علمتنى أم سُليم بنت ملحان
إيمان الخولي
وإنهما لزوجان معا فى الحرب كما كانا فى السلم وكأنهما تعاهدا ألا يفترقا فها هى أم سليم تغزو مع رسول الله
- التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة -
إنها الصحابية التى لقبت بالرميصاء وقد أسلمت مع السابقين إلى الإسلام من الأنصار.
تزوجت أم سليم فى الجاهلية من مالك بن النضر وعندما جاء الإسلام استنار قلب أم سليم به ولكن زوجها عاش فى ظلام الجاهلية ولم يقبل هدى الله وخرج إلى الشام لأن المدينة كانت دار إسلام وقتها ثم هلك هناك فكان هذا أول ما تعلمته من هذه الصحابية كيف اختارت الإسلام على زوجها فى الوقت الذى كان اعتماد المرأة على زوجها فى تدبير أمور المعيشة فليس لهن دخل خاص بهن فكيف ذلك كيف أن الإيمان ملأ عليها جوانحها فلم يدع مكاناً لهوى نفس فى قلبها فقلبها خالص لخالقه كيف قبلت التضحية وتيقنت فيما عند الله وهل كانت تعلم أنها ستتزوج مرة أخرى أم أنها أرادت أن ترى الله من نفسها خيرا ودللت على إيمانها بالاستجابة لأوامره وهى الزوجة التى فقدت استقرارها كزوجة وكأم ولكن أى شئ يعادل الدخول فى الإسلام وهذا لا يعنى أن الزوجة المسلمة تطلب الطلاق من زوجها لأنه لا يصلى النوافل أو يقيم الليل أو يصوم نوافل هذا ليس المقصد ولكن على فتيات كثيرة أن تحسن الإختيار من الأول فتأخذ من يتقى الله فيها ويعينها على الطاعة وليس ما نراه الآن من فتياتنا التى تبنى زواجها على المظاهر ولا تلقى بالاً لمقياس التقوى فعليها أن تفكر كثيراً قبل الاختيار فقد تحيا المرأة المؤمنة بلازواج تصبر على ذلك ولكن لا تستطيع أن تحيا بلا إيمان وعقيدة ثابته
ويمر الوقت ولا تضعف عزيمة المرأة وتبقى على عهدها مع الله محتسبة الأجر واثقة أنه لن يضيعها ولأنها اختارت الإسلام جاءها من يُسلم على يديها ويطوع الله قلبه للهدى ودين الحق إنه حقاً أغلى مهر تطلبه امرأة ويالسعادتها وهى تراه ينفذ لها ما تطلب
فعن أنس قال: «خطب أبو طلحة أم سليم -رضي الله عنها- قبل أن يسلم فقالت: أما إني فيك لراغبة، وما مثلك يرد، ولكنك رجل كافر، وأنا امرأة مسلمة، فإن تسلم فذاك مهري، لا أسأل غيره». فأسلم وتزوجها أبو طلحة.
علمتنى أنه لن يخيب ظن من تمسك بدينه وثبت عليه ولو لسنوات طويلة متيقن فى العوض فيأتى العوض فوق التخيل يعجب ذو الحيلة منه ولما لا وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ ومتى ترك الله عز وجل عبده المخلص له ؟ أرأيت كيف كان زواجها ؟ والله لقد حيزت لها الدنيا بحذافيرها ونحن نرى الآن من تبيع دينها وحجابها وطاعتها لربها من أجل الزواج أى زواج هذا ! وأى بركة تحدث لمن تخلت عن طاعة الله من أجل رزق مضمون ولكنها تعجلت بأخذه بمعصية الله كيف يُلقى الله فى قلوبكم المودة والرحمة وأنتم تعصونه ؟، وهكذا حازت أم سليم من الخير الكثير كما وعد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خيرٌ لك من أن يكون لك حُمْر النَّعَم». جمعت بين خيري الدنيا والآخرة بإسلامه والزواج منه
علمتنى كيف تخلص الزوجة لله فيطوع لها قلب زوجها لتقوم حياتهما على تقوى الله وليس كما نراه الآن من زوجات جعلت من الزوج مركزيتها وتعلقت به التعلق المرضى حتى وإن أبعدها عن ربها فتعبت وأتعبت من حولها
ومازلنا نرى من ثبات هذه المراة ما يحير العقول فلم تعلمنا كيف تكون الزوجة حكيمة وحسب بل كيف تكونىن أماً صابرة أثرت طاعة الله فى كل وقت فقد أطاعت زوجها فيما أراده ولم ترد أن تعكر صفو ليلته برغم من جرح غائر فى الصدر وموت فلذة الكبد
فعن أنس رضي الله عنه «أن أبا طلحة رضي الله عنه مات له ابن، فقالت أم سليم رضي الله عنها: لا تخبروا أبا طلحة حتى أكون أنا أخبره. فسجَّت عليه ثوبًا، فلما جاء أبو طلحة رضي الله عنه وضعت بين يديه طعامًا فأكل، ثم تطيّبت له فأصاب منها فتلقت بغلام، فقالت له: يا أبا طلحة، إن آل فلان استعاروا من آل فلان عارية، فبعثوا إليهم أن ابعثوا إلينا بعاريتنا، فأبوا أن يردوها. فقال أبو طلحة: ليس لهم ذلك؛ إن العارية مؤداة إلى أهلها. قالت: فإن ابنك كان عارية من الله، وإن الله قد قبضه فاسْتَرْجِعْ. قال أنس: فأُخبر النبي ، فقال: «بارك الله لهما في ليلتهما»» .- وقد عوضهما الله بذرية كلها من حفظة القرآن
من منا يدرك أن أولاده عارية عنده وأمانة يستردها الله وقت ما يشاء فعليهم ان يراعوا الله فيها ولا يتركوها للضياع وسبحان الله أنها هى التى نقلت عن النبى حديث أجر من فقدت الولد
حين قالت أم سليم -رضي الله عنها- أنها سمعت رسول صلى الله عليه وسلم الله يقول: « «مَا مِنِ امْرَأَيْنِ مُسْلِمَيْنِ يَمُوتُ لَهُمَا ثَلاَثَةُ أَوْلاَدٍ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إِلاَّ أَدْخَلَهُمُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ» ». وهكذا أم سليم فى كل موقف من مواقف حياتها تعلمنا كيف يكون الثبات على العهد مع الله إيماناً بالأجر والثواب كم مرة ابتليت تلك المرأة فى طاعتها لله فصبرت حتى رأت آيات النصر ؟ إنه الصبر ما يبلغ المنزلة العليا فى الجنة !
وإنهما لزوجان معا فى الحرب كما كانا فى السلم وكأنهما تعاهدا ألا يفترقا فها هى أم سليم تغزو مع رسول الله تحمل خنجرا يوم حنين «فيسأل عنه النبى صلى الله عليه وسلم فيرد زوجها: يا رسول الله، هذه أم سليم معها خنجر. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَا هَذَا الْخَنْجَرُ؟». قالت: "اتخذتُهُ إن دنا مني أحد من المشركين بقرتُ به بطنه"» .
وكأنه تمنى لها الشهادة كما كانت سبباً فى إسلامه والخير الذى عاش فيه حتى مات
كما علمتنى الإصرار على أن يكون للمرأة دور فى الحرب كما كان لها دور فى السلم بشجاعتها فى مواجهة الأعداء إنها صفة مشتركة بين كثير من الصحابيات إذا دققنا النظر منهن نسيبة بنت كعب وصفية بنت عبد المطلب وخولة وغيرها الكثير ممن ثبتن مع النبى صلى الله عليه وسلم فى السلم والحرب أى نساء هؤلاء اللاتى جبلت قلوبهن على حب الشهادة وأى نساء نحن ؟
وهى التى وفت بالعهد مع رسول الله حين بايع النساء فقد روت أم عطية -رضي الله عنها- قالت: « «أخذ علينا النبي عند البيعة أن لا ننوح، فما وفت منا غير خمس نسوة: أم سليم، وأم العلاء، وابنة أبي سبرة، وامرأة معاذ، وامرأة أخرى» ».ألهذا الحد الصدق مع الله فلم تكن امراة عادية
وترى حكمتها وسداد رأيها فى أيام فتنة عثما ن إذ قالت أ م سليم -رضي الله عنها- لما سمعت بقتل عثمان رضي الله عنه: :"أما إنه لم يحلبوا بعده إلا دمًا".وصدقت مقولتها فى فتنة عثمان وأحداث مقتله أنهم زرعوا الفتن فلم يجنوا إلا الدماء والخراب وانقسام الناس إلى أحزاب منهم من ضل الطريق ومنهم من سلك الطريق المستقيم
وما يدريك أن بعد هذه الحياة المثابرة الصابرة الوفية كان حق على هذه النوعية من النساء أن تكون من أصحاب الجنة وتبشر بها فى الدنيا فبل الاخرة فيالهناء من اشترت ما عند الله وقبضت الثمن فى الدنيا قبل الآخرة وتلك عاجل بشرى المرء فلا يتركك المولى عزوجل ترحل من الدنيا إلا وقد اشترى منك وأسعد قلبك برؤية مقعدك من الجنة إذ يقول تعالى :" {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [17 السجدة] فقد روى البخاري من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال النبي : ««رَأَيْتُنِى دَخَلْتُ الْجَنَّةَ ، فَإِذَا أَنَا بِالرُّمَيْصَاءِ امْرَأَةِ أَبِي طَلْحَةَ وَسَمِعْتُ خَشَفَةً، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا بِلاَلٌ. وَرَأَيْتُ قَصْرًا بِفِنَائِهِ جَارِيَةٌ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: لِعُمَرَ. فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَهُ فَأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ». فقال عمر: بأبي وأمي يا رسول الله، أعليك أغار؟!»
وأسلمت الروح إلى بارئها بعد أن وفت له فى الدنيا
توفيت في خلافة معاوية رضي الله عنه، فرضي الله عن أم سليم وأرضاها.
وكان من حقها علينا أن نذكرها الآن ونحن فى القرن العشرين بكل فخر وعزة نأمل أن نراها فى الجنة