شيء منهن

منذ 2021-12-06

((استوصُوا بالنِّساءِ خيرًا، فإنَّهنَّ خُلِقْنَ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعوجَ شيءٍ في الضِّلع أعلاه، فإنْ ذَهبتَ تُقِيمه كَسَرْتَه، وإنْ تركْتَه لم يزلْ أعوج، فاستوصُوا بالنِّساء خيرًا))

فُطرت المرأة على الانتماء إلى أصلها الذي خُلقت منه أول مرة، فحواءُ لآدم ضلعُهُ الأعوج الذي إن ذهب يقيمه كسره، وبحثٍّ نبوي أُمر أن يستمتع به على عوجه؛ فيقول معلم الأمة: (( «استوصُوا بالنِّساءِ خيرًا، فإنَّهنَّ خُلِقْنَ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعوجَ شيءٍ في الضِّلع أعلاه، فإنْ ذَهبتَ تُقِيمه كَسَرْتَه، وإنْ تركْتَه لم يزلْ أعوج، فاستوصُوا بالنِّساء خيرًا» ))، ورغم ذلك فإن في هذا العوج لينًا ورحمة وطغيانَ عاطفة يحثونها دائمًا على البذل دون غضاضة، والحنوِّ دون أن تقول يومًا: نَضَبَ مَعِيني؛ فهو مسترسلٌ دائمًا على من تنتمي إليه، وإن لأعظم متعة للمرأة في حياتها هي أن يقر قلبها بكل رجالها جملة واحدة: "أب، أخ، ابن، زوج"، وفي سبيل تحقيق ذلك تغفر كثيرًا من الزلات، وتسد الكثير من الفجوات، والمشاهِدُ لهذا في الحياة اليومية لا يمكن أن ينكره.

 

فتجد ابنها يعقُّها ولربما يطول عقوقه، وداخلها يتمزق عليه ترتجي منه ولو طلة من بعيد تملأ بها عينيها لزمن، لا تطيق أن تسمع دعاء أحد عليه، وإن دعت هي ساعة غضب، ثم ما تلبث إلا وتؤنِّب نفسها وتعاهد قلبها على ألَّا تعود، وإن حدثتها عن تناقضها تقول لك: "أدعو على ولدي، وأكره من يقول آمين!".

 

وتجد أخاها يحرمها ميراث أبيها ويقاطعها، ومع ذلك تستشيط غضبًا لو سبَّه زوجها أو ولدها، ولربما تمضي السنون بلا حتى كلمة، وما إن يصبو إلى مسامعها عنه أيُّ خبر محزن، يطير قلبها إليه مشتاقًا خائفًا عليه تود لو تفديه بروحها، داعية على المال الذي فرَّقهما، وربما يصل بها الأمر حدَّ لوم نفسها وتوبيخها أنها استسلمت لقطيعته، ولم تبذل كل جهدها في وصله.

 

تجد أباها يفضِّل عليها بقية إخوتها أو أحدًا منهم، لكنها ما إن خرجت إلى الناس، قالت: أنا بنت فلان؛ عزًّا ونسبًا، ولربما لها من الزوج والولد ما تتباهى به وتفاخر، لكنها لا تفعل، وإذا ما ذُكر فضل الأبوة، تجدها تزيد عما سمعت، وتقول لك: أبي ومن كأبي!

 

وتجد زوجها ربما يكون شديدًا في معاملتها قاسيًا، أو مزاجي التعامل لا تستبين له وجهًا مفرحًا من محزن، بل قد يهجر ويعود؛ فتستقبله وكأن شيئًا لم يكن، وتقول: "حِسه في الدار بالدنيا".

 

وتبقى هكذا حتى لتجد الواحدة وقد مرَّ بها العمر، وانسلخت انسلاخًا تامًّا من ذاتها وتماهت فيهم، وعلى الرجل أن يتقبل هذا بقبول حسن؛ فيُشعرها بكينونتها لا أن ينقص منها، أن يعلو معها، لا أن يعلو عليها، أن ينسب إليها فضلها، وإن تنازلت هي طواعية عن إشهاره، وعَزَتْهُ إلى دورها والواجب، وأن يرى فيها نسوية العالم، وهي ابنته وزوجته وأخته، وليس فقط أمه حين يباهي.

 

وفوق هذا الانتماء تجدها في التعاملات العادية وحتى المؤثرة عليها تتسم بسجية مشاعرها مهما بلغت من جزيل علم ورفيع مكانة، تسارع لنسب كل فضل لصاحبه من الرجال الذين عاصرتهم، وكانت لهم عليها يد؛ فتجدها تدين حتى لعابري طريقها، وزميلها وأستاذها والرجل الذي نحَّى عنها كلاب الطريق الضالة حين عوت، والحارس الذي ساعدها في مهمة ركن السيارة، والبائع الذي ذكرها بمغالطاتها حين أنقدته مبلغًا كبيرًا يفوق المتفق عليه دون انتباه.

  • 3
  • 1
  • 1,093

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً