الحفاظ على المرافق العامة..
الشاهد: أن النعمة إذا شكرت غفر لصاحبها وكان من المرحومين، وأن النعمة إذا كفرت كان صاحبها من الجاحدين المعذبين.
أيها الإخوة المؤمنون: إن نعم الله تعالى علي وعليكم كثيرة {وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّنۢ بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْـًٔا وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلْأَبْصَٰرَ وَٱلْأَفْـِٔدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }
نعم الله تعالى على الإنسان تغمره من أخمص قدمه إلى منبت شعره ، نعم قد نعلمها ونعرفها وما يخفى علينا من النعم ولا نعلمه أكثر وأكثر { أَلَمْ تَرَوْا۟ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُۥ ظَٰهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِى ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَٰبٍ مُّنِيرٍ}
تتنزل نعم الله تعالى علينا في صور ثلاثة..
أما الصورة الأولى : فهى النعم الخاصة التي تخصك وحدك لا شريك لك فيها .. سمعك، بصرك، صحتك، همتك نعم خاصة لا ينتفع بها غيرك ..﴿ {خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ۖ وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } ﴾
وأما الصورة الثانية والتي تتنزل فيها النعم : فهي النعم العامة وإن شئتم فقولوا المنافع العامة والتي يشترك فيها كل الناس وقد يكون لبعض الخلائق غير الإنسان نصيب فيها .. مثل الماء مثل الهواء مثل الظل مثل النار مثل العشب وغير ذلك من النعم والمنافع العامة القديمة قدم الإنسان.. قال النبي عليه الصلاة والسلام ( «الناس شركاء في ثلاث الكلأ والماء والنار» )
ولما مر النبي عليه الصلاة والسلام بمعاذ وهو يتوضأ بماء كثير قال ما هذا السرف؟؟
فقال معاذ وهل في الماء سرف؟ قال النبي نعم ولو كنت على نهر جار ..
وأما الصورة الثالثة:
فهى أيضا من النعم العامة ومن المنافع العامة والتي يشترك فيها كل الناس لكنها هذه المرة هي نعم استحداثها الناس بهداية من الله تعالى كالمدارس والمعاهد والمشافي والمساجد والطرق وهي نعم لكل إنسان فيها سهم..
من هنا وجه الإسلام :
إلى ضرورة الحفاظ على هذه المنافع العامة فلا تستلب ولا تنتهب ولا ينتقص منها ولا يضيق على الناس فيها ذلك أن في بقائها بقاء نفعها وفي المساس بها يأتي الأذى.. لا لفرد ولا لفردين ولكن الأذى يلحق الناس أجمعين قال الله تعالى﴿ {وَلَا تَبْخَسُوا۟ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَٰحِهَا ۚ } ﴾
فمن لوث الماء فقد آذي الجميع وقد باء بالإثم، ومن أفسد على الناس الهواء فقد آذاهم وقد باء بالإثم ، ومن قضى حاجته من بول أو غائط في مواضع الظل وفي طرقات الناس فقد باء بالإثم..
الدليل:
قول الله تعالى ﴿ { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُۥ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِى قَلْبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِى ٱلْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ ۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلْفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُۥ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } ﴾
دليل آخر قول أبي هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ سَلَّ سَخِيمَتَهُ ( يعني من رمى قذارته وأذاه) « «مَنْ سَلَّ سَخِيمَتَهُ عَلَى طَرِيقٍ عَامِرٍ مِنْ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ، وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» »
وفي باب الدعوة إلى الحفاظ على المنافع العامة:
والترغيب في حفظها وصيانتها ورد قول النبي عليه الصلاة والسلام «لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ»
فمن سعى لعمارة منفعة من منافع الناس فزاد فيها وصينها ووسعها وجهزها ونماها كان له أجر عظيم عند الله تعالى ( من غرس نخلا، من وسع نهرا، من شق طريقا، من حفر بئراً، من أزاح حجرا، من أزال شوكا) كان أجره عند الله عظيما..
مشى معاذ بن جبل صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق ومعه رجل فبينما معاذ يمشي إذ لقي بالطريق حجرا يضيق على الناس ويؤذيهم فما كان من معاذ إلا أن أزاح ذلك الحجر وأزاله فقيل له لم فعلت ذلك ؟
فقال لأني سمعت النبي عليه الصلاة والسلام يقول «مَنْ رَفَعَ حَجَرًا مِنَ الطَّرِيقِ كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ حَسَنَةٌ دَخَلَ الْجَنَّةَ»
الشاهد: لا تحقرن من المعروف شيئا فكل معروف صدقة .. نسأل الله تعالى أن يعصمنا جميعاً من الزلل وأن ينجينا برحمته من سوء العمل إنه ولي ذلك ومولاه...
الخطبة الثانية
بقي لنا في ختام الحديث أن نقول عن المنافع العامة وبيان أنها من جملة النعم بقي لنا أن نقول: إن الإنسان بيديه يكتب سعادته في الدنيا والآخرة وبيديه أيضًا يكتب شقاءه في الدنيا والآخرة..
قول الله تعالى ﴿ {وَإِن تَعُدُّوا۟ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحْصُوهَآ ۗ } ﴾ ورد في القرآن مرتين ..
في سورة إبراهيم ﴿ {وَإِن تَعُدُّوا۟ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحْصُوهَآ ۗ } ﴾ وفي سورة النحل ﴿ {وَإِن تَعُدُّوا۟ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحْصُوهَآ ۗ } ﴾
﴿ وَإِن تَعُدُّوا۟ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحْصُوهَآ ۗ ﴾ في سورة إبراهيم وردت في سياق الحديث عن قوم كفروا بالله تعالى وعملوا من المنكرات أعمالاً أبشعها أنهم كذبوا النبي محمدا صلى الله عليه وسلم فناسب ذلك أن يأتي ختام الآية بهذه الصيغة ( {وَإِن تَعُدُّوا۟ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحْصُوهَآ ۗ إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } ﴾
أما ﴿ وَإِن تَعُدُّوا۟ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحْصُوهَآ ۗ ﴾ في سورة النحل فجائت في سياق آخر جاءت في سياق الحديث عن قوم يرتجى إيمانهم وعن بركات الله تعالي على عباده وفي سياق المن من الله تعالى على الناس فناسب ذلك أن تأتي الآية بهذا الختام ﴿ {وَإِن تَعُدُّوا۟ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحْصُوهَآ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } ﴾
الشاهد: أن النعمة إذا شكرت غفر لصاحبها وكان من المرحومين، وأن النعمة إذا كفرت كان صاحبها من الجاحدين المعذبين.
نسأل الله تعالى أن يبارك في أموالنا وأولادنا وذرياتنا إنه ولي ذلك والقادر عليه..
- التصنيف: