الاهتمام بأعمال القلوب
ال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن في الجسد مضغةً، إذا صلَحتْ صلَح الجسد كلُّه، وإذا فسَدتْ فسَد الجسد كلُّه، ألا وهي القلب»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه والتابعين، وبعد:
فإذا صح الإيمان صار اهتمامُ العبد بأعمال قلبه أعظمَ من اهتمامه بأعمال جوارحه؛ لأن المدار على ما في القلب، والجوارحُ تبع له، فالقلب هو ملك، والجوارح هي جنوده؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن في الجسد مضغةً، إذا صلَحتْ صلَح الجسد كلُّه، وإذا فسَدتْ فسَد الجسد كلُّه، ألا وهي القلب»، فما ضعف أثر العبادة على السلوك إلا بسبب الغفلة عن أعمال القلوب، ولما ذهب الخشوع في الصلاة والتدبر فيها صار كثيرٌ من المصلين لا تنهاهم صلاتُهم عن الفحشاء والمنكر، وصار صيامهم وزكاتهم وجميع عباداتهم أعمالًا لم تتحقق فيها التقوى، فلم تؤثِّر في سلوكهم، وضعُف في قلوبهم خوفُ الله تعالى ورجاؤه،
فغلبت على العبادات الشكليةُ دون المضمون، والعادة دون العبادة، وأصبح معظمها رسمًا وصورة، لا برهانًا وحقيقة؛ فترى الساجد والصائم أحيانًا قد يتعاملون بالمعصية بكل ارتياح،
وترى التاليَ لكتاب ربِّه قد يبيت عاكفًا على بعض ألوان المنكرات، وترى الذاكر لله الملبِّي والطائف والساعيَ تراه وقد تلوَّث بصنوف من الشرور والسيئات، وترى اهتمام الحاج والمعتمر بمؤونة العمرة والحج والإعداد لها من المسكن والمأكل والمشرب أعظمَ بكثير من محافظته على الخشوع في صلاته، وجلوسه في الحرم للتعبد والتذكر، إلا من رحم الله.
وبالجملة فإن أعمال القلوب كالخشوع والتضرع والإنابة، والخوف والرجاء والاستغاثة، والمحبة والتوكل، وشهود مشهد الإحسان وكمال المراقبة، والصدق والإخلاص، ومعاهدة القلب وسقيه بماء التقوى، والحذر عليه من الفساد والرياء والسُّمعة والعُجب والإدلال، هذه الأعمال وغيرُها تشتد عنايةُ العبد بها ومعالجتها إذا صح إيمانُه.
وكثرة الجزاء من الله تعالى على الأعمال بحسب ما في القلوب من الصدق والإقبال على الله، وإظهار الذل والفقر والمسكنة؛ قال الله تعالى: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، فقد يصلِّي رجلان في موقف واحد وتجد بينهما من الفرق كما بين السماء والأرض، قال ابن القيم رحمه الله: "إن الأعمال تتفاضل بتفاضُلِ ما في القلوب، وإذا لم تصاحب أعمالُ القلوب أعمالَ الجوارح، فإن العبادة لا تثمر لصاحبها لذة ولا حلاوة ولا انشراحًا ولا زيادة في الإيمان، فتفقد العبادة روحها"، وهذا غالب كثير من المسلمين.
أسأل الله تعالى أن يحيي قلوبنا بذكره، وأن يجعلنا من عباده المصلحين، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
- التصنيف:
- المصدر: