حال المؤمن في الشدة والرخاء.

منذ 2021-11-10

واليوم نتحدث في عجالة عن اسم الله القابض الباسط، في سورة البقرة الله سبحانه وتعالى يقول {وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُۜطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}

أيها الإخوة الكرام: إن لله تعالى أسماء حسنى ﴿ { وَلِلَّهِ ٱلْأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا ۖ } ﴾

وفي مستهل هذا اللقاء أود أن أقول:

إن من أسماء الله تعالى أسماء لا تذكر وحدها، إن لله تعالى أسماء لا تذكر إلا مع ما يقابلها وهي ما تعرف بالأسماء المزدوجة أو الأسماء المقترنة وبهذا الاقتران تتم الفائدة ويحصل الكمال ( الأول والآخر، الظاهر والباطن، المعز والمذل، الخافض والرافع، القابض والباسط)

واليوم نتحدث في عجالة عن اسم الله القابض الباسط، في سورة البقرة الله سبحانه وتعالى يقول ﴿ {وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُۜطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ﴾

والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:"إن الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق"

أشياء كثيرة في أنفسنا وبين أيدينا ومن حولنا يقبضها ربنا سبحانه وتعالى، وأشياء أخرى كثيرة في أنفسنا وبين أيدينا ومن حولنا يبسطها ربنا سبحانه وتعالى ﴿ {وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُۜطُ} ﴾

مع اسم الله القابض الناس في شدة وفي محنة وفي ابتلاء (وبشر الصابرين) ومع اسم الله الباسط الناس في رخاء ومنحة وأيضا في ابتلاء ﴿ وَسَيَجْزِى ٱللَّهُ ٱلشَّٰكِرِينَ ﴾

يقبض الله الأرواح بعدله ، يقبض الصدور بحكمته ، يقبض القلوب بجلاله ، يقبض الظلال بقدرته ﴿ {أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُۥ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا ، ثُمَّ قَبَضْنَٰهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا} ﴾

أشياء في أنفسنا وبين أيدينا ومن حولنا يقبضها الله تعالى بحكمته، وأشياء أخرى يبسطها الله سبحانه أيضاً بحكمته يبسط الأرزاق يبسط الأعمار يبسط السحاب سبيل الرحمات يبسط الخيرات والمسرات ﴿ {فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُۥ يَشْرَحْ صَدْرَهُۥ لِلْإِسْلَٰمِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُۥ يَجْعَلْ صَدْرَهُۥ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى ٱلسَّمَآءِ ۚ } ﴾

يقبض الحكيم العليم إذا اقتضت حكمته أن يقبض وكان في القبض خير للعباد ، ويبسط الحكيم العليم إذا اقتضت حكمته أن يبسط وكان في البسط خير للعباد ﴿ {وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ لِعِبَادِهِۦ لَبَغَوْا۟ فِى ٱلْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ ۚ إِنَّهُۥ بِعِبَادِهِۦ خَبِيرٌۢ بَصِيرٌ} ﴾

قال خباب بن الأرت : فينا نزلت هذه الآية، نظرنا إلى أموال بني النضير وبني قريظة وبني قينقاع فتمنيناها فنزلت ﴿ {وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ لِعِبَادِهِۦ لَبَغَوْا۟ فِى ٱلْأَرْضِ} ﴾

وقيل : إن الناس كانوا إذا أخصبوا وبسطت عليهم أرزاقهم أغار بعضهم على بعض ..﴿ وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ لِعِبَادِهِۦ لَبَغَوْا۟ فِى ٱلْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ ۚ إِنَّهُۥ بِعِبَادِهِۦ خَبِيرٌۢ بَصِيرٌ ﴾

قبض الله تعالى وضيق على اليهود في أموالهم وأرزاقهم فقالوا : ﴿ { يد ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ } ﴾ لم يفهموا أن الله قبض عنهم الأرزاق ليصلحهم

﴿ {وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا۟ بِمَا قَالُوا۟ ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ ۚ } ﴾

يعلم الله تعالى أن من الناس من يصلح حاله بالغنى ومنهم من لا يصلحهم الغنى وخذوا على ذلك مثالا:

قارون ابن عم موسى عليه السلام كان يعد من صالحي بني إسرائيل ومن حفظة التوراة ومن أحسنهم ديانة ...

ثم إنه بسط له في رزقه فتبدل حاله وساءت أخلاقه وجحد نعمة الله تعالى ولم يزل يبغي ويعتدي حتى خسف الله به وبداره الأرض وجعل الله منه عبرة لمن يعتبر ﴿ {وَأَصْبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوْا۟ مَكَانَهُۥ بِٱلْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِۦ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَآ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ } ﴾

كأني بهم يقولون (الحمد لله أنه لم يوسع علينا كما وسع على قارون وعصمنا من الفتنة كما فتن قارون)

المؤمن ساعة أن يقبض عزيز لديه وساعة أن يقبض شيء من رزقه وساعة أن يقبض قلبه يشعر بالخوف والخشية لله رب العالمين ويصبر وفي ذلك خير له..

قبض الله تعالى قلوب بعض أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام حتى ضاقت عليهم نفوسهم وضاقت عليهم الدنيا، قبض قلوبهم ليردهم إليه، ليطهرهم، ليهذبهم ﴿ {وَعَلَى ٱلثَّلَٰثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُوا۟ حَتَّىٰٓ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوٓا۟ أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلَّآ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوٓا۟ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } ﴾

وساعة أن يبسط للمؤمن في المال والولد والخيرات يشعر بالحب والطمع والرجاء في رحمة الله سبحانه وتعالى ويشكر وفي ذلك خير له ﴿ قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِى ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ ۖ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ﴾

بسط على سليمان عليه السلام ووسع الله عليه فقال: ( {هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّى لِيَبْلُوَنِىٓ ءَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِۦ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّى غَنِىٌّ كَرِيمٌ } ﴾

وبسط على يوسف عليه السلام ومكنه الله تعالى فقال ﴿ {رَبِّ قَدْ ءَاتَيْتَنِى مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِى مِن تَأْوِيلِ ٱلْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ أَنتَ وَلِىِّۦ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْءَاخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِى بِٱلصَّٰلِحِينَ } ﴾

المؤمن في الشدة صابر وذلك خير له ، وعند الرخاء شاكر وذلك خير له .. قال النبي عليه الصلاة والسلام " وليس ذلك لأحد إلا المؤمن "

أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يبسط علينا بركته ورحمته إنه ولي ذلك والقادر عليه.

الخطبة الثانية

بقي لنا في ختام الحديث عن حال المؤمن في الشدة والرخاء أن نقول إن الله تعالى هو القابض الباسط وهو المعطي والمانع وهو الخافض الرافع وهو المعز المذل ..

كل شيء في الوجود يخضع لتقدير الله سبحانه وتعالى ﴿ {إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَٰهُ بِقَدَرٍ وَمَآ أَمْرُنَآ إِلَّا وَٰحِدَةٌ كَلَمْحٍۭ بِٱلْبَصَرِ } ﴾ فلا باسط لما قبض ولا قابض لما بسط ولله في ذلك الحكمة البالغة ﴿ {مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُۥ مِنۢ بَعْدِهِۦ ۚ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ} ﴾

فإذا بسط الله عليك نعمه في الصحة والمال والولد فقل الحمد لله واجعلها في طاعة الله..

وإذا قبض الله عليك في صحة أو مال أو ولد فقل الحمد لله واحتسب أجرك على الله.. فالكل خير والكل لحكمة والله يعلم وأنتم لا تعلمون والله القابض الباسط..

فاللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله قوة لنا فيما تحب، وما زويت عنا مما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب .. اللهم آمين.

محمد سيد حسين عبد الواحد

إمام وخطيب ومدرس أول.

  • 2
  • 0
  • 2,655

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً