(1) حقيقة مصطلح (الانفتاح)
عبد الرحيم بن صمايل السلمي
مصطلح (الانفتاح) ليس مُصطلحًا شرعيًّا، فلم تردْ هذه المادة في القرآن ولا في السُّنَّة، ولَم يستعمله العلماء الراسخون في العلم، بل هو مصطلح عرفي تتداوله الكتب العصرية، والنشرات الصحفيَّة دون تحديد دقيقٍ لمعناه، فقد يطلقه البعضُ ويريد به الاطِّلاع وسعة الإدراك
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة - عبارات وألفاظ لا تصح -
مصطلح (الانفتاح) ليس مُصطلحًا شرعيًّا، فلم تردْ هذه المادة في القرآن ولا في السُّنَّة، ولَم يستعمله العلماء الراسخون في العلم، بل هو مصطلح عرفي تتداوله الكتب العصرية، والنشرات الصحفيَّة دون تحديد دقيقٍ لمعناه، فقد يطلقه البعضُ ويريد به الاطِّلاع وسعة الإدراك، وعدم قصر الفكر على مجال محدَّد، وقد يطلقه آخرون ويريدون به مفهومًا اصطلاحيًّا خاصًّا، وبهذا يكونُ الانفتاح من المصطلحات المجمَلة التي تحتاج إلى الاستفصال عند دراستها، ولكن إضافة الانفتاح إلى العقل والفكر لَم يُعرَف في اللسان العربي وتركيباته، بينما نجده موْجودًا في النسَق اللغوي الغربي، وهذا ما سنبينه في هذا المبحث.
وإضافة الانفتاح إلى الفِكْر في القاموس اللساني الغربي يدلُّ على تأثُّره بالأوضاع الفكرية والثقافية التي سادت المجتمعَ الغربي، وصراع الكنيسة مع العلم، ودورها السلبي في التعامل مع المجتمع، وهو بهذا المعنى يتضمَّن معانٍ غير صحيحة، وله إيحاءات ودلالات سيئة، ويتبَيَّن ذلك من خلال ما يلي:
1 - جُذُور المصطلح:
جذور هذا المصطلح تعود إلى الفِكْر الغربي، فأصلُ مادة (فتح) في اللغة الإنجليزية هي (Open)، وهي تأتي لأكثر من عشرين معنى، بحسب تصريفاتها المتعدِّدة، ومن المعاني الداخلة في مجال البحث ما يلي:
منفتح: راغب في الاستماع لكلِّ ما يعرض عليه، وفي تفهمه بروح سمحة - بنور العقل، ويجعله منفتحًا للمعرفة - يصبح العقل متنورًا أو منفتحًا - يُعَبِّر عن أفكاره ومشاعره.
ومن المعاني الاصطلاحيَّة للمادة (Open door) - أي: الباب المفتوح - وهي: "سياسة قوامها حرية التجارة، وإلغاء التعريفات الجمركية، والسماح لمختلف الدول بالمتاجرة مع بلدٍ ما، على قدم المساواة".
(Opening) معناه (تفتح)، و(Minded - Open)؛ أي: منفتح العقل، أو ذو عقل متفتح، وتأتي بمعنى: "منفتح للحجج والأفكار الجديدة"[2].
ومن خلال ما تقدم نلاحظ أن هذا المصطلح مأخوذ من بيئة معينة، لها ظروفها العقديَّة، وصراعاتها الفكرية.
ويبدو أن هذا المصطلح جاء بسبب الصراع بين الكنيسة والعلم، عندما ظهرت الأفكار العلمية الجديدة، ورفضها رجالُ الدِّين، ولذا فاعتبر الفكر الكنسي منغلقًا، والفكر اللا ديني منفتحًا لاعتماده الكلي على العقل.
2 - غُمُوض المصطلح:
يُلاحَظ في هذا المصطلح الغُمُوض والضبابيَّة، فالانفتاح - في الاستعمال التداولي العام - يُطلق على أنواع متعددة مما يصدق عليه هذا الاسم مع كونها مختلفة في الموضوع.
وهذا الغموض أدى إلى استعمال هذا المصطلح من اتجاهات متعددة لا تتفق فكريًّا فيما بينها في كثيرٍ من القضايا.
فنجد من يستعمل الانفتاح الفكري ليصل إلى الإلحاد، ويصف الدين بأنه انغلاق وتحجير على العقل، كما نجد من ينقد الانفتاح بالصُّورة السابقة، ويطلقه على الاستفادة من كل الثقافات بما لا يناقض الإسلام، ثم يختلف أصحاب هذا الاتجاه في تحديد ما يناقض الإسلام وما لا يناقضه، وفي حدود الاستفادة وضوابطها.
ولهذا لا بُدَّ منْ تحديد نوع الانفتاح الفكري المعين بذكر خصائصه ومكوناته، ثم الحكم عليها بالصواب أو الخطأ بميزان الكتاب والسنة، وهذا الغُمُوض يدل على أن استعمال هذا المصطلح دون ضبط خطأ منهجي؛ لأنه لا يكفي مجرد اسمه في تحديد المراد منه.
ولا بأس أن أشبّه هذا المصطلح بمصطلحات علم الكلام والتصوُّف، التي قد يراد بها حق، وقد يراد بها باطل، وقد حذَّر علماء أهل السُّنَّة من قبولها مطلقًا؛ لاشتمالها على بعض الباطل، كما حذروا من إنكارها وردها جملة؛ لأنها قد يراد بها معنى صحيحًا، فيكون ردًّا لشيء من الحق، ومثل هذا النوع من الكلام المحتمل لا يصح استعماله؛ لأن فيه لبسًا للحق بالباطل، وعلماء أهلِ السُّنَّة والجماعة لَم يُنكروا المصطلحات لأنَّها مصطلحات جديدة - كما يظن البعض - بل لكونها تشتمل على معانٍ باطلة مناقضة للقرآن والسنة.
3 - الإيحاءات السلبية للمصطلح:
هذا المصطلح يحمل إيحاءً انهزاميًّا سلبيًّا في تصور الشريعة الإسلامية؛ فالانفتاح: مصدر الفعل الخماسي المزيد (انفتح)، وكل فعل جاء على وزن (انفعل)، فمصدره على وزن (انفعال)، وزيادة همزة الوصل والنون في أوله ترد لمعنى واحد هو المطاوعة، "انفتح انفتاحًا، وانكسر انكسارًا، وانطلق انطلاقًا"[3].
ودلالة كلمة (الانفتاح) توحي بوُجُود انغلاق قبله، ولهذا فمعناها "إزالة الانغلاق"، فهو ضدُّه[4].
فإذا استعمل هذا المصطلح فإنه يقتضي وجود انغلاق، ثم حصل الانفتاح فمثلاً: من كان على منهج التقليد الأعمى، ثم صار إلى الدليل؛ فإنه يستعمل معه هذا المصطلح، أما من كان معتبرًا للدليل فلا يليق استعمال هذا المصطلح معه؛ لأنه ليس بمنغلق حتى نطالبه بالانفتاح، ومن يحرِّم ما أحلَّ الله تعالى من الطيبات كرهبانية الصوفية، يطالب بالانفتاح بمعنى الخروج من انغلاق الرهبانية إلى سعة السنة التي تبيح الطيبات بإباحة الله تعالى.
أما من يستعمل هذا المصطلح لمطالبة عموم المسلمين به، أو اعتبار الإسلاميين الذين يطالبون بالإسلام في الحكم والاقتصاد وكل شؤون الحياة منغلقين؛ لأنهم لم يتشربوا الفكر الغربي، فهو سوء ظن بالشريعة الإسلامية واتهام لها بالانغلاق، وهو كذلك انهزام أمام الفكر الغربي، واعتباره انفتاحًا من الانغلاق، والحقيقة أنه خرج من انغلاق إلى انغلاق آخر.
ومن هنا تظهر الإيحاءات السلبية في استعمال هذا المصطلح فيما يتعلق بدين الإسلام وسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة - رضوان عليهم - وعلماء المسلمين.