مختارات من كتاب: حلية طالب العلم للعلامة بكر أبو زيد
لقد تواردت موجبات الشرع على أن التحلي بمحاسن الآداب, ومكارم الأخلاق, والهدي الحسن, والسمت الصالح, سمةُ أهل الإسلام
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمن مصنفات العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد, رحمه الله, كتاب: " حلية طالب العلم" وقد يسر الله الكريم لي فقرأت الكتاب, واخترت بعضاً مما ذكره الشيخ, أسأل الله أن ينفع بها.
التحلي بمحاسن الآداب ومكارم الأخلاق من سمة أهل العلم:
لقد تواردت موجبات الشرع على أن التحلي بمحاسن الآداب, ومكارم الأخلاق, والهدي الحسن, والسمت الصالح, سمةُ أهل الإسلام, وأن العلم _ وهو أثمنُ دُرةٍ في تاج الشرع المطهر _ لا يصلُ إليه إلا المتحلي بآدابه, المُتخلّي عن آفاته.[ص:4]
تلقين العلماء الطلاب آداب الطلب في حِلق العلم:
كان العلماء السابقون يُلقنون الطلاب في حلق العلم آداب الطلب وأدركتُ خبر آخر العقد في ذلك في بعض حلقات العلم في المسجد النبوي الشريف إذ كان بعضُ المدرسين فيه يُدرسُ طلابه كتاب الزرنوجي رحمه الله المسمّى" تعليم المتعلم طريق التعلم " فعسى أن يصل أهل العلم هذا الحبل الوثيق الهادي لأقوم طريق, فيدرج تدريس هذه المادة في فواتح دروس المساجد, وفي مواد الدراسة النظامية.[ص:4]
العلم عبادة:
العلم عبادة...وعليه فإن شرط العبادة إخلاص النية لله سبحانه وتعالى, لقوله: ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ) [البينة:5]
فإن فَقَدَ العلمُ إخلاص النية, انتقل من أفضل الطاعات إلى أحطِّ المخالفات, ولا شيء يُحطمُ العلم مثل الرياء, رياء شركٍ, أو رياءٍ إخلاص, ومثل التسميع, بأن يقول مُسمِّعاً: علِمتُ وحفِظتُ. وعليه, فالتزم التخلص من كل ما يشُوبُ نيتك في صدق الطلب, كحب الظهور, والتفوق على الأقران, وجعله سلماً لأغراض وأعراض, من جاهٍ, أو مال, أو تعظيم, أو سمعة, أو طلب محمدة, أو صرف وجوه الناس إليك, فإن هذه وأمثالها إذا شابت النية أفسدتها, وذهبت بركة العلم[ص:6]
كن على جادة السلف الصالح:
كُن سلفياُ على الجادة, طريق السلف الصالح من الصحابة رضي الله عنهم, فمن بعدهم ممن قفا أثرهم في جميع أبواب الدين, من التوحيد, والعبادات, ونحوها, بالتزام آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم, وتوظيف السنن على نفسك, وترك الجدال والمراء, والخوض في علم الكلام, وما يجلُبُ الآثام, ويصُدُّ عن الشرع.[8]
ملازمة خشية الله تعالى:
التحلي بعمارة الظاهر والباطن بخشية الله تعالى, محتفظاً على شعائر الإسلام, وإظهار السنة ونشرها والعمل بها والدعوة إليها, دالاً على الله بعلمك وسمتك وعملك, مُتحلياً بالرجولة, والمسهلة, والسمت الصالح.[9]
دوام المراقبة:
التحلي بدوام المراقبة لله تعالى, في السر والعلن, سائراً إلى ربك بين الخوف والرجاء, فإنهما للمسلم كالجناحين للطائر. فأقبل على الله بكليتك, وليمتلئ قلبك بمحبته, ولسانك بذكره, والاستبشار والفرح والسرور بأحكامه وحكمه سبحانه.[9_10]
القناعة والزهادة:
التحلي بالقناعة والزهادة. وحقيقة الزهد: الزهد بالحرام, والابتعاد عن حماه, بالكف عن المشتبهات, وعن التطلع إلى ما في أيدي الناس.
وقد كان شيخنا محمد الأمين الشنقيطي...رحمه الله تعالى, متقلّلاً من الدنيا...وقد شافهني بقوله: لقد جئت من البلاد _ شنقيط _ ومعي كنز قلَّ أن يوجد عند أحدٍ, وهو " القناعة ", ولو أردت المناصب لعرفت الطريق إليها, ولكني لا أُوثر الدنيا على الآخرة, ولا أبذُلُ العلم لنيل المآرب الدنيوية, فرحمه الله رحمة واسعة, آمين[11]
خفض الجناح ونبذ الخيلاء والكبرياء:
تحلَّ بآداب النفس, من العفاف, والحلم, والصبر, والتواضع للحق, وسكون الطائر, من الوقار والرزانة, وخفض الجناح, مُتحملاً ذُلَّ التعلم لعزة العلمِ, ذليلاً للحق.
وعليه فاحذر نواقض هذه الآداب, فإنها مع الإثم تُقيمُ على نفسك شاهداً على أن في العقل علَّةًّ, وعلى حرمان العلم والعمل به, فإياك والخيلاء, فإنه نفاق وكبرياء, وقد بلغ من شدة التوقِّي منه عند السلف مبلغاً.
واحذر داء الجبابرة: " الكِبرَ ", فإن الكِبرَ والحرص والحسد أولُ ذنب عُصي الله به, فتطاولك على مُعلمك كبرياء, واستنكافك عمن يُفيدك ممن هو دونك كبرياء, وتقصيرك عن العمل بالعلم حمأة كِبرٍ, وعنوان حرمان.
فالزم رحمك الله اللصوق إلى الأرض, والإزراء على نفسك, وهضمها, ومراغمتها عند الاستشراف لكبرياء أو غطرسة, أو حُب ظهور أو عجب...ونحو ذلك من آفات العلم القاتلة له, المذهبة لهيبته, المُطفئة لنوره, وكلما ازددت علماً أو رفعة في ولاية, فالزم ذلك, تُحرز سعادةُ عظمى, ومقاماً يغبطك عليه الناس [ص:10_11]
التحلي برونق العلم:
التحلي بــــ "رونق العلم", حسن السمت, والهدي الصالح, من دوام السكينة والوقار والخشوع والتواضع ولزوم المحجة بعمارة الظاهر والباطن والتخلي عن نواقضها [12
تحلّ بالمروءة:
التحلي بــــــ " المروءة " وما يحمل إليها, من مكارم الأخلاق, وطلاق الوجه, وإفشاء السلام, وتحمل الناس, والأنفة من غير كبرياء, والعزة من غير جبروت, والشهامة في غير عصبيةٍ, والحمية في غير جاهلية.[13]
التمتع بخصال الرجولة:
تمتع بخصال الرجولة, من الشجاعة, وشدة البأس في الحق, ومكارم الأخلاق, والبذل في سبيل المعروف, حتى تنقطع دونك آمال الرحال.
وعليه فاحذر نواقضها من ضعف الجأش, وقلة الصبر, وضعف المكارم, فإنها تهضم العلم, وتقطع اللسان عن قولة الحق, وتأخذ بناصيته إلى خصومة في حالة تلفح بسمومها في وجوه الصالخين من عباده.[13]
هجر الترفُّه:
لا تسترسل في ( التنعم والرفاهية ) فإن البذاذة من الإيمان.
وعليه فازور عن زيف الحضارة, فإنه يؤنث الطباع, ويرخي الأعصاب, ويقيدك بخيط الأوهام, ويصل المجدون لغاياتهم, وأنت لم تبرح مكانك, مشغول بالتأنق في ملبسك...فكن حذراً من لباسك, لأنه يعبر لغيرك عن تقويمك في الانتماء والتكوين, والذوق,...والناس يصنفونك من لباسك, بل إن كيفية اللبس تعطى للناظر تصنيف اللابس من:
الرصانة والتعقل.
أو التمشيخ والرهبنة.
أو التصابي وحب الظهور.
فخُذ من اللباس ما يزينك ولا يشينك, ولا يجعل فيك مقالاً لقائل, ولا لمزا للامز, وإذا تلاقى ملبسك وكيفية لُبسك بما يلتقى مع شرف ما تحمله من العلم الشرعي, كان أدعى لتعظيمك والانتفاع بعلمك, بل بحُسن نيتك يكون قُربةً, إنه وسيلة إلى هداية الخلق للحق.[14]
الإعراض عن مجالس اللغو:
لا تطأ بساط من يغشون في ناديهم المنكر, ويهتكون أستار الأدب, متغابياً عن ذلك, فإن فعلت ذلك فإن جنايتك على العلم وأهله عظيمة.[15]
التحلي بالرفق:
التزم الرفق في القول, مجتنباً الكلمة الجافية. فإن الخطاب اللين يتألف النفوس الناشزة, وأدلة الكتاب والسنة في هذا متكاثرة.[16]
التأمل:
التحلي بالتأمل, فإن من تأمل أدرك, وقيل: " تأمل تدرك " وعليه فتأمل عند التكلم بماذا تتكلم وما هي عائدته.[16]
الثبات والتثبت:
تحل بالثبات والتثبت, لا سيما في الملمات والمهمات, ومنه: الصبر والثبات في التلقي, وطي الساعات في الطلب على الأشياخ, فإن " من ثبت نبت "[17]
كيفية الطلب ومراتبه:
" من لم يتقن الأصول حرم الوصول ", و " من رام العلم جملة ذهب عنه جملة"
وعليه فلا بد من التأصيل والتأسيس لكل فن تطلبه بضبط أصله ومختصره على شيخ متقن لا بالتحصيل الذاتي, آخذاً الطلب بالتدرج[18]
تلقى العلم عن الأشياخ:
الأصل في الطلب أن يكون بطريق التلقين والتلقي عن الأساتيذ, والمثافنة للأشياخ, والأخذ من أفواه الرجال لا من الصحف وبطون الكتب.[22]
رعاية حرمة الشيخ:
عليك...التحلي برعاية حرمته, فإن ذلك عنوان النجاح والفلاح والتحصيل والتوفيق, فليكن شيخك محل إجلال منك وإكرام وتقدير وتلطف, فخذ بمجامع الآداب مع شيخك في جلوسك معه, والتحدث إليه, وحسن السؤال, والاستماع, وحسن الأدب في تصفح الكتاب أمامه ومع الكتاب, وترك التطاول والمماراة أمامه, وعدم التقدم بكلام أو مسير أو إكثار الكلام عنده, أو مداخلته في حديثه ودرسه بكلام منك, أو الإلحاح عليه في جواب, متجنباً الإكثار من السؤال لا سيما مع شهود الملا, فإن هذا يوجب لك الغرور وله الملل, ولا تناديه باسمه مجرداً, أو مع لقبه كقولك ( يا شيخ فلان ) بل قل ( يا شيخي, أو يا شيخنا ) فلا تُسمه فإنه أرفع في الأدب...والتزم توقير المجلس, وإظهار السرور من الدرس والإفادة به.
وإذا بدا لك خطأ من الشيخ, أو وهم فلا يسقطه ذلك من عينيك, فإنه سبب لحرمانك من عمله, ومن ذا الذي ينجو من الخطأ سالماً.
واحذر أن تمارس معه ما يضجره, ومنه ما يسميه المولدون " حرب الأعصاب " بمعنى امتحان الشيخ على القدرة العلمية والتحمل. وإذا بد لك الانتقال إلى شيخ آخر فاستأذنه بذلك, فإنه أدعى لحرمته وأملك لقلبه في محبتك والعطف عليك.
لا يأخذك الاندفاع في محبة شيخك فتقع في الشناعة من حيث لا تدري, وكل من ينظر إليك يدري, فلا تقلده بصوت ونغمة, ولا مشية وحركة وهيئة.[25]
التلقي عن المبتدع:
الحذر ( أبا الجهل ) المبتدع, ويقال لهم أيضاً " أهل الشبهات " و " أهل الأهواء "
فيا أيها الطالب: كن سلفياً على الجادة, واحذر المبتدعة أن يفتنوك.[28]
- التصنيف: