ما يحدث في الكون نُذر تستلزم التوبة والإنابة إلى الله
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
بعد هذا الكسوف بنحو شهرين نزل وباء كورونا بالناس في جميع دول العالم, وأضر بالعباد في جميع جوانب حياتهم, وأصبح الناس ملازمين لبيوتهم, وشعر كثير منهم بالخوف والقلق.
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فالناس في الإيمان بآيات الله قسمان, قسم قلبه حي سليم، تكفيه آيات الله الشرعية، فآيات القرآن الكريم تقرع قلبه، فيُخبت ويُطيع ويُنيب، وقسم قلبه مريض قاسي, لا تؤثر فيه آيات الله الشرعية.
والناس إذا لم يرتدعوا بآيات الله الشرعية، أرسل لهم سبحانه وتعالى آياته الكونية, يقول الله عز وجل: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ } [النمل: 82]؛ قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: من فوائد الآية الكريمة: بيان حكمة الله تبارك وتعالى في الإنذار، وأنه سبحانه وتعالى يُنذر الناس بالآيات الكونية إذا لم تفدهم الآيات الشرعية.
وإرسال الآيات الكونية المقصود منها: تحذير العباد وتخويفهم ليتوبوا ويرجعوا إلى ربهم, قال الله سبحانه وتعالى: {وَما نُرسِلُ بِالآياتِ إِلَّا تَخويفًا } [الإسراء:59] قال الحافظ السيوطي رحمه الله: عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وَما نُرسِلُ بِالآياتِ إِلَّا تَخويفًا } : إن الله يخوِّف الناس بما شاء من آياته لعلهم يعتبون، أو يذكرون، أو يرجعون، وقال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: المقصود منها: التخويف والترهيب، ليرتدعوا عن ما هم عليه، وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: أخبر سبحانه أنه لا يرسل بالآيات الدالة على قدرته الخارقة لما جرت به العادة كالكسوف، والزلازل، والفيضانات، والصواعق وغيرها، إلا لتخويف العباد من معاصيهم وعقوباتها لعلهم يرجعون إلى الله تعالى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: كسوف الشمس والقمر من حكمة ذلك تخويف العباد، كما يكون تخويفهم في سائر الآيات؛ كالرياح الشديدة، والزلازل والجدب والأمطار المتواترة ونحو ذلك من الأسباب التي قد تكون عذابًا.
وقال سماحة العلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله: ما يحصل في هذا الكون من آيات تهز المشاعر، والأبدان؛ كالصواعق، والرياح الشديدة، والفيضانات المهلكة، والزلازل، وما يسقط بسببها من شامخ البنيان، وكبار الشجر، وما يَهلِك بسببها من الأنفس والأموال، وما يقع في بعض الأماكن من البراكين التي تتسبَّب في هلاك ما حولها ودماره، وما يقع من خسوف وكسوف في الشمس والقمر، ونحو ذلك، مما يَبتلي الله به عباده، وهو تخويف منه سبحانه وتعالى، وتحذير لعباده من التمادي في الطغيان، وحثٌّ لهم على الرجوع والإنابة إليه.
والناس مع هذه الآيات الكونية قسمان: منهم من تؤثر فيه فيقلع عن الذنوب والمعاصي, ويتوب منها, ويُنبُ إلى الله عز وجل, ويُقبل على الطاعات, ومنهم من يكون ميت القلب فلا تؤثر فيه, قال الله عز وجل عنهم: { وَنُخَوِّفُهُم فَما يَزيدُهُم إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيْرًا} [الإسراء:60] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: هذا إذا لم يكن قلبه ميتًا للغاية، لم تنفع فيه حتى الآيات الكونية.
في شهر ربيع الثاني من عام (1441ه) , صلى المسلمون لكسوف الشمس, وكان هذا الكسوف إنذار بوقوع عذاب قد انعقدت أسبابه, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الكسوف مَظِنَّةُ حدوث عذاب بأهل الأرض. وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ليس الكسوف نفسه أو الخسوف عذابًا، لكنَّه إنذار بعذاب انعقدت أسبابه.
والناس في الماضي القريب كانوا يستشعرون عند حدوث الكسوف والخسوف أنه إنذار بعذاب فكانوا يخافون ويبكون، قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: :كان الناس في الماضي إذا كسف القمر تحصُل منهم رهبة عظيمة، ويحصل منهم خوف، ويَحضُرون بأعدادٍ كبيرة إلى المساجد، وتحصل صلاة وبكاء وخوف وقد رأيت هذا."
أما بعد كسوف الشمس الأخير, فقد احتفل بعض المسلمين بالكسوف, وجعلوا لذلك فعالية, نعوذ بالله من قسوة القلوب.
بعد هذا الكسوف بنحو شهرين نزل وباء كورونا بالناس في جميع دول العالم, وأضر بالعباد في جميع جوانب حياتهم, وأصبح الناس ملازمين لبيوتهم, وشعر كثير منهم بالخوف والقلق.
وبعد كسوف الشمس بستة أشهر, حدث كسوف ثاني لها في شهر شوال من عام (1441هـ) وبعد هذا الكسوف ببضعة أشهر, ظهر في بريطانيا, وباء متحور من وباء كورونا, سُمي بــــ" ألفا " ثم ظهر متحور في الهند متحور سمى بــ: دلتا " وكان الأخير أشد فتكاً, وأسرع انتشاراً من سابقيه.
وبعد ظهور متحور " ألفا " في بريطانيا, تم اكتشاف لقاح لكورونا, وقام الناس بأخذ جرعة التطعيم له, وبدأوا يشعرون بنوع من الأمان وخصوصاً في البلدان التي وصلت فيها معدلات التطعيم إلى ما يسمى بـــ " المناعة المجتمعية " لكن مع نهاية شهر ربيع الأول, من هذا العام ( 1443ه) بدأت حالات الإصابة بالوباء تزيد في بعض الدول التي نسب التطعيم فيها عالية, بل إن بعض تلك الدول وصلت فيها عدد الإصابات إلى أعداد لم تكن موجود فيها منذ بداية الجائحة.
إن ما حدث من آياتٍ منذ ظهور وباء كورونا نذر تستلزم سرعة التوبة والإنابة إلى الله من جميع الذنوب والمعاصي, قبل أن ينزل بالعباد والبلاد عقوبات أشدّ وأعظم فدول العالم منذ بداية ظهور كورونا تشهد حوادث عظيمة, من: كثرة الزلازل, والفيضانات, والرياح الشديدة, والحرائق, والجدب, والجفاف, وغيرها, وهي عقوبات يخوف الله بها عباده, يجب أن نخاف منها, ولا نقول: هذه أمور طبيعية, قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: قال تعالى:﴿وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا ﴾ [الطور: 44]، قطعًا من العذاب تنزل من السماء{يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ }[الطور: 44]، وعاد لَما رأوه عارضًا مستقبلًا أوديتهم، {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا }[الأحقاف: 24] وفي الوقت الحاضر إذا رأوا هذه العقوبات يقولون: هذا أمر طبيعي.
إن علينا أن نتَّعظ عند وقوع مثل هذه الآيات وما ماثَلها، فعن أنس رضي الله عنه قال: كانت الريح الشديدة إذا هبَّت عُرِف ذلك في وجه النبي صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفيه الاستعداد بالمراقبة لله، والالتجاء إليه عند اختلاف الأحوال، وحدوث ما يُخاف بسببه.
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: الواجب علينا أن نتَّعظ بهذه الآيات، وأن نخشى، وأن نحذَر، فإن الله تعالى يقول: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [الأنفال: 25]، وقال: الواجب على المؤمن أن يتخذ من هذه الآيات عبرة، وأن يرجع إلى الله رجوعًا حقيقيًّا.
ومن يقرأ في التاريخ يرى أن الناس إذا ما نزلت بهم مثل هذه الأمور, تأبوا وأنابوا إلى الله وتركوا المنكرات وأقبلوا على الطاعات وتضرعوا إلى الله أن يرفع ما نزل به نسأل الله الرحيم أن يرحمنا, وأن يدفع عنا كل بلاء وباء وأن يوفقنا إلى التوبة والإنابة إليه.
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ