المنتقى من كتاب " إحياء علوم الدين " للإمام الغزالي - آداب النكاح

منذ 2021-12-26

وهكذا كانت عادة النساء في السلف, كان الرجل إذا خرج من منزلة, تقول له امرأته أو ابنته: إياك وكسب الحرام, فإنا نصبر على الجوع والضر, ولا نصبر على النار

الترغيب في النكاح:

أما من الآيات: فقد قال الله تعالى: ( { وأنكحوا الأيامى منكم} ) [النور:32] وقال تعالى في وصف الرسل ومدحهم: ( {ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذريةً } ) [الرعد:38] ومدح أولياءه بسؤال ذلك في الدعاء, فقال: ( {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قُرة أعين}ٍ ) [الفرقان:74]

وأما الأخبار: فقوله صلى الله عليه وسلم: ( من استطاع منكم الباءة فليتزوج, فإنه أغضُّ للبصر, وأحصن للفرج, ومن لا, فليصم فإن الصوم له وجاء) وقال صلى الله عليه وسلم:  «إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه, إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض, وفساد كبير» 

وأما الآثار: فقال عمر رضي الله عنه: لا يمنع من النكاح إلا عجز أو فجور.

فوائد النكاح:

الفائدة الأولى: الولد, والمقصود إبقاء النسل, وأن لا يخلو العالم من جنس الإنس. وفي التوصل إلى الولد قربة من أربعة أوجه:

الأول: موافقة محبة الله بالسعي في تحصيل الولد إبقاء جنس الإنسان.

الثاني: السعي في محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم, ورضاه بتكثير ما به مباهاته.

الثالث: أن يبقى بعده ولداً صالحاً يدعو له.

الرابع: أن يموت الولد قبله فيكون شفيعاً له, قال صلى الله عليه وسلم: «( من مات له ثلاثة لم يبلغوا الحلم, أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم ) قيل: يا رسول واثنان ؟ قال: ( واثنان )»

 

الفائدة الثانية: التحصن من الشيطان, ودفع غوائل الشهوة, وغض البصر, وحفظ الفرج...فالنكاح سبب دفع غائلة الشهوة, فإن الشهوة إذا غلبت, ولم يقاومها قوة التقوى جرت إلى اقتحام الفواحش. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعائه: «( اللهم أعوذ بك من شر سمعي وبصري وقلبي وشر منيي )» فما يستعيذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يجوز التساهل فيه لغيره.

ومن الطباع ما تغلب عليه الشهوة بحيث لا تحصنه المرأة الواحدة, فيستحب لصاحبها الزيادة على الواحدة إلى الأربع, وكان من الصحابة من له الثلاث والأربع, ومن كان له اثنتان لا يحصى, ومهماً كان الباعث معلوماً فينبغي أن يكون العلاج بقدر العلة, فالمراد تسكين النفس, فلينظر إليه في الكثرة والقلة.

الفائدة الثالثة: ترويح النفس وإيناسها بالمجالسة والنظر والملاعبة, وإراحة للقلب, وتقوية له على العبادة, فإن النفس ملول, وهي عن الحق نفور لأنه خلاف طبعها, فلو كلفت المداومة بالإكراه على ما يخالفها جمحت, وإذا روحت باللذات في بعض الأوقات قويت ونشطت.

الفائدة الرابعة: تفريغ القلب عن تدبير المنزل...فإن الإنسان...لو تكفل بجميع أشغال المنزل لضاع أكثر أوقاته, ولم يتفرغ للعلم والعمل, فالمرأة الصالحة المصلحة للمنزل عون على الدين بهذه الطريق.

الفائدة الخامسة: مجاهدة النفس بالرعاية والولاية والقيام بحقوق الأهل, والصبر على أخلاقهن, واحتمال الأذى منهن, والسعي في إصلاحهن, وإرشادهن إلى طريق الدين, والاجتهاد في كسب الحلال لأجلهن, والقيام بتربيته الأولاده, فكل هذه أعمال عظيمة الفضل.

الخصال المطيبة للعيش:

الخصال المطيبة للعيش التي لا بد من مراعاتها في المرأة ليدوم العقد وتتوفي مقاصده:

الأولى: أن تكون صالحة ذات دين, فهذا هو الأصل, وبه ينبغي الاعتناء, فإنها إن كانت ضعيفة الدين في صيانة نفسها وفرجها, أزرت بزوجها, وسودت بين الناس وجهه, وشوشت بالغيرة قلبه, وتنغص بذلك عيشه, فإن سلك سبيل الحمية والغيرة لم يزل في بلاء ومحنة, وإن سلك سبيل التساهل كان متهاوناً بدينه وعرضه, ومنسوباً إلى قلة الحمية والأنفة.

الثانية حُسن الخُلق وذلك أصل مهم, فإنها إذا كانت سليطة بذيئة اللسان, سيئة الخلق, كافرة للنعم, كان الضرر منها أكثر من النفع.

الثالثة: حسن الوجه, فذلك أيضاً مطلوب, إذ به يحصل التحصن, والطبع لا يكتفى بالذميمة غالباً, وما نقلناه من الحث على الدين, وأن المرأة لا تنكح لجمالها ليس زاجر عن رعاية الجمال, بل هو زجر عن النكاح لأجل الجمال المحض مع الفساد في الدين. قال عليه الصلاة والسلام: ( خير نسائكم من إذا نظر إليها زوجها سرته, وإذا أمرها أطاعته, وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله.)

الرابعة: أن تكون خفيفة المهر وفي الخبر (من بركة المرأة, سرعة تزويجها, وسرعة رحمها [أي الولادة] ويسر مهرها) وكان عمر رضي الله عنه ينهى عن المغالاة في الصداق.

الخامسة: أن تكون المرأة ولوداً قال عليه الصلاة والسلام: ( عليكم بالولود الودود )

السادسة: أن تكون بكراً, قال عليه الصلاة والسلام لجابر رضي الله عنه, وقد تزوج ثيباً: (هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك)

السابعة: أن تكون من أهل البيت والصلاح...فإنها ستربى بناتها وبنيها.

آداب المعاشرة وما يجري في دوام النكاح:

على الزوج مراعاة الاعتدال والأدب:

فالأدب الأول: حسن الخلق معهن, واحتمال الأذى منهن, ترحماً عليهن, لقصور عقلهن, قال الله تعالى: { ( وعاشروهن بالمعروف )} [النساء:19] واعلم أنه ليس حسن الخلق معها كف الأذى عنها, بل احتمال الأذى منها, والحلم عند طيشها وغضبها. اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كانت أزواجه تراجعنه الكلام, وتهجره الواحدة منهن يوماً إلى الليل.

الثاني: أن يزيد على احتمال الأذى بالمداعبة, والمزح, والملاعبة, فهي التي تطيب قلوب النساء. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح معهن, روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يسابق عائشة في العدو, فسبقته يوماً, وسبقها في بعض الأيام, فقال عليه الصلاة والسلام: ( هذه بتلك ) وقال صلى الله عليه وسلم: ( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله ) وقال لقمان رحمه الله: ينبغي للعاقل أن يكون في أهله كالصبي, وإذا كان في القوم وجد رجلاً.

الثالث: أن لا ينبسط في الدعابة, وحسن الخلق, والموافقة باتباع هواها إلى حد يفسد خلقها, ويسقط بالكلية هيبته عندها, بل يراعي الاعتدال فيه, فلا يدع الهيبة والانقباض مهما رأى منكراً, ولا يفتح باب المساعدة على المنكرات ألبته, بل مهما رأى ما يخالف الشرع والمروءة تنمر وامتعض.

الرابع: الاعتدال في الغيرة, وهو أن لا يتغافل عن مبادى الأمور التي تخشى غوائلها, ولا يبالغ في إساءة الظن والتعنت وتجسس البواطن. قال عليه الصلاة والسلام: ( إن من الغيرة غيرة يبغضها الله عز وجل, وهي غيرة الرحل على أهله في غير ريبة)

الخامس: الاعتدال في الإنفاق, فلا ينبغي أن يقتر عليهن في الإنفاق, ولا ينبغي أن يسرف, بل يقتصد, قال تعالى: {( وكلوا واشربوا ولا تسرفوا )} [الأعراف:31] وقال عز وجل: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط ) [الإسراء:29]

وقال عليه الصلاة والسلام: «( دينار أنفقته في سبيل الله, ودينار أنفقته في رقبة, ودينار تصدقت به على مسكين, ودينار أنفقته على أهلك, أعظمها أجراً: الذي أنفقته على أهلك)»

وأهم ما يجب مراعاته في الإنفاق أن يطعمها من الحلال, ولا يدخل مداخل السوء لأجلها, فإن في ذلك جناية عليها, لا مراعاة لها.

السادس: أن يتعلم المتزوج من علم الحيض, وأحكامه ما يحترز به الاحتراز الواجب, ويعلم زوجته أحكام الصلاة....وأن يلقنها اعتقاد أهل السنة, ويزيل عن قلبها كل بدعة إن استمعت إليها, ويخوفها في الله إن تساهلت في أمر الدين, ويعلمها من أحكام الحيض والاستحاضة ما تحتاج إليه.

السابع: أن كان له نسوة فينبغي أن يعدل بينهن, ولا يميل إلى بعضهن, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «( من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما دون الأخرى _ وفي لفظ _ ولم يعدل بينهما, جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل) » وإنما عليه العدل في العطاء والمبيت, وأما في الحب والوقاع فذلك لا يدخل تحت الاختيار, قال الله تعالى: {(ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم )} [النساء:129] أي: أن تعدلوا في شهوة القلب, وميل النفس, ويتبع ذلك التفاوت في الوقاع. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعدل بينهن في العطاء, والبيتوتة في الليالي, ويقول «( اللهم هذا جهدي فيما أملك ولا طاقة لي فيما تملك, ولا أملك) » يعني: الحب

الثامن: النشوز, فإذا وقع بينهما خصام ولم يلتئم أمرهما, فإن كان من جانبهما جميعاً, أو من الرجل...فلا بد من حكمين, أحدهما من أهله, والآخر من أهلها, لينظرا بينهما ويصلح أمرهما قال تعالى: { (إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما )} [النساء:35]

وأما إذا كان النشوز من المرأة خاصة فالرجال قوامون على النساء, فله أن يؤدبها ويحملها على الطاعة, ولكن ينبغي أن يتدرج في تأديبها, وهو أن يقدم أولاً الوعظ والتحذير والتخويف, فإن لم ينجح ولاها ظهره في المضجع, فإن لم ينجح ذلك فيها ضربها ضرباً غير مبرح, ولا يضرب وجهها فذلك منهي عنه, وقد قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حق المرأة على الرجل ؟ قال: ( يطعمها إذا طعم, ويكسوها إذا اكتسى ولا يقبح الوجه ولا يضرب إلا ضرباً غير مبرح ولا يهجرها إلا في البيت.)

التاسع: في الطلاق, وليعلم أنه مباح, وإنما يكون مباحاً إذا لم يكن فيه إيذاء بالباطل, ومهما طلقها فقد آذاها, ولا يباح له إيذاء الغير إلا بجناية من جانبها أو بضرورة من جانبه. قال ابن مسعود في قوله تعالى: { ( ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبينةٍ )} [الطلاق:1] مهما بذت على أهله, وآذت زوجها فهو فاحشة. ثم ليراع الزوج في الطلاق أربعة أمور:

الأول: أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه.

الثاني: أن يقتصر على طلقة واحدة فلا يجمع بين الثلاث.

الثالث: أن يتلطف في التعلل بتطليقها من غير تعنيف واستخفاف.

الرابع: أن لا يفشي سرها لا في الطلاق ولا في النكاح, يروى عن بعض الصالحين أنه أراد طلاق امرأة فقيل له: ما الذي يريبك منها ؟ فقال: العاقل لا يهتك ستر امرأته فلما طلقها قيل له: لم طلقتها ؟ فقال: ما لي ولامرأةِ غيري.

حقوق الزوج على الزوجة:

عليها طاعة زوجها في كل ما طلب منها في نفسها مما لا معصية فيه, وقد ورد في تعظيم حق الزوج عليها أخبار كثيرة, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا صلت المرأة خمسها, وصامت شهرها, وحفظت فرجها, وأطاعت زوجها دخلت جنة ربها)

وحقوق الزوج على الزوجة كثيرة, وأهمها أمران:

أحدهما: الصيانة والستر.

والآخر: ترك المطالبة بما وراء الحاجة, والتعفف عن كسبه إذا كان حراماً, وهكذا كانت عادة النساء في السلف, كان الرجل إذا خرج من منزلة, تقول له امرأته أو ابنته: إياك وكسب الحرام, فإنا نصبر على الجوع والضر, ولا نصبر على النار.

والقول الجامع في آداب المرأة من غير تطويل: أن تكون قاعدة في قعر بيتها...تحفظ بعلها في غيبته, وتطلب مسرته في جميع أمورها, ولا تخونه في نفسها وماله, ولا تخرج من بيتها إلا بأذنه, همها صلاح شأنها, وتدبير بيتها, مقبلة على صلاتها وصيامها, وتكون قانعة من زوجها بما رزق الله, وتقدم حقه على حقها وحق سائر أقاربها, متنظفة في نفسها, مستعدة في الأحوال كلها للتمتع بها إن شاء, مشفقة على أولادها, حافظة للستر عليهم, قصيرة اللسان عن سب الأولاد, ومراجعة الزوج.

ومن آدابها: أن لا تتفاخر على زوجها بجمالها, ولا تزدري زوجها لقبحه.

ومن آدابها: ملازمة الصلاح, واللعب والانبساط في حضور زوجها. ولا ينبغي أن تؤذي زوجها بحال.

ومن آدابها: أن تقوم بكل خدمة في الدار تقدر عليها.

                    كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

  • 3
  • 0
  • 5,165
المقال السابق
آداب الأكل
المقال التالي
آداب الكسب والمعاش

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً