أقل الناس انتفاعا
حسين عبد الرازق
الذي لا يُحسن التعاطي مع ما يقرأ في كتب العلماء وسيرهِم، كمن يريد أن يعيش نفس المسائل والقضايا والخصومات والفِرق والمقالات بعينِها التي كان يعيشُها مَن يقرأُ له من علماء الإسلام!
- التصنيفات: طلب العلم - الإسلام والعلم -
لعل من أقل الناس انتفاعا من أئمة الإسلام:
ذلك الذي لا يُحسن التعاطي مع ما يقرأ في كتب العلماء وسيرهِم، كمن يريد أن يعيش نفس المسائل والقضايا والخصومات والفِرق والمقالات بعينِها التي كان يعيشُها مَن يقرأُ له من علماء الإسلام!
وهؤلاء من شأنهم أن يبحثوا عن تلك البيئة التي يتصورون أنه لابد من وجودها ليكونوا كما كان العلماء، وإن لم يجدوا تلك البيئة سيعملون على اختراع بيئة مشابهة وأشخاص مشابهين ليعيشوا معهم نفس الجدال والخصومات والمِحَن المُختلقة التي يتصورون أنها شرطٌ في المسيرة العلمية! (هذا على فرض أنهم أحسنوا فَهم ما يُطالعون منها)!
ولو عقلوا لعلموا أن أعظم وجه للانتفاع من أئمة الإسلام:
أن يقف على معالم بنائهم العلمي وتكوينهم الإيماني والخُلقي وعلمهم بواقعهم ومشكلاته والسعي في الإصلاح والبيان والدعوة ونحو ذلك، ثم يستعمل هو معارفه وعلومه وخبراته في إصلاح واقعه بأن يُحسن تصوره ويعرف واجباته مهتديا بالوحي وبهدي من سبقه من أئمة الهدى ومتواصلا متعاونا مع إخوانه المصلحين ليُقدّم لعصره ما يناسبه بأدواته ووسائله المناسبة كما قدّم الأولون لعصورهم ما كان يناسبُها.
ولن تجد أحدا من أئمة المسلمين كان نُسخةً ممن سبقه مهما كان مُحبًا له مقتديا به.
ورُسل الله عليهم السلام هم خيرُ الناس للناس، وخيرُ من أصلح وسعى وبيّن وهدى، وكانوا يتفقون في الإسلام لله والدعوة إليه، ولكن لكل منهم شرعةٌ ومنهاج، فكيف بمن بعدهم؟
فالعاقل من يطلب تلك الأمور الكُلية من العلم والاخلاص والتقوى والصبر والحكمة والبصر بالواقع وبما يُمكنه من الإصلاح ويسعى فيه مستعينا بالله.
وكثيرٌ ممن يحسب نفسه على خُطى المُصلحين هو أقلُّ الناس حظًا من الاهتداء بهم حيث طلب إصلاح عصره وحل مُشكلاته بمحاولة اختراع بيئة مماثلة لمن يقتدي به من العلماء الأولين!
فلا هو أبصر واقعه الحالي وقضاياه ومشكلاته، ولا هو بالتالي قدّم حلولا وإصلاحا، ويكون أعمى -أو مُتعامي- عن واقعه وقضاياه ومشكلاته وخصومه، ويُعظّم الأمور اليسيرة ويجعلها مِحنة، ويغرق في تفاصيل، ويتقوقع حول ثلاث أو أربع مسائل يجعلها محور حياته ودعوته (كان حقُّها أن يقف معها قليلا ثم ينتقل منها إلى غيرها).
ولا يُفرّق بين محكمات الإسلام التي هي أعظم ما بُني عليه الإسلام، والتي هي أصل الدعوة والبيان والتعليم والنشر والاستدلال وبين القضايا التي كان لها ظرفُها التاريخي انتهى (أو موجود ولكنّ غيره أوْلى بالاشتغال منه) فيستدعيها الآن ويعيش عليها ويقتاتُ منها..
ويبذل وقته وجهده في الهواء، ثم يكون هو وأمثاله جزءا من مشكلات العصر وهم يحسبون أنفسَهم الجزء الأهم في حلّ مُشكلاته!
واللهُ يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.