طلب العلوم ووسائل التواصل
حسين عبد الرازق
لا أعلمُ شخصًا واحدا بدأ في طلب العلوم (الشرعية أو الإنسانية) بعد انتشار وسائل التواصل، و هو مهتمّ بهذه الوسائل ومشغولٌ بها...
- التصنيفات: قضايا الشباب - طلب العلم -
لا أعلمُ شخصًا واحدا بدأ في طلب العلوم (الشرعية أو الإنسانية) بعد انتشار وسائل التواصل، و هو مهتمّ بهذه الوسائل ومشغولٌ بها، ويكون قد رسخ في هذه العلوم أو وقف على قدميه في باب ٍ واحد منها، اللهمّ إلا الثقافة الأُفقيّة العامة، واتساع الأُفق، ليس ذلك تقليلا من فوائد هذه المواقع وأثرها في التوجيه والإرشاد والنفع، ولكنه بيان لواقع خبِرتُه من عشرات الأمثلة الذين عرفوا عشرات الخُطط و البرامج عن طريق المُتخصصين في كل المجالات منذ ست سنوات على الأقل
ومع ذلك لم يعملوا بها و لم ينتظموا لا عليها ولا على غيرها.
ينتقلون من خطة لأخرى، و من مسألة مُثارة لأخرى، ومن سطحيّة لسطحيّة.
رُبما يكون السبب الرئيس لهذا القصور بحسب رأيي:
( لا يرجع لعدم اقتناعهم بقيمة المعرفة و العلم، و تقدير المتخصصين، بل كثير من الشباب مُعجَب جدا بل مُنبهر "ربما يصل للغُلو" بمن يراهم متخصصين في أبواب المعرفة، و يفرح بطرحِهم، و يسعد بتحليلاتهم الدقيقة في مجالات تخصصاتهم، و يرى فرقًا بين طرحِهم و طرح غير المتخصص )
لذلك ترى كثيرا ممن يراهم الشبابُ متخصصين: يكثُرُ متابعوهم والمُتفاعلون مع منشوراتهم، والمهتمّون بهم الذين يرسلون لهم رسائل كثيرة يطلبون فيها خُططا و برامج و سُبلا لبلوغ التخصص و الدِّقة و نحو ذلك...
إذنْ:أين هي المُشكلة؟
هي باختصار
- العجلة ُ في محاولة الوصول للتخصص أو لتحصيل العلوم (العجلة في قطف ثمرةٍ لم يغرسوا حَبَّها و لا سَقَوا تُربَتها ولا تعاهَدوها بالرعاية ، استعجال نَيْل جائزة لم يسلكوا سبيلها ).
- العجلة في أن يكونوا في ذات الوقت مؤثرين مُتابَعين، يَكتبون ما يلفت الانتباه و يُتفاعَلُ معه.
-إرادة أن يكونوا محل اهتمام، و أحد محاور وسائل التواصل، ممن يُعتنى بهم، و يُترقّبُ ما يكتبون، و يُسأل ُ عنهم إذا غابو "بغضّ النظر عن النيّة في ذلك أهي إرادة النفع أو طلب الشهرة أو الرياء".
- كثيرٌ منهم يريد أن يكون نُسخةً ممن يُعجبه ممن يراهم متميزين ، و يعيش حياتَه بتفاصيلها ،لا يُحسن أن يأخذ من المتميزين حولَه ما يناسبه و يناسب واقعه و إمكاناته.
-إضافة إلى ما هو معروفٌ من استهلاك الوقت و الجهد و الانشغال على وسائل التواصل و نحوها بما لا يستحق، و الكسل و نحو ذلك (لكني هنا أُركّز على من يجتهد و يتعب لكنه مع ذلك لم يُحصّل شيئا يُذكر)
نصيحتان هنا أخُصُّك بهما:
أولا:
أعظمُ سبب للاستمرار على البذل و السعي في طريق الخير على كُل حال:
ألّا تنشغل - أبدًا - بأن يكون عملُك و صبرُك و عزمُك و تعبُك و نجاحُك و تميُّزك
قصةً مشهورةً يُضرب بها المثل ،و تُحكى و يُثنى عليك بها،و تُشكر عليها و تُكرّم عند الناس بسببها...
رُبّما لوحصل هذا - حتى بدون قصدك - يضرُّك ، و يُعيق نجاحك ،و صدقك ،ربّما تُفتَن به..
و كم قتلتِ الشُّهرةُ ناجحين و عُذّبوا بها!
حسبُك أن يعلمها من يملك الضر و النفع و من لا تخشى معه ظلمًا و لا هضمًا..
هناك رُسلٌ كرام لم يقصصهم اللهُ علينا ،و صالحون ،و دعاة ،هناك مجاهدون قُتلوا في خنادقهم لا نعلمهم اللهُ يعلمهم..و هم في أعلى الدرجات مقاما عند الله
مَن فقِه هذا استراح و اطمأن قلبه، وبقي مُجتهدا على كلّ حال، و في الحديث: «إنّ الله يحب العبد التقيَّ الغني الخفيَّ».
الثانية:
لحظة النجاح وفرحة الإنجاز، متى تنتقل من خيالك إلى الواقع؟
عندما تدرك ذلك الأمر:
الشخصُ الناجح في عين المُعجَب به -تماما -يُشبه البناء الجميل المكتمل، يراه الناس وقتَ اكتماله، لم يروا منظرَه و لا نقصه قبل أن يكتمل.
هكذا خلف كل ناجح: عُمُرٌ طويل و بَذلٌ كبير و تعبٌ ،ونقصٌ ،و إخفاقات و تجارب كثيرة فاشلة، لكنّه - فقط-: لم يتعجّل الاكتمال ،و لم تُعجزْه الإخفاقات ،و صبرَ ،بقِي يحاول ،و يبني و يضع حجرا على حجر ،و يمشي خطوة خطوة ،يسقط فينفُض التراب و ينهض..حتى وصل إلى الحال الذي أعجبك..
- نفسُ ذلك الشخص الذي تُعجَب به و ترجو أن تكون مثلَه، لو كنتَ رأيت بداياته لم يكن ليثيرَ اهتمامك.. تماما كهذا البناء الجميل وقت إعداده قبل اكتماله…
هكذا ترى بطلا رياضيّا ، أو طالب علم متميّزًا ،أو مهندسا ناجحا ،أو شخصا مُتقنًا للغة أجنبيّة ،أو حافظَ قرآن ماهرا به يتلوه كلّه من صدره كما تتلو الفاتحة
تقول: ياااا نفسي أكون هكذا، فالذي يُفسد عليك هذه النهاية السعيدة ،و أنْ تعيش تلك الفرحة:
أنّك تريد أن تكون مكان البطل و الناجح و المتميّز وقت استلام الجائزة ،دون أن تسلُك طريقه الشاقّة إلى تلك البطولة و النجاح و التميّز !!!! وهذا لن يكون.
و لو كان = لَما بقيَ للنجاح طعمٌ، ولا فَرحٌ، فإنّ التعب و البذل في الإعداد = هو سِرُّ الفرح عند التتويج و الجزاء، واعتبِرْ ذلك بأعظم جائزة ،حيثُ يقولُ الربُّ الكريم لأهل الجنة:
{إنّ هذا كان لكم جزاءً،و كان سعيُكم مشكورًا}
{وكان سعيُكم مشكورًا}
{وما يُلقّاها إلا الذين صبروا}