فوائد من شرح العقيدة الطحاوية للشيخ سعد بن ناصر الشثري
الإنسان لا ينبغي به أن يُعرض نفسه لمواطن الفتن, فإنه لا يدري لعله تعلق في قلبه شهوة أو شبة فتُرديه
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمن العلماء المتأخرين فضيلة الشيخ سعد بن ناصر الشثري, والشيخ له شروح على بعض المتون العلمية, منها شرحه لكتاب العقيدة الطحاوية, والشرح يوجد فيه فوائد اخترت بعضاً منها, أسأل الله أن ينفع بها.
الوسائل الشرعية التي تؤدي إلى الاجتماع:
كل شيء يدعو إلى اجتماع الناس مما لا يخالف الشرع فهو مأمور به شرعاً, ومُرغب فيه. والوسائل الشرعية التي تؤدي إلى الاجتماع:
أولاً: إحسان القول مع الناس, والتخلق بالأخلاق الفاضلة.
ثانياً: تحريم الأذية للآخرين.
ثالثاً: تحريم الغيبة, والكلام بمعايب الناس, خصوصاً تبليغ معايب الناس للولاة, لأن هذا يؤدي إلى الفرقة, وإلى النزاع.
رابعاً: تناصح الناس فيما بينهم, وبعض الناس يظن أن النصيحة تفرق الناس, فهذا ليس بصحيح, بل النصيحة تؤدي إلى الاجتماع والتآلف, فإن قلوب العبد بين أصبعين من أصابع الرحمن, وهو سبحانه الذي يؤلف بين قلوب العباد, وتأليف القلوب يكون بالطاعة, ومن الطاعة التناصح, وإن وُجد من النصيحة نُفرة في الأمر الأول, إلا أن النتيجة والمصير هو المحبة والتآلف, بل إن العقلاء يحبون من ينصحهم, ويعرفون أن هذا الناصح _ ولو ذكر عيوبه عنده _ يريد به الخير.
خامساً: مما جاءت به الشريعة للمحافظة على اجتماع الكلمة, وتآلف الناس الأمر بتنصيب...الولاة ليكون للناس مرجع يرجعون إليه يحفظ الله به أمنهم ويحجز بعضهم عن بعض ويتمكن من تطبيق الأحكام الشرعية المؤدية إلى اجتماع الناس وتآلفهم
سادساً: السمعُ والطاعة للوالي تقرباً لله بذلك, لا لأجل مال, ولا لأجل دنيا, وقول بعضهم: السمع والطاعة إذا أعطونا, وإن منعونا فلا سمع ولا طاعة. هذا كلام خاطئ وهو شأن أهل الجاهلية. فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بالسمع والطاعة مطلقاً, فقال: ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره.)
سابعاً: مما جاءت به الشريعة للمحافظة على اجتماع الكلمة: الصبر على جور الأئمة والولاة, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه, فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات, إلا مات ميتة جاهلية) بل أمر النبي صلى الله عليه بالطاعة, مع وجود الظلم, كما قال:: « تسمع وتطيع للأمير, وإن ضرب ظهرك, وأخذ مالك, فاسمع وأطِع» .
ثامناً: أن لا يبايع لاثنين في وقت واحد, بل تكون البيعة لوالٍ واحد, فقال صلى الله عليه وسلم: إذا بويع لخلفتين فاقتلوا الآخر منهما) وقال صلى الله عليه وسلم: ( «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد, يريدُ أن يشق عصاكم, أو يفرق جماعتكم فاقتلوه » ) [ص:313]
أهمية تصحيح مسائل العقيدة:
صلاح أحوال الناس يرتبط بصلاح عقائدهم, فإن الله جل وعلا قد تكفل لمن صلحت عقيدته بحسن العاقبة في الدنيا والآخرة, ومن ذلك يشرع السعي إلى تصحيح معتقدات الناس, خصوصاً من تحت يده.
وتصحيح المعتقد يترتب عليه تصحيح التصورات, فيكون تصور الإنسان للمسائل تصوراً صحيحاً, وهذا في علم العقائد, وفي غيرها.[ص:7_8]
العقيدة الطحاوية للإمام الطحاوي:
هذه العقيدة المباركة.[ص:17]
شرح ابن أبي العز الحنفي للطحاوية:
العقيدة الطحاوية للطحاوي...حرص العلماء على تناول هذه العقيدة بالشرح...ومن أشهر الشروح شرح ابن أبي العز رحمه الله...وهو من أحسن الشروح لهذه العقيدة[9
العلامة الفارقة بين أهل السنة والجماعة, وبين غيرهم:
العلامة الفارقة بين أهل السنة والجماعة, وبين غيرهم, أنهم يحكّمون الكتاب والسنة, ويعملون بإجماع الأمة في مسائل عقائدهم, وأما غيرهم فإنهم يقدمون غير النصوص عليها, إما من العقول, أو من الذوق, أو غير ذلك,[ص:15]
الفرق بين الحق والهدي:
فإن قائل: ما الفرق بين الحق والهدى ؟
نقول: الحق متعلق بالعلم, والهدى متعلق بالعمل, ولذلك قال تعالى: ( فبهداهم اقتده) [الأنعام:90] أي: سِر على طريقتهم وهديهم في أعمالهم.[ص:48]
إشغال الوقت بالحكم على الناس وذكر معايبهم:
كثير من الناس يُشغل وقته بالحكم على الناس, وذكر معايبهم, وقد يحصل من هذا إشكالات كثيرة, فتجد غالب وقته: فلان مبتدع, وفلان كذا. فنقول: ما الثمرة من مثل ؟ يكفى منك أن تحذر من العمل فقط, لأنك حذّرت من عمل حذَّر الناس من القائمين به, ومن ثم فأنت لا تحتاج إلى تسمية فلان وفلان, لأنك بتسميته ستعزه, وتُشهِره, وتجعله قضية للناس, فناس تدافع عنه, وناس تتكلم فيه, وهذا خلاف المنهج الشرعي, فإن المنهج الشرعي أن مثل هؤلاء الذين يقعون في الأخطاء يُعرض عنهم, بل عليك أن ترد ذلك الخطأ وتبين الحكم الشرعي فيه, أما زيد وعبيد فلا ثمرة من ذكرهم بل قد يكون هذا سبباً في انتشار البدعة ويصبح لها متعصبون [120]
المظاهرات
هذه المظاهرات مُؤداها إلزام أهل الولاية بقول المتظاهرين, وبهذا نكون قد جعلنا قول المتظاهرين دليلاً شرعياً يُرجع إليه, ولم نجعل المُحكَّم الكتاب والسنة, فمن ثم نكون قد خالفنا المنهج, إذ إن منهج أهل السنة والجماعة هو تحكيم الكتاب والسنة
فعندما يُطالب بجعل المحكَّم هو قول الناس وأنه كلما كثر العدد وجب الاستجابة لهم, نقول: هذا ترك للمنهج, وبعض الناس يقول: إنه إذا سُمح بهذه المظاهرات في بلدانهم فلا حرج فيها, فنقول: هذا الكلام ليس بصحيح, لأن مؤداها تحكيم الشعب, لا تحكيم الكتاب والسنة, ومن هنا فتحكيم القوانين مسموح به في بعض البلدان, ومع ذلك نقول: لا يجوز ذلك, فالسماح بها في تلك البلدان لا يعنى جوازها, وإنما المعوّل عليه هو النظر في حكم الشرع, وهذه المظاهرات مؤداها هو تحكيم الناس وجعل الشعب كما يقال: هو الحكم, وهذا مخالف للشرع.[ص:122]
قلوب الأبرار مُعلقة بالخواتيم:
كان كثير من السلف إذا ذكروا الخاتمة بكوا كثيراً, وقال بعضهم: قلوب الأبرار مُعلقة بالخواتيم, يقولون: بما ذا يُختم لنا ؟ ومن عمل الأعمال الخير بنية خالصة في حياته, وفق لحسن الخاتمة, والتعلق بالخواتيم يجعل العبد المؤمن يقظاً حريصاً على إيمانه, فإذا جاهد نفسه فإن الله سبحانه يهديه السبيل, ويزيده هدى منّة عليه, وتفضلاً, وكرماً, أما إذا اختار العبد طرق الغواية يُسر لعمل أهل الشقاوة, والعياذ بالله.[ص:85]
أسباب الثبات على الدين:
أولا: النظر في كتاب الله عز وجل وتدبره وتأمل قصص الأنبياء, وكيف كانت العاقبة لهم, قال تعالى: ( وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين)[هود:120] وقال تعالى: { قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين} [النحل:102]
ثانياً: المبادرة إلى فعل الطاعات, كما قال تعالى: {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتاً } [النساء:66]
ثالثاً: النفقة في السبل التي ترضى رب العالمين, قال تعالى: {ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة} [البقرة:265]
رابعاً: الإكثار من ذكر الله تعالى, ومراجعة العلماء, والصدور عن فتاواهم وأقوالهم, والحرص على الصحبة الصالحة التي تعمل بالسنة, وتدعو إليها, وبطلب العلم, والإكثار من النوافل, قال تعالى: ( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) [الحجر:99] وقال تعالى: ( { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} ) [آل عمران:102] [ص:165]
ربط الجهاد بولاة الأمور:
بعض الناس قد تأخذهم العاطفة فيقولون: إن الولاة لا يسمحون لنا بالقتال مع إخواننا المستضعفون في الأرض بل إنهم قد يحرِّضون الناس على الذهاب للجهاد, ويدعونهم للذهاب إلى هذه البقاع؟ والجواب عن هذا أن نقول ديننا ليس مأخوذاً من العواطف وإنما يؤخذ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إذا حكّمنا عقولنا أو أهواءنا أو عواطفنا فإننا سنضل وإذا أخذنا بالكتاب والسنة فإننا بإذن الله نهتدي. ومثل هذا ما يتعلق بهذه المسألة, فإن النصوص قد دلت على وجوب ربط الجهاد بولاة الأمر, كما في حديث: ( إنما الأمامُ جنة يُقاتل من ورائه, ويُتقى به.) فحينئذ هل يصح لنا أن نترك مدلول هذه النصوص من أجل عواطفنا ؟! ثم إن الله جل وعلا قد ذكر مثل هذا في كتابه, فقال سبحانه: ( { وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق} ) [الأنفال:72] فإذا كان هناك عهد وميثاق فإنه لا يجوز قتالهم, ولو استضعفوا بعض المسلمين وآذوهم.
وشاهد هذا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم, أعرف الناس بكتاب الله, ولما جاء أبو جندل وأبو بصير, وكانوا مستضعفين وكانوا بعذّبون ويُفعل بهم الأفاعيل, وهكذا بقية المستضعفين في مكة, هل قاتل النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة من أجلهم ؟! امتنع في الأمر الأول لضعفه, ثم امتنع في الأمر الثاني لوجود الصلح بينه وبين أهل مكة.[ص:197_198]
التفريق بين الناصح وبين الفاضح:
الذي يتكلم بعيوبك عند الآخرين هذا ليس بناصح, بل هذا صاحب غيبة, وفاضح. وأما الذي يتكلم بعيوبك أمامك خصوصاً في وقت عدم سماع الآخرين فهذا الناصح
وسائل الدعوة:
وسائل الدعوة على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: وسائل وردت في الشريعة, فهذه قد استعملها النبي صلى الله عليه وسلم, مثل: المكاتبة, والخطبة, ونحوها, فهذه نثبتها.
النوع الثاني: وسائل نهى عنها الشرع, فحينئذ لا يجوز استعمالها, من مثل: الكذب, والمكر, والتحايل, ونحوها.
النوع الثالث: ما لم يرد فيه دليل شرعي بجوازه ولا بالمنع منه, فالصواب جواز استعماله, وهذا يكون مبنياً على قاعدة: " الوسائل لها أحكام الغايات" [ص:123]
أسباب تجلب رضا الله سبحانه وتعالى:
من الأمور المستحسنة أن يحرص العبد على استجلاب رضا الله جل وعلا, ومن الأسباب الجالبة لرضا الله سبحانه وتعالى عن العبد ما يلي:
أولاً: الشكر, كما في قوله تعالى: ( {وإن تشكروا يرضه لكم} ) [الزمر:7]
ثانياً: الإيمان والعمل الصالح, قال الله: ( {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية * جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه } ) [البينة:6_7]
ثالثاً: الصدق, قال تعالى: ( { قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم} ) [المائدة:119]
رابعاً: اتباع منهج السلف, قال تعالى: ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ) [التوبة:100] [ص:249]
أسباب الحاجة إلى العلماء:
الحاجة إلى العلماء تتزايد, وذلك لعدد من الأمور:
الأمر الأول: كثرة أعداد المسلمين, حيث وصلوا إلى آلاف الملاين, أو أكثر, وكلّ من هؤلاء يحتاج إلى من يرشده, ويحتاج إلى من يفقه, ويحتاج إلى من يفتيه.
الأمر الثاني: كثرة الواردات التي ترد إلى الناس من أنواع الشبهات والشهوات, حتى وصلت إلى الناس في بيوتهم, بل وصلت إليهم في جيوبهم, فتجده يُخرج جواله ويفتح الشبكة, ويبدأ بالشبهات, فتحتاج إلى علماء ليكشفوا هذه الشبهات التي تلقيها الشياطين, والفقيه الواحد أشدّ على الشيطان من ألف عابد, لأنه يزيل شبهات الشياطين.
الأمر الثالث: ومما يبرز حاجة الأمة إلى كثرة العلماء ورود الفتن على الناس في وقت وراء وقت, فدماء تُسفك, وأرواح تُزهق, وأموال تُنهب, وأعراض تغتصب, ولا يحرك الناس للخلاص من مثل أحد مثل علماء الشريعة.
الأمر الرابع: أن العلم يُنسى, فإذا لم يكن له تذكير دائم نُسي, وهذا لا يقوم به إلا العدد من العلماء.
الأمر الخامس: أن أجيال الناس تتوالى, فكلما حدَث جيل, فهم لا يعرفون, ولا يعلمون فيحتاجون إلى من يعلمهم.[ص:274]
الدعاء للولاة:
وهنا مسألة: لماذا لا ندعو على الولاة ؟ نقول: لأن ولاة الأمور ولاهم الله أمر المسلمين, والدعاء عليهم قد يزيد البلاء, فعلى كل مسلم أن يدعو لولي الأمر بأن يهديه الله ويسدده, ويصلحه ويوفقه, لأن في صلاحهم صلاحاً للأمة.[ص:179]
الحاجة إلى معرفة العلماء, والتمييز بينهم وبين غيرهم ممن يتزيا بزيهم ويلبس لبسهم:
في زماننا هذا اشتدت الحاجة إلى معرفة العلماء, والتمييز بينهم وبين غيرهم, ممن يُغتر به, ويتزيّا بزيهم, ويلبس لبسهم, واشتدت هذه الحاجة لأمور:
الأمر الأول: قلة العلماء, فالعلماء اليوم قليل نادرون.
الأمر الثاني: تصديق من ليس من أهل العلم, وخصوصاً في وسائل الإعلام, لأن أكثر وسائل الإعلام يملكها أصحاب أغراض وأهداف, فمن حقق أغراضهم, وأهدافهم صدّروه, إما لكونه يجلب لهم كثرة مشاهدين, أو لأنه يجلب لهم إعلانات, أو لأنه لا يوقعهم في إحراج مع الحكومات, أو لأنه يُمالي في بعض أموره, ولذلك يصدِّرونه.
الأمر الثالث: أن الجهل قد عمّ حتى أصبح الناس لا يميزون بين العالم وغير العالم277
طرق معرفة العلماء:
طرق معرفة العامة للعلماء, وهذا الذي يتكلم به الأصوليون كثيراً, وقد ذكروا لذلك طرقاً:
أولها: معرفة سابقة بكون الإنسان مسؤولاً في العلم, ونحوه.
ثانيها: رجوع الناس إلى شخص في تحصيل العلم والفتوى, ومراجعته فيما يتنازعون فيه ليفصل بينهم.
ثالثها: دلالة فقيه عليه, فإذا أحال فقيه بسؤال فلان عن هذه المسألة, فهذا دليل على أن المُحال عليه متأهل في العلم, بحسب رأي الأول.
رابعها: انتصاب الشخص للفتيا بمحضر من العلماء, وعدم انكارهم عليه, لكن إذا كان انتصابه بحيث لا يشعر به أحد من العلماء فهذا لا يعول عليه.[ص:277]
التعاون بين أهل العلم:
الحاجة إلى العلماء شديدة, وكل يوم تزداد, وهذا يجعل أهل العلم يتعاونون فيما بينهم ما يحقق هدفهم من نشر دين الله, ومن مقتضى هذا التعاون أن يكمل بعضهم بعضاً في تعليم العلم, وإقراء القرآن, وبث المواعظ, ومن مقتضى ذلك أن يحفظ كل منهم للآخر مكانته, ومنزلته, وأن لا يقدح فيه, خصوصاً أمام الآخرين. لأن القدح كما أنه غيبة, فهو كذلك يؤدي إلى صدّ الناس عما مع المقدوح فيه من العلم والدين
ومن أوجب الواجبات على أهل العلم حفظ ألسنتهم عن الكلام في أعراض بعضهم.
فالمقصود أن العلماء يتعاونون بعضهم مع بعض, ويتقربون بذلك لله عز وجل, ولا يريدون ثناء دنيوياً, ولا يريدون مكانة, ولا منزلة, وإنما يريدون ما عند الله سبحانه, وليس همُّ أحد نصرة مذهب أو عصبية لجنس أو انتصاراً لحزب بل همهم دعوة الخلق إلى الله عز وجل. ومن هنا فكلما كانت الولاية أقرب إلى السنة, كلما كثر العلماء فيها, وكلما كانت الولاية أبعد من السنة, وأقرب على البدعة, قلت أعداد العلماء في ذلك البلد. ولو علم الولاة أثر وجود العلماء في استقرار أحوال الناس, وأمنهم, وحسن تخلقهم بالأخلاق الفاضلة, وأثر هؤلاء العلماء في استقرار الملك, والمحافظة على الولاية لعضوا على التمسك بهم نواجذهم, وعرفوا قيمتهم ومنزلتهم [275]
أهم أسباب افتراق الناس:
ليعلم أن من أهم أسباب افتراق الناس هو قصد الدنيا, فعندما يقصدون الدنيا يحصل بينهم الاختلاف والتنازع, إذ يدخل الاختلاف لأن كل واحد يظن أن حصول غيره على الدنيا يعنى نقص دنياه, ولذلك فعند وجود الاختلاف بسبب الدنيا فإنه حينئذ لا يُشرع للمسلم أن يدخل معهم.[ص:313]
صور من كرامة الله جل جلاله لأوليائه:
الكرامة أمر خارق عن المعتاد يتفضل الله به على بعض عباده المؤمنين...ولها صور متعددة فمن ذلك:
أولاً: إجابة الدعاء...
ثانياً: البركة سواء في الوقت, أو في المال, أو في القدرة, والولاية...
ثالثاً: القبول في الأرض...
رابعاً: اجتماع القلوب المتناثرة على شخص من العباد....
خامساً: الانتصار مع ضعف الإمكانات, والنجاح مع قلة الإمكانات....
سادساً: اجتياز المصاعب الشديدة, والمواقف الحرجة.
سابعاً: تثبيت الإنسان على الحق مع كثرة ما يُعرض له من ترغيب وترهيب....
ثامناً: السلامة من مكر الكافرين....
تاسعاً: خضوع الكبار من أهل الولاية, فتجد صاحب الولاية إذا أتاه أحد من أولياء الله الناصحين خضع له, وذلّ له, فهذه كرامة يجعلها الله في القلوب, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( « نصرت بالرعب مسيرة شهر» ) [ص:287]
البرمجة العصبية:
هل ما يسمى بــــ" البرمجة العصبية" نوع من أنواع التنجيم؟ الذي يظهر أن هذا ليس من الكهانة لكنه من المحرمات لأنه يتضمن ترك الاعتماد على الله للاعتماد على السبب وعلى النفس بل اعتقاد أن النفس سيأتي منها خوارق ولذلك تجدهم يمشون على الجمر ويصفون أنفسهم بصفات تعظيم من أجل أن تكون نفوسهم قوية فيتمكنون حينئذ من تحقيق مرادهم ويظنون أن الإيمان بالشيء في النفس يغير الواقع
صور حديثة للكهانة والعرافة في عصرنا:
الكاهن والعراف من يدّعي علم الغيب, فيقول عن نفسه بأنه يعرف المُغيبات التي لم يطلع عليها. وقد تواترت النصوص بتحريم إتيان الكهان والعرافين.
وهناك صور حديثة للكهانة والعرافة, وُجدت في عصرنا الحاضر, لم تكن موجودة في الزمان السابق, منها:
أولاُ: ما يقوم به بعضهم من أنواع القوة الخارقة, يأتي فيسحب السيارة بشعرة من رأسه, فهذا من أنواع الكهانة, فهو وإن لم يكن فيه ادعاء علم الغيب, لكنه يدعي قوة ليس من المعتاد أنه يملكها, فدل هذا على أنه يستعين بالشياطين على طريقته.
ثانياً: من يدعى علم ما في الجيوب, مما قد يفعله أهل ما يسمى بالسِّرك, فيقول: من يردني أن أختبره ؟ فيقوم ويقول: أخرج بطاقتك, فيقول له: بطاقتك رقمها كذا, ومهنتك كذا, ويذكر له جميع ما يتعلق بهذه البطاقة, وما ذاك إلا لأن الجن يخبرونه بما فيها. ويوجد أيضاً فيما يسمى بالسرك أنواع من الكهانة, والدجل, والشعوذة.
ثالثاً: من صور ذلك ما يُزعم بأنه يعرف الشخص برؤية كتابته, فإذا رئيت كتابته عرفنا هل هو عصبي, أم هو مرتاح, أو هو خائف ووجل, أو نحو ذلك, وهذا نوع من أنواع الكهانة.
رابعاً: ما يتعلق بقراءة الفنجان, فيقول: دعني أقر لك في كفك من أجل أن أبين لك ما سيحصل لك, فهذا أيضاً من أنواع الكهانة.
خامساً: من ذلك أيضاً: التنجيم, وذلك بربط ما سيقع من الحوادث بالنجوم, فيقول: من وُلِد في النجم الفلاني فسيحصل له كذا وكذا, وهذا أيضاً من أنواع الدجل الذي لا يجوز للإنسان أن يذهب لأصحابه.
سادساً: ووجد في عصرنا هذا أنواع من الدجل, ووضعت له قنوات تلفزيونية, وبعضهم يظهر الخير والصلاح, وأنه يقرأ على الناس, وهو في الحقيقة من الكهنة الذين يفسدون عقائد الناس.
فإن قال قائل: الذهاب للكهنة حرام, وهو كبيرة من كبائر الذنوب, فلو قدرنا أن كاهناً وضع له قناة تلفزيونية, فهل كل من شاهد قناته يعد قد أتى الكاهن ؟
فنقول: أفتت اللجنة الدائمة أن هذا نوع من أنواع الاتيان, وأن هذا الفعل حرام على الإنسان لأن الله عز وجل نهى عن الجلوس في مجالس الباطل, وهذا من مجالسها وقد يتعلق القلب بهذه الحوادث وهذه الأفعال وبالتالي يمرض قلبه بسبب ذلك
سابعاً: من أنواع الكهانة دعوى بعض الناس أن الجن تخبره بالأمراض التي أصيب بها من يزوره من المرضى, وهذا كهانة, ومن يفعله كاهن ولو ادعى العلم والقراءة, وأظهر نفسه بمظهر أهل الخير والصلاح, فإن العبرة بحقائق الأمور.[ص:304]
الخشية على الأمة من الافتراق أكثر من الخشية عليها من العدو الخارجي:
الشريعة حذرت من الفرقة والاختلاف, وبينت أن النزاع سبب الفشل, والأمة يخشي عليها من الافتراق والنزاع أكثر من الخشية عليها من عدوها الخارجي, لأن الفرقة والنزاع إنما هي بسبب عملهم, والله إنما يهلك الناس بسبب أعمالهم هم, لا بسبب قوة عدوهم, والدليل على أن الخشية على الأمة من الافتراق أكثر من الخشية عليها من العدو الخارجي ما ورد في صحيح مسلم من حديث ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( سألت ربي ثلاثاً, فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة, سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها, وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها, وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها.) فالخشية علينا من الثالثة[ص:313]
إباحة الشيء لا تعني عدم تأثيره على الإنسان:
هنا مسألة ينبغي أن نتنبه إليها, وهي: إباحة الشيء لا تعني عدم تأثيره على الإنسان فمثلاً صوت المعازف الذي يصل إلى سمع الإنسان بدون أن يكون من فعله, فهذا لا يأثم بسماعه إذا لم يقدر على تغيره, ولكنه قد يؤثر على قلبه, ولذلك ورد في الحديث عن نافع, قال: سمع ابن عمر مزماراً, قال: فوضع إصبعيه على أُذنيه, ونأى عن الطريق, وقال لي: يا نافع هل تسمع شيئاً ؟ قال: فقلت: لا, قال: فرفع إصبعيه من أُذنيه, وقال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمع مثل هذا, فصنع مثل هذا, مع أنه لا يؤاخذ لكونه لا يقدر على تغيره, وليس من فعله, لكنه خشي أن تتأثر نفسه بذلك, فإن سماع الباطل مؤثر, فهذا إذا كان مع النبي صلى الله عليه وسلم المؤيد بالوحي, فكيف الحال معنا.[ص:330]
فوائد مختصرة:
** القلوب إذا ارتبطت بالله, وكانت مع الله, كان الله مع العبد, وأما إذا تفلتت القلوب من ارتباطها بالله فقد أسلمت نفسها إلى الضعف والعجز والخور[327]
** متى وجد الهوى فلا بد أن يتفرقوا ويختلفوا, والبدع تنشأ من الأهواء, فإنه إذا وجدت الأهواء وعمل كلّ برأيه بدون أن يستند لنص فحينئذ تنشأ البدع[333]
** كلما قرب الناس من السنة زالت الخلافات بينهم, وكلما ابتعد الناس عن السنة وجد الاختلاف بينهم. [ص:335]
** الرافضة اليوم يكفر بعضهم بعضاً, وما جمعهم إلا اسم نصرة المذهب, ولو عُني بعض أهل الخير والصلاح بإبراز ما بينهم من فروقات, لأدى ذلك إلى تخاصمهم وتشاجرهم, واشتغالهم عن غيرهم.[ص:335]
** الشبهات والضلالات التي تلقيها الشياطين, الكاشف لها العلم المستند إلى دليل صحيح, ولكن قد يعجز الإنسان عن استخراج العلم الذي يزيل ما لديه فيحتاج إلى مراجعة عالم يُعينه على تعرّف أسباب الثبات وجواب الشبهات.[ص:330]
** الإنسان لا ينبغي به أن يُعرض نفسه لمواطن الفتن, فإنه لا يدري لعله تعلق في قلبه شهوة أو شبة فتُرديه, ومن أمثلة هذا أن الإنسان قد يجلس عتد قناة فيها داعية لباطل, وربما وصل إلى ذهنه معلومة من حيث لا يشعر, فترسخ في ذهنه وهي ضلاله
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
- التصنيف: