أسد بن الفرات... الشيخ المجاهد فاتح صقلية
ولد أبو عبد الله أسد بن الفرات بن سنان في سنة 142 هجرية بمدينة حران في ديار بكر بالشام، ثم انتقل في سنة 144 هجري إلى بلاد المغرب مع أبيه الفرات بن سنان الذي كان قائداً للمجاهدين الذين خرجوا لنشر الدين الإسلامي في بلاد المغرب واستقر مع أبيه في مدينة القيروان.
ولد أبو عبد الله أسد بن الفرات بن سنان في سنة 142 هجرية بمدينة حران في ديار بكر بالشام، ثم انتقل في سنة 144 هجري إلى بلاد المغرب مع أبيه الفرات بن سنان الذي كان قائداً للمجاهدين الذين خرجوا لنشر الدين الإسلامي في بلاد المغرب واستقر مع أبيه في مدينة القيروان. ونشأ منذ صغره على حفظ كتاب الله وحب العلم ومجالسة العلماء وأصبح معلماً للقرآن وهو دون الثانية عشر من عمره، كما نجح في تحصيل العلوم الشرعية وبرع في الفقه وكان يميل دائماً إلى إعمال العقل.
وسافر أسد بن الفرات إلى المدينة النبوية لسماع الموطأ من الإمام مالك مباشرة، ولاحظ الإمام مالك حرص أسد بن الفرات على سماع الحديث وشغفه بالعلم، ثم رحل بعد ذلك إلى العراق وفيها التقى كبار تلاميذ أبي حنيفة ثم ارتحل من العراق إلى مصر وكان فيها أكثر تلاميذ مالك علماً وورعاً.
وفي سنة 181 هجرية عاد أسد بن الفرات إلى مدينة القيروان بعد رحلة علمية طويلة شاقة ولكنها كانت ناجحة علمياً؛ إذ تنقل فيها بين المدينة المنورة ومكة وبغداد والكوفة والفسطاط في طلب العلم حتى صار من كبار علماء المغرب وإماماً من أئمة المسلمين الذين بلغـوا درجة الاجتهاد
وجلس بجامع عقبة بن نافع وأقبل عليه الناس من كل مكان من المغرب والأندلس واشتُهِر أمره وشاع علمه وارتفع قدره، وكان أسد بن الفرات شديد الضبط والتحرير والدقة لكتبه حتى صار مضرب الأمثال في ذلك.
كما كان من كبار المجاهدين في سبيل الله فقد ورث حب الجهاد عن أبيه الذي كان أمير المجاهدين في (حران)، والذي حمل ولده الصغير أسد وخرج به مجاهداً في سبيل الله فنشأ شجاعاً وكان جندياً جريئاً وبحَّاراً مغامراً واشترك - وهو ما زال في سن الشباب - في العديد من المعارك البحرية في مياه البحر المتوسط.
كانت إفريقيـة (تونس) واقعـة تحت حكـم دولة الأغالبة التي استقلت بحكم البلاد منذ سنة 184 هجرية ولكنها كانت تابعة للدولة العباسية، وكانت هذه الدولة في بداياتها معنيَّة بأمر الجهاد ونشر الإسلام واتجه اهتمام ولاة هذه الدولة إلى الجزر الكبرى الواقعة في البحر المتوسط مثل جزيرة صقليه وكورسيكا وسردانية وغيرها. ولكن التركيز الأكبر كان على جزيرة صقلية التي تعتبر من أكبر جزر البحر المتوسط مساحة وأغناها من حيث المواردُ الاقتصادية وأفضلها موقعاً. وانتبه المسلمون لأهمية هذه الجزيرة مبكراً وذلك منذ عهد الصحابة وحاولوا فتحها مرات عديدة.
وفي سنة 212 هجرية لما استُنفر الناس للجهاد وفتح صقلية هُرعوا لتلبية النداء، فجُمعَت السفن من مختلف السواحل وكلف حاكم تونس آنذاك (ابن الأغلب) أسد بن الفرات على الحملة البحرية بالرغم من كبر سنه الذي بلغ سبعين سنة، وكان أسد بن الفرات شديد الحرص على الخروج في هذه الغزوة كواحد من المسلمين ولكن الحاكم (ابن الأغلب) أصر على أن يتولى قيادة الحملة العسكرية ويكون قاضياً فجمع له القيادة الميدانية والروحية نظراً لتأثيره في الناس وحبهم له.
خرج أسد بن الفرات من القيروان في حملة عسكرية قَوامها عشرة آلاف جندي من المجاهدين المشاة وسبعمئة فارس بخيولهم في أكثر من مئة سفينة خرجت من ميناء مدينة سوسة الساحلية التونسية.
وفي سنة 212 هجرية تحرك الأسطول تجاه جزيرة صقلية ووصل إلى بلدة (فازر) في طرف الجزيرة الغربي بعد ثلاثة أيام من الإبحار، ودخل أسد بن الفرات على رأس جنده إلى شرقي الجزيرة وهناك وجد قوة عسكرية رومانية بقيادة (فيمي) الذي كان قد طلب سابقاً مساعدة حاكم تونس لاستعادة حكمه على الجزيرة وعرض (فيمي) على القائد أسد بن الفرات الاشتراك معه في القتال ضد أهل صقلية ولكن القائد المسلم العالم بأحكام شريعته المتوكل على الله رفض ذلك.
وتمكن أسد بن الفرات من الاستيلاء على العديد من القلاع أثناء سيره إلى أن وصل إلى أرض المعركة عند سهل (بلاطة) نسبة إلى حاكم صقلية الذي أعد جيشاً ضخماً بلغ تعداده مئة ألف مقاتل وهو يمثـل عشرة أضعاف جيش المسلمين.
وخطب أسد في جيشه فذكرهم بالجنة ووعد الله عز وجل لهم بالنصر وتلا عليهم بعض آيات من القرآن وهو يحمل اللواء في يده، ثم اندفع للقتال والتحم مع الجيش الصقلي، واندفع الجنود المسلمون وراءه ودارت معركة طاحنة كان الأسد العجوز يقاتل فيها قتال الأبطال الشجعان؛ حتى أن الدماء كانت تجـري على درعه ورمحه من شدة القتال وكثرة مَن قتلهم بيده وهو يحمِّس الجنود ويثبت عزائم المسلمين حتى تمكنوا من هزيمة الجيش الصقلي الذي فر قائده من أرض المعركة إلى روما.
وعلى إثر هذا الانتصار الحاسم واصل أسد بن الفرات زحفه حتى وصل إلى مدينة (سرقوسة) وشدد عليها الحصار وجاءته الإمدادات من تونس وأوشكت المدينة على السقوط ولكن مع الأسف حل بالمسلمين وباء خطير يُعتَقَد بأنه الكوليرا؛ فهلك بسببه عدد كبير من الجنود وفي مقدمتهم القائد البطل أسد بن الفرات.
رحل أسد بن الفرات الفقيه والقائد البطل المرابط والمجاهد بعيداً عن أهله وبيتـه مؤثراً مرضات ربه ونصرة دينه وجمع بين خصال الداعية الفقيه وصفات القائد المجاهد.
__________________________________________________
الكاتب: حسن بن محمد
- التصنيف:
- المصدر: