إضاءات زوجية

منذ 2021-11-09

يحلم كل زوجين ببيتٍ سعيدٍ، وحياة زوجية تملؤها الرحمة والسكينة، والحب، ولكن كم من زواجٍ شهد في بدايته حبًا وتضحية وسعادة، لكن هذه الأمور لم تدوم حتى النهاية، ربما استمرت زيجات كثيرة، لكن استمرارها لا يعني سعادة هؤلاء الأزواج!

يحلم كل زوجين ببيتٍ سعيدٍ، وحياة زوجية تملؤها الرحمة والسكينة، والحب، ولكن كم من زواجٍ شهد في بدايته حبًا وتضحية وسعادة، لكن هذه الأمور لم تدوم حتى النهاية، ربما استمرت زيجات كثيرة، لكن استمرارها لا يعني سعادة هؤلاء الأزواج!

 

إن القضية ليست في وجود الحب، لكنها تكمن في كيفية الحفاظ على هذه النعمة العظيمة، والتعامل السليم معها، إن القضية ليست في مشاعر البدايات لكن في استمرارها.

 

إن الحب أشبه ببذرة صغيرة إن لم نرعاها، ونوفر لها سبل الحياة لن تكبر وتثمر يومًا عما نريد.

 

وكما نعلم جميعًا أن العلم، والثقافة هما أحد مفاتيح النجاح في مختلف مناحي الحياة، فالعلم يضع الإنسان على سلم الصواب، وينير أمامه الطريق، والحياة الزوجية ليست ببعيدة عن ذاك، بل إن الحياة الزوجية الناجحة قائمة على العلم النافع، وتطبيقه أيضًا.

 

فالزوجين بحاجةٍ إلى العلم، والثقافة الزوجية، وتلك هي أولى خطواتهم العملية لتأسيس بيتهما، ورعاية حبهما، وعدم الوعي بهذه الخطوة، أو تجاهلها قد يعرض حياتهما للتعاسة، أو قد يصل الأمر إلى الفراق والعياذ بالله بسبب كثرة الخلافات، والاختلافات التي مصدرها الجهل بطبيعة الحياة الزوجية.

 

إنك كي تلج عالم الزواج لست بحاجة إلى تجهيز شقة الزوجية، وشراء الاثاث، وامتلاك مبلغ كافٍ للمهر فقط، بل لابد أن تمتلك شيء آخر أيضًا، إنك لابد أن تمتلك في قاموسك الزوجي بعض المفردات التي لا غنى عنها من أجل زواج ناجح يرضي الله عز وجل، ومن أجل حياة زوجية سعيدة وقبل الحديث في ذلك.

 

إنك بحاجةٍ أولًا وأخيرا إلى الافتقار إلى الله، وأن تعلم أنه لاحول ولا قوة لك في نجاح زواجك ونيل حب شريك حياتك، بل الحول والقوة لله، فالحب، والألفة نعمةٌ يهبها الله من يشاء من عباده برحمته سبحانه.

 

قال الله عز وجل: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} [الأنفال: 63].

 

فقط اصدق الله في أنك تريد زواج يرضيه وأنك صادق في رغبتك في تأسيس بيت سعيد يدوم حتى نهاية عمرك بإذن الله، وأري الله منك سعيًا وجهدًا وعملًا جاعلًا شعارك قول الله عز وجل: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88].

 

إن أول معرفة تحتاجها هي معرفة الحقوق والواجبات الزوجية التي نصت عليها الشريعة الإسلامية لكلا الزوجين، حتى تعيش مع شريكك حياة تملؤها السكينة والبركة ببركة طاعة الرحمن.

 

إن ديننا الإسلامي، وشريعتنا دومًا ما تحرص علىما فيه الخير لنا، فجاءت بالحقوق، والواجبات لكلا الزوجين، والتي في قيامهما، بل وتفانيهما في القيام بها استقرار حياتهما، وسعادتهما الزوجية بإذن الله، ومما قيل في تأكيد أهمية هذا الأمر، "إن الناظر للخلافات الزوجية يرى أكثرها ينبع من جهل الزوجين بأحكام الشرع، وتعاليم الإسلام للعلاقات الزوجية.

 

إن معرفة الزوجين بالحقوق والواجبات بمثابة لبنة يُبنى عليها كل شيء بعد ذلك، ومن الكتب التي تناولت هذه الجزئية وأكثر، كتاب الزواج الإسلامي السعيد للشيخ محمود المصري.

ثانيًا:

أنت بحاجة أن تتعلم عن الآخر؛ أي تبني ثقافة تتعرف من خلالها على الفروق بين الرجل والمرأة، نعم إن الرجل والمرأة عالمان مختلفان كلاهما له طريقة تفكير، وكلاهما له احتياجات، وكلاهما لديه عالم من الاختلافات مقارنة بالآخر، وإنك إن لم تتعرف على تلك الاختلافات وتأخذ قسطًا ثقافيًّا في هذا الجانب، لربما قامت حياتك مع شريكك على التصادم والمشكلات أكثر من أن تقتربا من السكينة والاستقرار الأسري، فمما كتبه د/ محمد بدري في كتابه حتى يبقى الحب:

" لابد مع الحب من الفهم العميق والصحيح للفروق بين الرجل والمرأة، ومعرفة الطريقة الأنسب للتعامل مع الجنس الآخر؛ حتى تسود بينهما المودة والرحمة ويبقى الحب لا شك أنه دون الوعي بأن الرجال والنساء مختلفون، فإن العلاقة بين الجنسين تكون معرضة لإشكالات كثيرة."

 

ومما ذُكر في كتاب "شريك حياتي من فضلك افهمني": " بسبب الجهل بتلك الاختلافات النفسية بين الرجل، والمرأة خُيم سوء الفهم بين الزوجين... فقدت بهذا الجهل الكثير من البيوت متعة الحياة الأسرية السعيدة الناجحة، وربما أطاح ذلك باستقرارها أو حتى باستمرارها".

 

ثالثًا:

إنك بحاجة أن تمتلك قيمة المسؤولية، فلا غنى عنها لزواج ناجح، أن تشعر أنك مسؤول عن البذل، بذل الجهد؛ كي يكون لديك ثقافة زوجية، فضلًا عن بذل الجهد من أجل تطبيق تلك الثقافة؛ كي ترسو سفينتك على بر النجاة، دون أن تلقي بالمسؤولية كاملة على عاتق شريك حياتك، متوقعًا أن الحياة الزوجية يمكن أن تكون ناجحة بسعي طرف واحد، بل في الحقيقة الزواج الناجح يحتاج إلى مسؤولية مشتركة.

 

إن الزواج، هو مشروع عمر لكلا الزوجين دور فيه لا يقل عن دور الآخر، إنه حينما يستشعر كل طرف قدر المسؤولية المُلقاة على عاتقه، من أجل تأسيس بيته المسلم السعيد، ويكون لديه الاستعداد أن يبذل في سبيل ذلك بحبٍ، لا أن يلقي أحدهما المسؤولية على الآخر، يكون حينها الزوجين على الطريق الصحيح للنهوض بحياتهما الزوجية بإذن الله.

 

فمما ذكره د/ محمد بدري في كتابه حتى يبقى الحب تأكيدًا على هذا الأمر:

"يتطلب بقاء الحب بينهما جهدًا مشتركًا من كليهما، والتقصير في بذل هذا الجهد يؤدي إلى التباعد العاطفي بين الزوجين، ومن ثم غياب المودة والرحمة التي هي عصب الزواج الناجح".

رابعًا:

إن كل من الزوجين بحاجة إلى أن يعلم ما الذي يحبه، وما الذي يكرهه شريك حياته؟ ما الذي يسعده ويرضيه؟ ما الذي يغضبه؟

 

وهذا الأمر سيأتي تلقائيًّا بالعشرة، والمواقف المختلفة التي يمر بها الزوجان، خاصة في السنة الأولى من الزواج، والتي تعتبر أرضًا خصبةً لظهورها، وسيأتي من خلال حوارات مباشرة يبوح خلالها كلا الزوجين للآخر ببعضٍ من هذه الأشياء.

 

إن معرفتك الجيدة بما يحبه شريك حياتك وما يكرهه، تضع يدك على أحد مفاتيح سعادتك الزوجية بإذن الله.

 

إن معرفتك هذه ستساعدك أن تتجنب الكثير من المشكلات الزوجية التي قد يكون منشؤها هو عدم فهم الزوجين لطباع بعضهما جيدًا، بل وعدم مراعاتهما لما يحب كلاهما أو يكره.

 

إن كل زوجين بحاجةٍ إلى حوارات مثمرة، وجلسات ودٍ وصفاء فالحوار الزوجي المثمر لا غنى عنه لحياة زوجية سعيدة مستقرة بإذن الله.

 

لما لا تتحاور مع شريك حياتك عن الأمور التي من شأنها إضفاء السعادة والاستقرار لحياتكما الزوجية؟

 

لِما لا تجلس معه كل حينٍ جلسة ودٍ لتضعا معًا مجموعة أسس للتعامل فيما بينكما، كأن يخبر أحد الزوجين الآخر باحتياجاته، وكأن يوضح أحد الزوجين للآخر بعض من التصرفات التي تزعجه، وغيرها من الأمور الإيجابية التي تهدف إلى إنماء الحب والتفاهم.

 

لما لا تجعل بينك وبين شريك حياتك مساحات من التحاور والمناقشة في محاولةٍ جادة منكما إلى تقييم نجاح زواجكما كل حينٍ والحرص على معالجة نقاط الخلل، وتسليط الضوء على نقاط القوة والزيادة منها؟

 

امنحا حياتكما الزوجية الاهتمام الكاف..

تحاورا، تناقشا حول حياتكما الزوجية بكل أريحية وقبولٍ من أجل بقاء الود.

ولنفصل بعض الشيء ونقف سويًّا عند بعض الأخطاء التي تتعلق بالحوار الزوجي..

 

• إن الحوار الزوجي الناجح ليس هدفه أن يسلط كلا الزوجين الضوء على عيوب الآخر، وينتقدها لمجرد النقد وبيان نقاط ضَعفه، ليس حوار هدفه التجريح ومواجهة الآخر بعيوبه، بل إن الحوار الزوجي المثمر هو حوار مهذب قائم على المحبة قبل كل شيء، حوار هدفه صلاح، وإصلاح الحياة الزوجية

 

أنا أحب شريكي وأحرص على أن أسعده، أنا أهتم بشريكي، وأتمنى أن تكون علاقتنا طيبة، وهذه هي دوافعي للحوار معه..

شريكي أنا أحدثك عن شيء يغضبني منك؛ لأني أحبك وراغب في نجاح علاقتنا، لا أريد لشيء أن يعكِّر صفو علاقتنا...

 

إنك حين تتحدث مع شريك حياتك بهذه المشاعر، ستجد حواركما حوارًا هادئًا يتقبله الآخر؛ لأنه يلمس في كلماتك حبك له وحرصك على علاقتكما، ستجد نفسك تختار أرق الكلمات، وتتجنب أن تجرح مشاعر الآخر؛ لأن هدفك من الحوار هو إيضاح الأخطاء في إطار نقد بناء مثمر، من أجل سعادتكما الزوجية، وإنماء مساحات القرب لا التباعد بينك وبين شريكك.

 

•قد يخطئ أحد الزوجين في اختيار وقت الحوار، إن كلا الزوجين بحاجة إلى اختيار الوقت المناسب للحديث مع الآخر، فمثلًا لا تختار الزوجة وقتًا تعلم أن زوجها مشغول للغاية فيه، ولا يختار الزوج وقتًا يعلم أن زوجته متعبة جدًّا، بل يختار كلا الطرفين وقتًا أقرب للصفاء الذهني، وقتًا يعلم أنه مناسب للآخر.

 

•قد يخطئ أحد الزوجين في اختيار الأسلوب والطريقة المناسبة في التعبير عن مشاعره، أو توضيح استيائه من سلوك ما يتعلق بالآخر!

 

كأن يقول لشريكه: أنا أكره هذا السلوك منك، هذا السلوك يزعجني منك، لِمَ لا تذكر بعض من محاسن شريكك أولًا؟ لِمَ لا تختار عبارات رقيقة تجعل شريكك يتقبل كلماتك بحبٍّ؟

 

كأن تقول له:

أنا سعيد جدِّا أن رزقني الله زوجًا مثلك طيب القلب، حسن الخلق، كريمًا....

 

أو تقول:

أنا أحبك كثيرًا وفخورة أن لدي زوجًا مثلك الحمد لله، وأنت تعلم حرصي على نجاح علاقتنا..

 

ثم تقول:

هل يمكنني أن أطلب منك كذا... / هذا الأمر يزعجني، هل يمكنك أن تتجنبه من أجلي، وخاصة أنت أيتها الزوجة بحاجة إلى أن تقدمي بعض المدح والثناء بين يدي حوارك مع زوجك إن كان الأمر يتعلق بسلوك يزعجك منه، حتى لا تجرحيه في مساحة رجولته التي يعتز بها وتعني له الكثير، والتي يعد النقد عدوها الأكبر!

 

• إن الحوار بين الزوجين لا يعني أن تقف عند كل طبع لا تحبه، وتتحدث عن كل أمر يزعجك من شريكك!، فالتغافل.. التغافل من أجل بقاء الود، فليس كل ما يزعجك من شريكك محل حوار ونقاش.

فالحياة الزوجية تحتاج إلى الكثير من التكيف، والتغافل، بل والتضحية، أما الوقوف عند كل طبعٍ أو الشكوى من كل سلوك لا تحبه من الآخر، من شأنه أن ينفر الطرف الآخر ويدمر الحب بينكما شيئًا فشيئًا.

فتارة عليك أن تتكيف مع طبع ما، بل طباع لا تحبها حتى تستقر حياتكما، وستجد نفسك تارة تقرر أن تتغافل حتى يبقى الود.

 

ستجد نفسك أحيانًا أمام طبعٍ شاق عليك قبوله، فضلًا عن التكيف معه أو التغافل عنه، فتقرر أن تناقش شريكك بحب، وبأسلوب مناسبٍ عن شعورك هذا في محاولة لإيجاد حل يرضيه، ويسعدك.

 

انظر إلى شريكك بعين الرضا، افرَح بمحاسنه، وغض الطرف عن عيوبه تستقم بينكما الحياة إن شاء الله، أما كثرة العتاب، وعدم التغافل فلا يأتي بخيرٍ.

 

وختامًا:

إننا حين نقرأ عن مقومات السعادة الزوجية، والحياة الزوجية الناجحة أو مهارات التواصل الناجح بين الأزواج، وحين يكتب المهتمون بالحياة الزوجية مؤلفاتهم راسمين بأقلامهم صورة البيت الناجح، قد يظن البعض أن الاستقرار الأسري أو الحياة الزوجية الناجحة، تعني أن تكون الحياة الزوجية خالية من المشكلات، وأن تصبح الحياة مثالية لا يعكِّر صفوها شيء أو يشوب استقرارها شائبة!

 

لكن في الحقيقة الأمر خلاف ذلك، إن الاستقرار الأسري والحياة الزوجية المستقرة لا تعني أن البيوت ستصبح خالية من المشكلات منعدمة فيها الخلافات، ولكنها تعني أن تندر المشكلات وتقل الخلافات..

 

أتعلمون أن بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت أفضل رجال الأرض، بيت أطهر نساء العالمين ذاته، لم يخلو من مشكلاتٍ فماذا عن بيوتنا؟!

 

إننا نقرأ عن الكمال في الحياة الزوجية لكننا ندرك أنه أمر محال، نقرأ عن المثالية، لكننا نؤمن باستحالة بلوغها!..

 

إن المهتمين بمجال الحياة الزوجية حين يتحدثون عن مقومات الحياة الزوجية الناجحة، فإنهم قد يتحدثون في كل شيء مهم وكل تصرُّف جميل من شأنه المساهمة في إقامة بيت مسلم سعيد، يقدمون للقارئ الصورة المثالية الكاملة، وبعد ذلك يجاهد القارئ لينهل من بحور المعرفة والتطبيق العملي من أجل سعادته الزوجية، يسدد كلا الزوجين ويقارب في تطبيق ما يتعلمه من أسس ومهارات، وحينها ستصبح بيوتنا مستقرة بإذن الله وحياتنا الزوجية ناجحة بفضل الله، ولكن ستظل ثمة مشكلات وثمة خلافات لا بد منها، وهناك فارق بين أن تكون الحياة مليئة بالخلافات والمشكلات والمشادات كل يومٍ، بل وفي اليوم مرات عديدة، وبين أن تكون المشكلات مجرد زائر يأتي من حين كل حين، ثمة فارق بين أن يكون الخلاف ديدنكما، وبين أن يكون أمر طارئ يأتيكما من حين إلى حين، فهذا ما يحدد مدى استقرار حياتكما الزوجية من عدمه، أما عن التصورات المثالية والكمال في الحياة الزوجية، فهو أمر لن يحدث.

 

فسدِّدوا وقاربوا أيها الزوجين من أجل حياة زوجية ناجحة مستقرة بإذن الله.

 

سددوا وقاربوا من أجل بيتٍ سعيد، ولا تجعلا تصوراتكم المثالية عائق في طريق سعادتكما.

_____________________________________
الكاتب: أسماء سعد

  • 5
  • 1
  • 6,968

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً