الإيمان الذي تطمئن به القلوب
الإسلام هو دين الحق المطمئن بتعاليمه، المريح بمنهجه
فالإسلام هو دين الحق المطمئن بتعاليمه، المريح بمنهجه، وهو دين إبراهيم الخليل عليه السلام أب الأنبياء الذي عرف آيات الله في حداثة عمره، ففي حواره عليه السلام مع قومه عندما دعاهم للإيمان بعدما تبدّت له الآيات، نراه عليه السلام يدعوهم لترك الأصنام، ويخوفهم بها، لأن قلوبهم متعلقة بها، لاعتقادهم النفع والضر منها، أما هو فلا يرى غير الله جالباً للنفع أو دافعاً للضر، فهو سبحانه الذي يجب أن تؤمن به القلوب، وتسلم أمرها إليه لتهتدي وتطمئن، فتأمن وتستقر، ويبرز هذا العامل الإيماني في هاتين الآيتين الكريمتين اللتين حكاهما الله على لسان إبراهيم عليه السلام: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنُ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}.
فكان هذا الحوار الكريم من نبي الله عليه السلام دعوة قوية للإيمان الذي تطمئن القلوب به، كما أنها حجة قاطعة تسكت من يناقش، فإذا كان الإيمان غريزة في القلوب والتعلق فطرة فطر الناس عليها، فما هو الطريق الأفضل، وما هو الشئ الذي يريح النفس، ويهدئ من ثائرتها، ويقضى على المشكلات التي تعترضها؟؟
إن ذلك لابد أن يكون شيئاً عملياً تتجاوب فيه الأحاسيس مع الوجدانيات، وتتعاطف فيه الحواس مع الأعمال، ويكون فيه انسجام بين المعقول والمنقول، وبين الأخذ والمأخوذ منه.
وهذا كله لا يتأتى في علاقته بأوهام، ولا بمعبودات، غير مستقرة لا تنفع أو تدفع عن نفسها شيئاً.
ولذا جاء وصف الله جل وعلا لحوار إبراهيم الذي يدعو للإيمان عقيدة وعملاً، بمقارنته بين آلهتهم التي أشركوها مع الله، في عمل لم ينزل الله به سلطاناً، وبين الرابطة مع الله الذي تطمئن بذكره القلوب، وترتاح بالتوكل عليه هواجس النفس، بحيث تبتعد عن المؤثرات عليها. جاء الوصف لذلك بأن هذه حجة قوية على قومه، حيث لم يجدوا لذلك جواباً، إذْ لا شك أن الأمن مع الإيمان بالله، وراحة الضمير مع عقيدة الوحدانية به سبحانه فقال تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا ءَاتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ}.
والإيمان الذي تطمئن به القلوب، وترتاح به النفوس، يدخل في كل شأن من شئون الإنسان فالأعمال لابد أن تنبثق عن الإيمان وترتبط به، لأن الإيمان بالنسبة للعمل بمثابة المرشّح للماء، فالمرشح يصفي الماء، ويمسك الرواسب فيه، فلا يخرج إلا ماء صافياً، ونقياً صالحاً للشرب، يحافظ على الصحة.
وكذلك الإيمان بالنسبة للأعمال قد أوضحه القرآن الكريم، والسنة المطهرة، لأن الأعمال الصالحة مهما كانت والخصال الحميدة التي ترنو إليها الأفئدة، وتفاوة النفس من الموبقات والمحضورات كل ذلك ثمرة الإيمان، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان».
فإذا كان إماطة الأذى عن طريق الناس حتى لايؤذيهم إذا مروا به أو وقعت عليه أقدامهم وهو من أبسط الأعمال، يعتبر من الإيمان الذي يطمئن القلوب، لوجود رابطة تضم شمل المؤمنين. وعاطفة تجعل بعضهم يهتم بالآخرين، ولو في الشيء البسيط من الأعمال والأقوال.
فإن دين الإسلام كما هي نصوص تعليماته، تتمكن فيه عقيدة الإيمان بأعمال أخرى، منها ما هو عائد للنفس وحدها كالحياء الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه شعبة من شعب الإيمان الكثيرة، التي حدد عددها في هذا الحديث.
والإيمان لا يكون قوياً إلا إذا وقر في القلب، وسيطر على المشاعر، وقد أوضح هذا المدلول رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول: «ذاق طعم الإيمان من رضي الله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً».
وكان من دعاء مالك بن دينار رحمه الله: اللهم أذقني حلاوة الإيمان.
ذلك أن للإيمان مذاقاً مميزاً يحس به من تمكن من قلبه، وارتبطت به حواسه.
والعلم إذا اقترن بالإيمان صار درجة مرغوبة، ويحث عليها الإسلام، وهذا هو العلم الذي ينفع صاحبه، وينفع الآخرين، لأن الإيمان يرشد العالم لطريق الصواب، ويوجهه لما فيه الخير.
وهذا مشهد من مشاهد يوم القيامة يوضح فيه أهل العلم الذين آمنوا بالله: حقيقة معرفتهم ما أوجبه الله عليهم، بما عملوه من العلم النافع المفيد، فطبقوه في حياتهم، واطمأنت به قلوبهم في يوم الفزع الأكبر، والخوف الشديد، فهم يقولون ذلك وبراحة نفس، واطمئنان قوي، حيث أَمَّن الله روعهم، وسكّن قلوبهم بعقيدة الإيمان، يحكي الله جلّ وعلا هذا المشهد بقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ العِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللهِ إلَى يَوْمِ البَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ البَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}.
فأصبحت علومهم الدنيوية، ومقدرتهم في اللجاج والحجج لم تنفعهم، ولم يعتبر ذلك علماً لأنه لم ينقذهم من أهوال ذلك اليوم، ولمْ يوصلهم لباب من أبواب الاطمئنان والهدوء النفسي، عندما وقعوا في الأمر، ووصلوا إلى يوم البعث والجزاء، يوم القلق النفسي، أو الراحة أو الاطمئنان والنتيجة هذه لا تتأتى إلا بالعمال وفق منهج كتاب الله، وهدي رسوله، اللذين فيهما الدواء لكل داء. ولذا قال بعض العارفين من علماء الإسلام في صدره الأول: إذا سمعت في كتاب الله: يا أيها الذين آمنوا. فأصغ إليها سمعك، فهو إما خير يأمرك الله به، أو شر يحذرك الله منه.
__________________________________________
الكاتب: د. محمد بن سعد الشويعر
- التصنيف: