الآن؛ فقد أكدت آخر إحصائية بريطانية أن هناك ألف سيدة تموت يومياً بسبب عنف الأزواج، أما ملفات الجرائم بأقسام الشرطة فهي مليئة بالعديد من النماذج، منها على سبيل المثال:
* أب تزوج عرفياً، وأنجب طفلة جميلة أتمت عامها الأول، ورفض الأب نسْبَها إليه، وتكرر مطلب الأم فانهال عليها ضرباً هي والطفلة حتى ماتا.
* الزوج الغيور طلق زوجته ثلاث مرات، وطلب منها أن تعود إليه عن طريق "محلل" ولما رفضت أطلق عليها الرصاص.
* رجل مرضت زوجته فضاق بها، ودس لها سم الفئران في الدواء فلقيت مصرعها على الفور بعد عِشْرة عمر دامت 35 عاماً.
آلام من الواقع:
ليلى.أ.ك - متزوجة منذ ثلاث سنوات - أصبحت ضيفة دائمة لمركز الشرطة بعد أن اعتاد زوجها في السنة الأخيرة من زواجهما ضربها بسبب تعرفه على أصدقاء السوء وإدمانه للمخدرات وتقول: لأنني وحيدة أمي ووالدي متوفَّى لا أجد إلا مركز الشرطة رادعاً لزوجي وفى الأغلب لا أطلب إلا استدعائه وتوجيه إنذار له دون حبسه فأنا أخشى تفكك أسرتي.
*فايزة حسين 33 عاماً تروي مأساة عاشتها طيلة 8 سنوات هي عمر زواجها فتقول: قبل الزواج كنت مثل بقية الفتيات؛ أحلم بالبيت والأولاد وحياة تظللها السعادة والمودة، لكنني ابتليت بزوج لا يعرف معنى المسؤولية وفوق ذلك فهو فَظ وجاف وغليظ القلب يسيء معاملتي ويضربني ولا يكف عن توجيه إهانات مستمرة إلي، وهو ما دفعني إلى اللجوء إلى بيت أهلي لأحتمي به من بطش زوجي، لكن أبي أيضاً كان مثقلاً بهموم إخوتي، ومن ثم كنت أضطر إلى العودة مرة أخرى حتى يئست من إصلاح حاله فرفعت علية قضية طلاق للضرر، وشهد جيراني معي، وأخذت أولادي كي نعيش في سلام وأمان بعيداً عنه.
*قصة حب رائعة جمعت بين عزة سليمان وزوجها صاحب المتجر البسيط..تقول عزة: برغم فقره إلا أنني تمسكت به، ووقفت أمام أهلي كي أتزوجه، وتصورت أنني سأعيش معه حياة سعيدة إلا أنني فوجئت بعد الزواج بإنسان شرس يضربني كل يوم عدة مرات، وهو ما سبب لي عاهات مستديمة، تصورت أنه بعد إنجاب الأطفال سيتخلص من غضبه الشديد، وطباعه الفظة، إلا أنه أصبح لا يضربني وحدي بل أولاده أيضاً، ويعاملهم بقسوة فحملت أولادي وتركت المنزل متوجهة إلى أسرته لتحميني منه، وللأسف فإنه الآن بعد مرور 12 عاماً على زواجنا لم يتغير وأعتقد أنه لن يتغير إلا أن يشاء الله.
الأزواج يختلفون:
** خالد كمال - متزوج منذ5 سنوات - يقول: لا تظنوا أن كل النساء ملائكة، وكل الرجال شياطين؛ إن المرأة دائماً تفضل أن تعيش في دور الضحية.. وإن كان صحيحاً أن الضرب يعتبر جريمة إذا كان مبرحاً، فماذا يفعل الزوج إذا لم يجد أمامه خياراً آخر لتأديب زوجته عندما تكون غير مطيعة أو منحرفة؟!
** يختلف مع هذا الرأي هاني سليم ويقول: أنا لا أقبل أبداً أن أضرب زوجتي مهما فعلت؛ فهذا لا يحدث حتى بين الحيوانات، أما التفاهم الذي أقبله فهو الإقناع، ومحاولة تقريب وجهات النظر علماً بأن زوجتي امرأة عصبية إلى أقصى حد، ومع ذلك أتحملها، وأحاول إصلاحها بالتوجيه، وتحكيم أبيها وأخيها في بعض الأحيان.
فالمرأة التي يهينها زوجها ويضربها لن تستطع أن تغفر له ما فعله بها، وستحاول الانتقام منه ولو على الأقل بأن تزرع الكراهية تجاهه في نفوس أبنائه.
** ناجى منير يروى لنا مأساة صديق له يتعرض لضرب وإهانات من زوجته فيقول: إذا كنتم تتحدثون عن ضرب الزوجات، فالزوجة في نظري الآن أصبحت جانية وليس مجنياً عليها..لي صديق يتعرض للعنف من قبل زوجته برغم أن من يتعامل معها يشعر أنها في منتهى الرقة والأنوثة لكنها عندما تنفرد بزوجها تصبح وحشاً كاسراً، وللأسف هو مضطر للإبقاء عليها لأنها اشترطت في عقد الزواج مؤخر صداق كبيراً لا يستطيع توفيره.
الدوافع والأسباب:
الدكتور عادل مدني - أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر - يؤكد أن هناك أسباباً كثيرة تجعل الرجل يقدم على هذا السلوك أهمها: المفاهيم الخاطئة المتعلقة بالرجولة المسؤولة عن تصور بعض الرجال أنهم أصحاب الكلمة الأولى والأخيرة ولا مكان لرأى الزوجة، فإذا أظهرت الزوجة عدم تقبلٍ لهذه الأفكار، أو رغبت في مناقشتها، أو أظهرت رفضها لها يثور الزوج، وينفعل، ويلجأ إلى هذا الأسلوب لفرض رأيه ولو بالقوة. هذا إضافة إلى المفاهيم الخاطئة المترسخة عن الزواج بصفة عامة لدى بعض الرجال الذين يعتقدون أن الزواج يعني شراء زوجة لتقوم بدور معين سواء إعداد الوجبات وتنظيف البيت وإشباع رغباته الجنسية وتربية الأبناء..وهى نظرة خاطئة للزواج الذي يعني في مفهومه الصحيح المودة والرحمة والمشاركة بين اثنين متساوين في الحقوق والواجبات وفى الأدوار التي يؤدونها في الحياة.
ويضيف د. مدني: من الأسباب التي تدفع الرجل إلى هذه الإساءة أيضاً الإحساس بالدونية، عندما يشعر الزوج أنه أقلُّ من زوجته في الذكاء أو الإمكانات أو المكانة الاجتماعية، ويدفعه الإحساس بالنقص إلى محاولات عدل الميزان؛ فلا يجد أمامه سوى القوة الجسدية التي يمتلكها ليثبت لها أنه أقوى منها، في حين أنه - في الحقيقة - عاجزٌ عن مواصلة الحوار معها، وغير قادر على مقاومة الفكرة بالفكرة.. وهناك سبب آخر لهذا العنف يتمثل في القدوة؛ فقد ينشأ الزوج في أسرة شاهد فيها والده يمارس العنف ضد والدته؛ فالدراسات النفسية أثبتت أن الإنسان يتبع دائماً نموذجاً معيناً في حياته يكون عادة صورة من الأب، والطفل الذي يتعرض لهذا الموقف قد يكره والده، ويبدي استياءً من سلوكه.. لكن الشيء العجيب أنه عندما يكبر يكرر نفس الأسلوب.
فموضوع القدوة له دور كبير لذلك أنصح الفتاة المقبلة على الزواج أن تحاول ملاحظة أسرة العريس جيداً، لأن الاحتمال كبير أن يكرر الابن نفس سلوك الأب، ويجب أن تراعي المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي لأسرته، لأن الفروق الاجتماعية الكبيرة بين الطرفين يمكن أن تجعل الزوج يشعر بالنقص، ويلجأ إلى السلوك العنيف لتعويض هذا الشعور.
ويشير الدكتور عادل المدني إلى أن فترة الخطوبة يمكن أن توضح الكثير من شخصية الرجل وتكشف عن سمات العنف فيه فإذا وجدته يثور لأتفه الأسباب، أو ينفعل بشدة يجب عليها أن تفسخ الخطبة على الفور، لأن هذه التصرفات تعد مؤشرات قوية وأكيدة على إمكانية أن يضربها بعد ذلك.. فإذا لم تلاحظ الفتاة هذه التصرفات لسبب أو لآخر وحدث أن ضربها زوجها، فإنها هنا يجب ألا تلتزم الصمت أبداً لأن أكبر غلطة قد ترتكبها في حق نفسها أن تسكت على الإهانة؛ لأنها بذلك تثبت في ذهنه فكرة أنه يمكن له أن يملي أوامره، أو رأيه بالقوة..فيزداد إيمانه بأن الضرب هو الوسيلة التي تمكنه من إسكات زوجته، أو إجبارها على طاعته، أو إخضاعها لأوامره فيتمادى في هذا السلوك.
تؤكد الدكتورة هناء الغريبي - أستاذة علم النفس - ما قاله الدكتور مدني، وتجمل أسباب ضرب الأزواج لزوجاتهم فيما يلي:
ضعف شخصية الزوج وعدم ثقته في نفسه، وضعف الحجة عند مناقشة المشاكل العائلية فيلجأ إلى استخدام قوته العضلية لفرض نفوذه داخل الأسرة.
الضعف الجنسي فيعوض ذلك بضرب زوجته ليثبت فحولته.
قد يكون مقهوراً في عمله، ويعنفه رئيسه دائماً، ولا يكف عن توجيه النقد له، وهذا ما يشعره بالإحباط وبضآلة حجمه؛ فيرد هذا القهر بطريقة عكسية على زوجته.
الشك والغيرة فيتحول هذا الشك إلى الإصابة بالاكتئاب الذي يؤدي إلى العنف.
إدمان الزوج للمخدرات أو الكحول تجعل أداءه يتسم بالعنف، خاصة إذا رفضت الزوجة إعطاءه النقود أو ما يريد.
قد ترجع جذور المشكلة إلى الصغر؛ بأن يكون قد نشأ على عدوانية أبيه تجاه أمه مع ضعفها واستسلامها له، فتتكون لديه فكرة أن الرجل هو القوي الذي يقهر المرأة، ويظن هذا الضرب نوعاً من إثبات الرجولة.
تصعيد المشكلات:
وتتفق معهما الدكتورة هبة عيسوي - أستاذة الطب النفسي - في ضرورة ألا تتنازل الزوجة عن حقها إذا ضربها زوجها، وتقول: يجب على الزوجة في هذه الحالة أن تصعد الأمر؛ لأن بعض الزوجات يبتلعن الإساءة، ويبررنها لأنفسهنَّ بأفكار مثل أنه يفرغ الكبت بداخله، أو يخطأ رغماً عنه بسبب الضغوط النفسية الكبيرة التي يتعرض لها، وأنه لن يكرر هذا الخطأ، ويَلُمْنَ أنفسهن للتسبب في ثورته، لكن هذه التبريرات مرفوضة تماماً؛ فالزوجة يجب ألا تلوم نفسها في هذه الظروف، لأن كل الأمور يمكن مناقشتها بين زوجين ناضجين بالعقل والمنطق، وليس بالضرب، ويجب على الزوجة في هذه الحالة أن تقول لزوجها بصورة واضحة وصريحة أن تصرفه غير مقبول، وأنها لن تسمح له أن يمد يده عليها أبداً، وأنها لن تسكت عن هذه التصرفات، وعادة ما تجدي هذه التهديدات.. لكن إذا تكرر الأمر مرة ثانية يجب أن تصعد الأمر إلى مرحلة التهديد الصريح، فإذا كان يخشى من الفضيحة تهدده بها، وإذا كان يخشى أهله تهدده بهم، وإذا كان يخشى أهلها تهدده بهم.
وتؤكد الدكتورة هبة عيسوي أن السنة الأولى من الزواج مهمة جداً لإرساء أساسيات العلاقة الزوجية بين الطرفين؛ فإذا اكتشف الزوج أن هذا الأسلوب العنيف في معالجة الأمور مرفوض تماماً من قبل الزوجة، فإنه يتقبله، وتستمر العلاقة بينهما، وتستقيم دون شروخ، لكن إذا استمر الضرب وخضعت الزوجة لهذا السلوك العنيف لسبب أو لآخر، فإنه يترك شرخاً فظيعاً في نفسيتها، ويؤثر في العلاقة الزوجية، ويضربها في مقتل، ويصعب بعد ذلك استقامة العلاقة من جديد، وأنصح كل أم أن تربي أطفالها منذ الصغر على مبدأ العدل بين الجنسين، واحترام حقوق الآخر لكي يشبوا على هذه المبادئ، ويتبعوها في حياتهم.
حق مقيد:
الدكتور أحمد يوسف سليمان - أستاذ الشريعة الإسلامية - يؤكد أن حق الزوج في ضرب زوجته ليس حقاً مطلقاً، لكنه حق قيدته الشريعة الإسلامية بمجموعة من القيود، وهي أن يتوَخَّ الزوج نشوزها أو خروجها عن طاعته، ومن أهم مظاهر نشوز الزوجة التي تبيح الضرب شرعاً، عصيانها زوجها في الفراش، والخروج من المنزل بغير إذنه وغيرها من الأمور التي تضر بحق الزوج والأسرة، ويجب ألا يلجأ الرجل إلى الضرب إلا عندما يتأكد له عدم نفع الوعظ والهجر في المضجع؛ لأنه مأمور أولاً بنصحها وهجرها، والضرب المباح شرعاً هو الضرب الرحيم الرقيق، وليس الضرب المبرح المؤذي؛ لأن الهدف منه هو التأديب وليس التشفي والانتقام، فعندما يلجأ الزوج إلى ضرب زوجته في غير هذه الأحوال يعرض نفسه للعقوبة التعزيرية من جانب القضاء في الدنيا، وعقاب الله في الآخرة.
ضرب الزوجات في ميزان الشرع:
يقول د. أحمد: الأصل في الإسلام منع الضرب، فعلى الزوج أن يحسن عشرة زوجته فلا يهينها ولا يضربها، وقد نزلت الآية الكريمة التي تسمح بالضرب في حال ظهور بوادر النشوز، فعن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه أنه قال: قلت يا رسول الله: ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طَعِمْت، وتكسوها إذا اكْتَسَيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبّح، ولا تهجر إلا في البيت، وقد فهم أهل العلم من ذلك النهي عن الضرب المبرح مطلقاً- كما ورد في أحاديث أخرى- وعدم الضرب غير المبرح إلا لسبب شرعي هو النشوز، وذلك بشرط أن يكون له فائدة، فإن كان الزوج يعلم أو يشك في أن الضرب قد يزيد من نشوزها فليس له ذلك، لأن الضرب وسيلة إلى إصلاح حالها، والوسيلة لا تشرع عند ظن عدم ترتب المقصود منها.
شروط لا بد منها:
إذا عزم الزوج على ضرب زوجته الناشز فإن للضرب شروطاً حددها ديننا الحنيف منها ما يلي:
لا يجوز أن يخفي الضرب باعثاً آخر غير التأديب كالانتقام أو التحقير أو الضرب لمجرد الإيذاء والتشفي.
أن يتجنب الزوج الوجه والأماكن التي تتأذى من الضرب.
لا يجوز أن يستعمل في الضرب عصاً أو أداةً جارحة أو مؤذية.
لا يجوز أن يقُْدِم الرجل على الضرب وهو في حالة غضب لأنه مدعاة للبطش.
لا يجوز أن يلجأ الزوج إلى الضرب قبل القيام بالوعظ والدعوة إلى التفاهم والقول بالحسنى ثم الهجر في المضجع.
لا يجوز إيقاع الضرب أمام الأطفال أو غير الزوجين لأنه عندئذ يصبح إهانةً وتشهيراً.
لا يجوز أن يقترن الضرب بألفاظ السب أو الشتم أو التقبيح؛ فهذه جريمة ولا تعد من التأديب.
على الزوج أن يعلم أنه مسؤول مسؤولية كاملة عن النتائج الضارة المترتبة على ضرب زوجته.
وأخيراً يوجه الدكتور أحمد يوسف كلامه إلى كل رجل يضرب زوجته قائلاً: لقد أسأت لنفسك، وهتكت ستر بيتك، وارتكبت خطأ جسيماً لأن الله أمرك بحسن العشرة في قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصانا بالنساء بقوله - عليه الصلاة والسلام – «استوصوا بالنساء خيراً فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله».
فالرجل الكريم ينظر إلى المرأة نظرة يملأها الحب والتقدير، ويستر عيوبها، ولا يفشى أسرارها ويبدي إعجابه بها، ويشكرها على ما تقدمه له من خدمة بيته، ورعاية عياله، وحفظها لماله، وعرضه، وأسراره.
____________________________________________
الكاتب: إيمان الحلواني
- التصنيف:
- المصدر: