المنهج النبوي في بناء الأخلاق
منذ 2021-10-26
قد أوضح النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الأخلاق تتناسب طرديّاً مع الإيمان؛ فكلما زاد معدل الإيمان في القلب؛ سمت الأخلاق، والعكس بالعكس.
إنَّ وضوح الغايات والأهداف من أقوى عوامل النجاح؛ بل كل مشروع - من أيِّ ضرب كان - لابد له من أهداف ومرام، ولا يُتصور مشروع بغير ذلك، وبقدر وضوح الأهداف تتضح الوسائل، التي تفضي بمن أحسن استعمالها إلى النجاح.
وقد اتسم منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - بوضوح الغايات وشرف الوسائل؛ كما أخبر الله - تعالى - عن ذلك بقوله: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108].
قال الطبري - رحمه الله -: "فهو على بصيرة مما هو عليه ويقين بتنوير الحق في قلبه، فهو لذلك لأمر الله متبع، وعما نهاه عنه منته"[1].
وقال ابن كثير: " أي على بصيرة فيما أدعو إليه"[2].
وقد حدد النبي - صلى الله عليه وسلم - غاية دعوته بوضوح تام وبيان موجز؛ فقال: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق» [3]. قال ابن عبدالبر معلقاً على هذا الحديث: "ويدخل في هذا المعنى الصلاح والخير كله، والدين، والفضل، والمروءة، والإحسان، والعدل. فبذلك بُعث ليتممه - صلى الله عليه وسلم"[4] .
وقوم النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا على جانب من الأخلاق الفاضلة؛ من نجدة، وشجاعة، وكرم، وإباء ضيم .. وغير ذلك؛ ولكنَّ هذه الأخلاق كانت ناقصةً، أو مشوبةً بما يكدرها ويذهب رونقها من الأخلاق الذميمة، فبُعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ليُتم ما نقص منها، ويقوم ما اعوجَّ؛ كما نقل السيوطي عن الباجي قوله: "كانت العرب أحسن الناس أخلاقاً بما بقي عندهم من شريعة إبراهيم، وكانوا ضلُّوا بالكفر عن كثير منها، فبُعث - صلى الله عليه وسلم - ليتمِّم محاسن الأخلاق؛ ببيان ما ضلُّوا عنه، وبما خُصَّ به في شريعته"[5].
وقد كان المنهج النبوي في تحقيق هذه الغاية منهجاً متكاملاً، جديراً بالوقوف معه، والتأمل فيه؛ ليستفيد الدعاة من الهدي النبوي في تربيتهم الناسَ على مكارم الأخلاق، وفاضل السلوك، وسامي القيم؛ فإن التربية من أشقِّ الأمور؛ لاحتياجها المتابعة والملازمة، وقبل ذلك المنهج الواضح السليم الذي سلكه النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخرج لنا جيلاً متفرِّداً بسموِّ أخلاقه، وعلوِّ همَّته، ونجاحه في كل الميادين.
وقد اتسم منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - بوضوح الغايات وشرف الوسائل؛ كما أخبر الله - تعالى - عن ذلك بقوله: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108].
قال الطبري - رحمه الله -: "فهو على بصيرة مما هو عليه ويقين بتنوير الحق في قلبه، فهو لذلك لأمر الله متبع، وعما نهاه عنه منته"[1].
وقال ابن كثير: " أي على بصيرة فيما أدعو إليه"[2].
وقد حدد النبي - صلى الله عليه وسلم - غاية دعوته بوضوح تام وبيان موجز؛ فقال: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق» [3]. قال ابن عبدالبر معلقاً على هذا الحديث: "ويدخل في هذا المعنى الصلاح والخير كله، والدين، والفضل، والمروءة، والإحسان، والعدل. فبذلك بُعث ليتممه - صلى الله عليه وسلم"[4] .
وقوم النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا على جانب من الأخلاق الفاضلة؛ من نجدة، وشجاعة، وكرم، وإباء ضيم .. وغير ذلك؛ ولكنَّ هذه الأخلاق كانت ناقصةً، أو مشوبةً بما يكدرها ويذهب رونقها من الأخلاق الذميمة، فبُعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ليُتم ما نقص منها، ويقوم ما اعوجَّ؛ كما نقل السيوطي عن الباجي قوله: "كانت العرب أحسن الناس أخلاقاً بما بقي عندهم من شريعة إبراهيم، وكانوا ضلُّوا بالكفر عن كثير منها، فبُعث - صلى الله عليه وسلم - ليتمِّم محاسن الأخلاق؛ ببيان ما ضلُّوا عنه، وبما خُصَّ به في شريعته"[5].
وقد كان المنهج النبوي في تحقيق هذه الغاية منهجاً متكاملاً، جديراً بالوقوف معه، والتأمل فيه؛ ليستفيد الدعاة من الهدي النبوي في تربيتهم الناسَ على مكارم الأخلاق، وفاضل السلوك، وسامي القيم؛ فإن التربية من أشقِّ الأمور؛ لاحتياجها المتابعة والملازمة، وقبل ذلك المنهج الواضح السليم الذي سلكه النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخرج لنا جيلاً متفرِّداً بسموِّ أخلاقه، وعلوِّ همَّته، ونجاحه في كل الميادين.
الإيمان أساس الأخلاق:
كان العرب أهل شرك بالله – تعالى - فأوجد النبي - صلى الله عليه وسلم - أعظم الأخلاق التي كان يفتقدها ذلك المجتمع، وهو الإيمان، فإن الإيمان هو أساس الأخلاق، وقد بين للعرب أن الكرم وغيره من الأخلاق التي بها يفاخرون، ما هي إلا بناء لا أساس له مع انتفاء الإيمان، وأن من أتى بالإيمان الصادق أوْلى بالأخلاق ممن أطعم الجائع أو كسى العريان وقلبه غارقٌ في الشرك ورجسه؛ قال الله - تعالى -: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة: 19].
وكما أن الأخلاق الحسنة - التي تواطأت الفِطَر السليمة على قبولها - تظل ناقصةً مشوهةً هشَّة البناء إذا فقدت خُلُق الإيمان؛ فإنها كذلك لا تنفع صاحبها في الآخرة، ولا يُثاب عليها؛ فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "قلتُ: يا رسول الله، ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين؛ فهل ذاك نافِعُهُ؟ قال: «لا ينفعه؛ إنه لم يقل يوماً: ربِّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين»[6].
وقد أوضح النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الأخلاق تتناسب طرديّاً مع الإيمان؛ فكلما زاد معدل الإيمان في القلب؛ سمت الأخلاق، والعكس بالعكس.
وفي هذا يقول - عليه الصلاة والسلام -: «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً» [7].
وقال - عليه الصلاة والسلام -: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» [8].
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم» [9].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن» !! قيل: وَمَنْ يا رسول الله؟! قال: «الذي لا يأمن جاره بوائقه» [10].
وكما أن الأخلاق الحسنة - التي تواطأت الفِطَر السليمة على قبولها - تظل ناقصةً مشوهةً هشَّة البناء إذا فقدت خُلُق الإيمان؛ فإنها كذلك لا تنفع صاحبها في الآخرة، ولا يُثاب عليها؛ فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "قلتُ: يا رسول الله، ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين؛ فهل ذاك نافِعُهُ؟ قال: «لا ينفعه؛ إنه لم يقل يوماً: ربِّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين»[6].
وقد أوضح النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الأخلاق تتناسب طرديّاً مع الإيمان؛ فكلما زاد معدل الإيمان في القلب؛ سمت الأخلاق، والعكس بالعكس.
وفي هذا يقول - عليه الصلاة والسلام -: «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً» [7].
وقال - عليه الصلاة والسلام -: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» [8].
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم» [9].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن» !! قيل: وَمَنْ يا رسول الله؟! قال: «الذي لا يأمن جاره بوائقه» [10].
وبالمقابل: كان الربط بين الكفر وسوء الخلق؛ فقد أخبر الله - تعالى - عن الكافرين وهم في النار فقال: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} [المدثر: 42-46].
وقال الله - تعالى - مخبراً عنهم كذلك: {إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ} [الحاقة: 33-35]، وقال الله – تعالى -: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِين} [الماعون: 1-3].
فغياب الأخلاق عند الكافرين كان تبعاً لغياب الإيمان عن قلوبهم، كما يتضح جلياً من الآيات السابقة.
الأخلاق ثوابت، غير قابلة للتلاعب:
ومن مشاكل الأخلاق في المجتمع الذي بُعث فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها كانت قابلة للتلاعب والتحايل من أولئك المتنفذين فيه، ومن أوضح الأمثلة على هذا: أنهم كانوا يحرِّمون القتال في الأشهر الحُرُم، ولكنهم كثيراً ما يحتالون على هذا القرار النبيل، فيتركونه لحاجتهم إلى الحرب، أو إذا راق لهم تركه، ثم يعوضون هذه الأشهر الحُرُم التي تخلوا فيها عن التمسك بعدم القتال بأشهر أخرى من السنة، يحرمون القتال فيها؛ كما أخبر الله - تعالى - عنهم بقوله: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [التوبة: 37]؛ فعدَّ القرآن من الزيادة في الكفر تلاعبهم بهذا الخُلُق النبيل، كما في الآية السابقة، وقد أثبت النبي - صلى الله عليه وسلم - تحريم الأشهر المعظَّمة الأربعة، كما كانت تفعل قريش، ولكنه حرَّم ما شوَّه نبلها من هذا التلاعب؛ فقال: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعةٌ حُرُم، ثلاثٌ متوالياتٌ: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان» [11].
التخلية والتحلية:
ولقد عمد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أسلوب بديع في إصلاح أخلاق قومه، وهو ما يصح أن يطلق عليه (التخلية والتحلية)؛ حيث كان يخلِّي ويفرِّغ الأمثال والعبارات التي تدور على ألسنة الناس من مضامينها الفاسدة؛ ثم يقوم بتحليتها بالأخلاق الإسلامية الحسنة، ومن أمثلة ذلك: تغييره مضمون العبارة "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً"؛ فقد كانت العرب تعني بها الوقوف إلى جانب القريب، ولو كان على الباطل؛ فأفرغ النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا اللفظ من معناه الفاسد، وحلاَّه بمعنى صحيح حسن، فعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً» ))؛ فقال رجل: يا رسول الله، أنصُرُه إذا كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً؛ كيف أنصره؟! قال: «تحجزه [أو: تمنعه] من الظلم، فإن ذلك نُصْرَة» [12].
وبهذا غيَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - القالَب وأبقى عل القالِب، وكذا في قوله: «ليس الشديد بالصُّرَعَة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» [13].
وبهذا غيَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - القالَب وأبقى عل القالِب، وكذا في قوله: «ليس الشديد بالصُّرَعَة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» [13].
بهذه العبارات الموجزة غيَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - مفاهيماً طالما كانت له آثارها المدمرة في ذلك المجتمع، من الحروب وغيرها، فالرغبة في الاتِّصاف بالقوة وشدة البأس كانت طاغية عند العرب، وشِعْرهم وأيامهم أكبر دليل على ذلك، فيحوِّل النبي - صلى الله عليه وسلم - أنظارهم إلى معنى آخر للشدَّة، هو العكس تماماً للمفهوم الأول، الذي يدعو للبطش بالآخرين؛ إظهاراً للقوة، وتفاخراً بسرعة الغضب.
فهذه بعض الوقفات مع منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - في تربيته المجتمع على الأخلاق الإسلامية الفاضلة، وهو منهجٌ لا يمكن سَبْرُه في مثل هذا المقال، ولأهمية هذا الموضوع يجدر بالباحثين أن يعطوه ما يستحق من الاهتمام،، والله الموفق.
ـــــــــــــــــــــــ
[1] (جامع البيان: 10/627).
[2] (تفسير القران العظيم: 2/599)
[3] "المستدرك": (4221، 2/670). قال الذهبي في "التلخيص": "على شرط مسلم". وصحَّحه الألباني في "السلسلة" (45، 1/112).
[4] التمهيد، 24/334.
[5] تنوير الحوالك، 1/211.
[6] رواه مسلم، (214)، 1/196.
[7] رواه أبو داود، (4682)، 2/632، والترمذي، (1162)، 3/466، صححه الألباني في صحيح الجامع، (1230).
[8] رواه البخاري، (13)،1/14، ومسلم (45)، 1/67.
[9] رواه الترمذي، (2627)، 5/17، والنسائي، (4995)، 8/104، وابن ماجة (3934)، 2/1298 والألباني في صحيح الجامع، (6658)، 1/116.
[10] رواه البخاري، (5670)، 5/2240، ومسلم، (46)، 1/68.
[11] رواه البخاري: (5230)، 5/2110، ومسلم: (1679)، 3/1305.
[12] رواه البخاري،(6552)، 6/2550، ومسلم،(2584)، 4/1998.
[13] رواه البخاري، (6552)، 6/2550، ومسلم، (2584)، 4/1998.
________________________________________________________
الكاتب: مروان محمد أبو بكر
الكاتب: مروان محمد أبو بكر