خير العطاء وأوسعه
عبد الله بن صالح القصير
إن العافية في البدَن والعقل والقوَى وسائر الحواسِّ والأهلِ والولد والمال مِن جليل العطايا، وجزيل المنَح؛ لأن العبد إذا عافاه اللهُ في هذه الأمور استغنَى بفضْل الله عن منَّة خلْقِه، وصار عزيزًا عند نفسِه ومحترمًا عند الآخرين...
- التصنيفات: شرح الأحاديث وبيان فقهها - الذكر والدعاء -
الحمد لله وحده وبعد:
فإن العافية في البدَن والعقل والقوَى وسائر الحواسِّ والأهلِ والولد والمال مِن جليل العطايا، وجزيل المنَح؛ لأن العبد إذا عافاه اللهُ في هذه الأمور استغنَى بفضْل الله عن منَّة خلْقِه، وصار عزيزًا عند نفسِه ومحترمًا عند الآخرين، إن جاد بفضل على الناس فقد أحسَن كقوله صلى الله عليه وسلم: «تُعِين صانعًا، أو تَصْنع لأخْرَق»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «تُعين الرجلَ على دابَّته فتَحْمله عليها، أو تَحْمل له عليها متاعَه صدقة»، وإنْ أمسَك عن غير واجب فقد اقتَصَد.
وإذا عافى اللهُ العبدَ "بفضْله" لم يحتَجْ إلى الأطباء والمستشفيات، ولم يَسْتَدِنْ مِن أحدٍ مالا، فلم يعِش همَّ الدَّيْن بالليل، وذلَّهُ بالنهار.
وإذا عافى اللهُ العبدَ في بدَنِه وأهلِه ومالِه لم يكُن شماتة للأعداء والحاسدين.
وإذا عافاه اللهُ في هذه الأمور كـان مستورًا فلا يكون عظةً للمتَّعِظين، وعِبرة للمعتبِرين.
وهكذا فالعافية في الدِّين والدنيا والآخرة لباسٌ جميلٌ، ورياش يحسِّن حالَ المرءِ في الدنيا في نظر الناظرين، ويجعله في الدنيا مِن المتمتِّعين متاعًا حسنًا إلى أجلٍ مسمًّى فضلًا من رب العالمين.
والعافية أيضًا في الدنيا والآخرة سربالٌ يَقِي صاحبَه يومَ القيامة من النار، ومن الخزي والشهرة بذلك على مرأى ومسمع مِن الأخيار والفجَّار.
فلهذه المعاني والدلالات، ولما للعافية على المعافَى مِن الآثار الطيبة، والعواقب المباركة:
1- كان صلى الله عليه وسلم يُغْري أصحابَه بسؤال اللهِ العافيةَ فيقول: «سلوا اللهَ العافية».
2- ولما ذكر صلى الله عليه وسلم لأصحابه أن الدعاء لا يُرَدُّ بين الأذان والإقامة، قالوا يا رسول الله فما نقول؟ فقال: «سلوا اللهَ العافية»، فكأنهم تَقَالُّوها فقال صلى الله عليه وسلم: «ما أُعْطِيَ أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسعَ مِن العافية».
3- وكان صلى الله عليه وسلم يُلِحُّ على ربِّه في أوقاتِ إجابة الدعاء بسؤال الله العافية، ويُثني على ربه بذلك، فحين يَستيقظ مِن النوم كان يَقول فيما يقول: «الحمد لله الذي رَدَّ عليَّ روحي، وعافاني في جسدي، وأذِن لي بذكْره».
4- وكان إذا أصبح؛ أي: بعد طلوع الصبح قال: «اللهم عافني في بدَني، اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري... إلخ»، ويقول: «اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في ديني ودنياي وأهلي ومالي وولدي... إلخ».
5- وكان صلى الله عليه وسلم يقول إذا أمسى؛ أي: بعد العصر: «اللهم ما أمسَى بي مِن نعمة، أو بأحد مِن خَلْقك، فمِنْك وحْدك لا شريك لك؛ فلك الحمد ولك الشكر»، وكان صلى الله عليه وسلم يقول إذا أوى إلى فراشه: «اللهم إني أسألك العافية»، ويقول: «اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة»... إلخ.
6- وكان صلى الله عليه وسلم يُرشد أصحابه إذا رأوا مبتلًى، أو ذا عاهة، أن يسألوا الله العافية، ويخبرهم أن مَن قال ذلك لم يُصَبْ بما في ذلك الشخص مِن بلوى، أو عاهة.
فعليك أخي المسلم بالإلحاح على ربك بسؤال العافية، وخُذ بأسباب العافية، ولا تتعرَّض لأسباب البلاء مِن فعلٍ، أو منطقٍ، فكم مِن شامتٍ ابتُلي بما شمت بغيره له وكم مِن متكلم ابتُلي بمنطقه؛ فإنَّ البلاء موكل بالمنطق.
رزقنا اللهُ وإياك وإخواننا المسلمين العافيةَ في الدِّين والبدَن والأهل والولد والمال والحواسِّ والعقل والقوى وكلِّ شيءٍ منَّا ولنا.
وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وآله وصحبه أجمعين.