مختارات من كتاب: درء الفتنة عن أهل السنة للعلامة بكر أبو زيد
من المناسب ههنا تذكير الأمة جمعاء بحقوق الراعي والراعية في كل بلد إسلامي, إذ إن الخلل في القيام بهذه الحقوق, لا بد أن ينتج منه آثار سيئة غير مرضية
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمن مصنفات العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد, رحمه الله, كتاب: " درء الفتنة عن أهل السنة " وقد يسر الله الكريم لي فقرأت الكتاب, واخترت بعضاً مما ذكره الشيخ, أسأل الله أن ينفع بها.
تذكير الأمة بحقوق الراعي والرعية:
من المناسب ههنا تذكير الأمة جمعاء بحقوق الراعي والراعية في كل بلد إسلامي, إذ إن الخلل في القيام بهذه الحقوق, لا بد أن ينتج منه آثار سيئة غير مرضية, وأمراض فكرية, تظهر في حياة الفرد والجماعة فأقول:
من ولي شيئاً من أمور المسلمين, فإن أعظم ما يجب عليه أن يسوس الرعية بالكتاب والسنة, وينشر التوحيد من مشكاتهما, ويزيل ما يناقضه من مظاهر الشرك والوثنية, ويحكم بين الناس بهما, إقامة للعدل بينهم, ولا أحكم ولا أعدل ولا أصلح للناس من شريعة ربهم, ففيها العدل والرحمة والشفاء لما في الصدور, كما قال الله جلا وعلا: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين} [يونس:57] وقال سبحانه: {ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} [المائدة:50] وقال تعالى: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون } [الجاثية:18]
وإن تحكيم شرع الله تعالى من أعظم الواجبات, قال سبحانه: { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} [النساء:65]
وهو أيضاً من أجل أنواع العبادة, قال الله تعالى: { إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون } [يوسف:40]
وقال كل رسول لقومه: { اعبدوا الله ما لكم من إله غيره } [الأعراف:59]
وجعل الله سبحانه الحكم بغير ما أنزل شركاً في عبادته وشركاً في حكمه, فقال تعالى: { ولا يشرك في حكمه أحداً } [الكهف:26]
وقال عز من قائل: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} [الشورى:21]
وقال سبحانه: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحداً } [الكهف:110]
كما يجب على كل والٍ السعي فيما يصلح رعيته, ويدفع المضار عنهم, ويطهر مجتمعاتهم من الحكم بغير ما أنزل الله تعالى, ومن سائر الموبقات والمحرمات كالخمر والبغاء والربا والقمار وغيرها, قال النبي صلى الله عليه وسلم: « ما عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة» [متفق على صحته] .
ومما يجب التنبه له, والتحذير, والحذر منه: أن على من بسط الله يده, أن يكف عن المسلمين تلك السموم التي تقذف بها بعض القنوات الإعلامية في بعض البلاد !! وعلى وجه الخصوص ذلك التركيز الخبيث على تغريب المجتمعات المسلمة في أخلاقهم, ولباسهم, وغدوهم, ورواحهم, وبخاصة إخراج المرأة من عفتها وطهارتها وحجابها, إلى أحط دركات السفالة, والتبذل, والحيوانية, في شتى وجوه: " الإباحية"
كما يجب على الراعي أن يسوس رعيته بالرفق واللين, وأن يجتهد في قضاء حوائجهم, وإيصال الخير لهم بكل طريق, فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه, ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به» [خرجه مسلم في صحيحه] .
كما يجب الاهتمام بمناهج التعليم السليمة في جميع أطواره على منهج الكتاب والسنة وما عليه صالح سلف هذه الأمة, وإلزام الرعية بتعليم العقيدة الإسلامية الصافية من شوائب الانحراف, وتعلم سائر أحكام الدين, وتقوية مناهجها في جميع مراحل التعليم.
ويجب على رعاة المسلمين منع تسلل المدارس الإفرنجية ومناهجها إلى بلاد المسلمين, سواء كانت تحت أسماء عربية أو أجنبية, فقد ثبت بشهادة القرآن _ وكفى بها شهادة _ وبشهادة التاريخ والواقع: أن أعداء الإسلام لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمةً, فلا يزالون يلقونه زيعاً ويبذرون في نفسه شراً, والذي خبث لا يخرج إلا نكداً, وإنها مكامن للتنصير والتغريب, ولا يجوز لمسلم أن يلقى بأولاده فيها. فالحذر الحذر من هذه المدارس ومناهجها, طاعة لله تعالى, ولرسوله صلى الله عليه وسلم, وحماية لناشئة المسلمين من انسلاخهم من دينهم, وإفساد أخلاقهم, وقطع رابطتهم بأمتهم, ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.
كما أنه يجدر بحكام المسلمين اليوم أن يعيدوا لبيوت الله مجدها وعزها ووظيفتها في الإسلام, فتقام فيها الصلوات, وتفتح حلقات الوعظ والتعليم للعلماء والمصلحين, فيتذكر الغافل, ويتعلم الجاهل, ويتعظ العاصي, وتتهذب النفوس, وتقبل على طاعة ربها, ويحصل بذلك خيراً كثير للأمة طالما حُرمته زمناً طويلاً.
تلك من الواجبات على الراعي لرعيته.
أما الرعية فيجب عليها السمع والطاعة لمن قادها بكتاب ربها وسنة نبيها, ما لم يأمر بمعصية, فإنه لا يجوز طاعته في تلك المعصية, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا طاعة في معصية الله, إنما الطاعة في المعروف » [متفق على صحته] .
وقوله صلى الله عليه وسلم: « لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» [ رواه أحمد] , والحاكم, وغيرهما.
ويجب النصح له, والدعاء له, والاجتهاد في جمع الكلمة معه تحت راية الإسلام, فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «( الدين النصيحة ) قلنا: لمن ؟ قال: ( لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)» [خرجه مسلم في صحيحه]
وثبت أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ثلاث خصال لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله, ومناصحة ولاة الأمر, ولزوم الجماعة, فإن دعوتهم تحيط من ورائهم» [رواه أحمد وغيره] .
وفي بعض روايات الصحيح لوصية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه المشهورة في الصحيحين, وغيرهما, قوله: " وأحسنوا مؤازرة من يلي أمركم, وأعينوه, وأدوا إليه الأمانة.
وعلى الرعية الصبر على الإثرة, فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه, قال: «بايعنا رسول الله صلى ال له عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر, والمنشط والمكره, وعلى أثرة علينا, وعلى ألا ننازع الأمر أهله, إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله تعالى فيه برهان, وعلى أن نقول بالحق أينما كنا, لا نخاف في الله لومة لائم» [متفق على صحته] .
هذه من الواجبات على الرعية والراعي.[ص:78_98]
حرية الفكر في بعض القنوات الفضائية:
السموم التي تقذف بها بعض القنوات الإعلامية في بعض البلاد.....
تعمل تلك القنوات جاهدةً على التشكيك في الاعتقاد الإسلامي الحق, والاعتراض على أحكام الله المحكمة, والسخرية بالله وآياته ورسوله, والدعوة للإباحية, والانسلاخ من الدين, وتمكين المنافقين بإعلان ما يحيك في صدورهم, ومجاهرة المضلين بمقالات الكفر, والتشكيك, والردة عن الدين...كل ذلك باسم: حرية الفكر !! المناظرات المحايدة !! معرفة الرأي الآخر !! قاتلهم الله أني بؤفكون.
ألا فليعلم أولئك إن كان لهم عقول, ويحبون لأنفسهم النجاة أن من فتح ذلك الباب, أو أعان عليه, أو رضي به, فله نصيب من قول الله تعالى: { قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} [التوبة:65_66] وقول الله جل شأنه: ( وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً ) [النساء:140] وقوله سبحانه: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة} [النور:19]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في أثناء كلامه على هذه الآية: وهذا ذم لمن يحب ذلك, وذلك يكون بالقلب فقط, ويكون باللسان والجوارح, وهو ذم لمن يتكلم بالفاحشة, أو يخبر بها محبة لوقوعها في المؤمنين, إما حسداً أو بغضاً, وإما محبة للفاحشة وإرادة لها, وكلاهما محبةً للفاحشة وبغضاً للذين آمنوا, فكل من أحب فعلها ذكرها.
وقال أيضاً مستنبطاً من أسرار التنزيل ما يعزُّ نظيره: فكل عمل يتضمن محبة أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا داخل في هذا, بل يكون عذابه أشد, فإن الله قد توعد بالعذاب على مجرد محبة أن تشيع الفاحشة بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة, وهذه المحبة قد لا يقترن بها قول ولا فعل. فكيف إذا اقترن بها قول أو فعل ؟ بل على الإنسان أن يبغض ما أبغضه الله من فعل الفاحشة والقذف بها وإشاعتها في الذين آمنوا, ومن رضي عمل قوم حُشِرَ معهم, كما حُشِرت امرأة لوط معهم, ولم تكن تعمل فاحشة اللواط, فإن ذلك لا يقع من المرأة, لكنها لما رضيت فعلهم عمها العذاب معهم.[ص: 81_84]
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
- التصنيف: