العمل شرف
محمد سيد حسين عبد الواحد
ذكرت الزراعة في القرآن والسنة ،ذكرت الصناعة في القرآن والسنة، ذكر البيع، ذكر الشراء، ذكرت النجارة، ذكرت التجارة، ذكرت الحدادة، ذكر البناء، ذكر الغزل، ذكر الرعي ، ذكر الصيد في التنزيل الحكيم وفي سنة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم..
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
أيها الإخوة الكرام: اليوم موعدنا لنتحدث عن العمل، وما أكثر المواضع التي ذكر فيها العمل في القرآن الكريم وفي سنة إمام المرسلين صلى الله عليه وسلم..
ذكرت الزراعة في القرآن والسنة ،ذكرت الصناعة في القرآن والسنة، ذكر البيع، ذكر الشراء، ذكرت النجارة، ذكرت التجارة، ذكرت الحدادة، ذكر البناء، ذكر الغزل، ذكر الرعي ، ذكر الصيد في التنزيل الحكيم وفي سنة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم..
قال الله تعالى {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ، وَلِسُلَيْمَٰنَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ۖ وَأَسَلْنَا لَهُۥ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ ۖ وَمِنَ ٱلْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِۦ ۖ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ ، يَعْمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ وَجِفَانٍ كَٱلْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَٰتٍ ۚ ٱعْمَلُوٓا۟ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ ٱلشَّكُورُ }
وفي الصحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام قال «إن أطيب ما أكل الرجل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده »
وفي الحديث الآخر « إنَّ أَطْيَبَ الكَسْبِ كَسْبُ التجارِ : الذين إذا حَدَّثوا لم يَكْذِبوا ، وإذا ائْتُمِنوا لم يَخُونُوا ، و إذاوَعَدُوا لم يُخْلِفوا ، وإذا اشْتَرَوْا لم يَذُمُّوا ، وإذا باعُوا لم يُطْرُوا ، وإذا كان عليهم لم يَمْطُلُوا وإذا كان لهم لم يُعَسِّرُوا »
كم من الأعمال والحرف والأشغال ذكرت في كتاب الله تعالى وفي سنة النبي محمد عليه الصلاة والسلام إذ العمل والسعي والحركة والضرب في الأرض أخذ بالأسباب ..
وعقيدة المؤمن تقول : إن الأسباب لا تضر ولا تنفع إلا بأمر مسبب الأسباب سبحانه وتعالى، والأخذ بالأسباب سنة من سنن الله عز وجل في خلقه ، فما من دابة في الأرض ولا شيء من الهوام ولا طائر يطير بجناحيه إلا وله رزق قسمه الله له من ( الأقوات ) هذا الرزق يحصله المخلوق بحركته وسعيه وكسبه قال الله تعالى ﴿ {هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلْأَرْضَ ذَلُولًا فَٱمْشُوا۟ فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا۟ مِن رِّزْقِهِۦ ۖ وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ } ﴾
وقال النبي عليه الصلاة والسلام ««لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُوا خِمَاصاً وَتَرُوْحُ بِطَاناً»»
العمل يصون للإنسان كرامته، العمل يحفظ للإنسان ماء وجهه، فأن يأكل الإنسان من عمل يده خير له من أن يسأل الناس فهذا يعطيه وهذا يمنعه ..
سعي الإنسان وكسبه ينفع به نفسه ووالديه وزوجه وولده وينفع به الناس فقراء ومساكين وغارمين وأصحاب حاجات..
ذلك أن الله تعالى يرزق الناس بعضهم من بعض وقد تتبقى آثار عمل الإنسان صدقة جارية له بعد موته ..
ورد أن رجلًا مرَّ على أبِي الدرداءِ الصحابِيِّ رضي اللهُ عنه- فوجدَهُ يغرسُ بذرة جوز وبذرة الجوز حتى تنبت وتساوي على سوقها وتثمر تحتاج إلى سنوات وسنوات وأبو الدرداء وقتها كان شيخاً كبيراً هرما قد سقط حاجبيه على عينيه ..
فقال الرجل أبا الدرداء أتغرسُ هذه الجوزةَ وأنت شيخٌ كبيرٌ، وهي لا تثمرُ إلا بعد أعوام وأعوام ؟! فقال أبو الدرداءِ: وما عليَّ أنْ يكونَ لي أجرُهَا ويأكلُ منها غيرِي.
مع العمل والسعي والضرب في الأرض الناس يعيشون فى سلام مع العمل والسعي والضرب في الأرض يتحقق الغنى يتحقق النماء والرخاء ويسود الأمان وتبقى سنة الله في الأخذ بالأسباب في خلقه قائمة قال الله تعالى لمريم رغم ضعفها {﴿ وَهُزِّىٓ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَٰقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا فَكُلِى وَٱشْرَبِى وَقَرِّى عَيْنًا ۖ ﴾}
وبعد سنوات من الصبر على البلاء عافي الله أيوب عليه السلام ويومها أمره الله تعالى أن يحرك رجله فيضرب الأرض بها أيضاً لتبقي سنة الله في الأخذ بالأسباب في خلقه قائمة {﴿وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُۥٓ أَنِّى مَسَّنِىَ ٱلشَّيْطَٰنُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ، ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌۢ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴾ }
ويوم خروج موسى عليه السلام من مصر ومعه بنو إسرائيل وقفوا والبحر أمامهم والعدو من خلفهم حتى قال أصحاب موسى إنا لمدركون عندها أمر الله موسى أن يأخذ بالسبب فقال الله له {﴿ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ ۖ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ ﴾}
وفي الصحراء القاحلة على أرض سيناء ( وما زال الحديث عن موسى عليه السلام ) وبينما الناس من بني إسرائيل يتمايلون ويتساقطون من شدة الظمأ طلب موسي من ربه أن يرحم الناس وأن يسقيهم فأمره الله تعالى أن يأخذ بالسبب كذلك {﴿ وَإِذِ ٱسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِۦ فَقُلْنَا ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ ۖ فَٱنفَجَرَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ ﴾}
أيها الإخوة الكرام:
إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة وإن السماء لا تمطر طعاماً ولو أن إنساناً نام في بيته وقعد عن السعي وقال الأرزاق بيد الله لمات على فراشه من الجوع والعطش ولم يلتفت إليه، ولو أن طائرا أخذه الكسل أن يبق في عشه وانتظر أن يسوق الله الرزق إليه لمات في عشه غير مأسوف عليه..
كسل الإنسان وقعوده عن العمل له ضريبة مؤلمة..
فمع البطالة يضرب العنف والهرج في كل موضع، مع البطالة يقع العدوان على الأموال والأنفس والأعراض بلا هوادة، وقد قيل النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل ..
ولذلك أمر الله عز وجل ابن آدم ألا يسلم نفسه للفراغ والكسل بل أمره ربه أن يخرج من عمل ديني إلى عمل ديني آخر ، ومن عمل دنيوي إلى عمل دنيوي آخر قال الله تعالى {(فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ )}
هذه الآية طبقت بحذافيرها أيام النبى سليمان عليه السلام لما سخر الله له الجن ووجدهم فارغون مفسدون مخربون شغلهم عن الإفساد والتخريب بالعمل فى إشارة إلى أنه بالعمل يتقى شر الأشرار وفساد المفسدين..
قال الله تعالى {(وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)}
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوسع أرزاقنا وأن يكتب لنا الخير حيث كان ..
الخطبة الثانية
بقي لنا في ختام الحديث عن العمل والسعي والحركة وكونها شرف وعزة وكرامة بقي لنا أن نوجه إلي صاحب العمل رسالة ..
بعض الناس أصحاب أموال وأعمال ويعمل لديهم أجراء موظفين سائقين خدم حمالين بائعين منظفين ...
أحب أن أقول لكل صاحب عمل لست مقسم أرزاق، لست إلا سبباً، والله تعالي هو الرزاق ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَٰتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
ورد في تفسير هذه الآية أن معناها أن الله تعالى يقول : نحن الذين رفعنا بعضهم فوق بعض درجات فى الدنيا ، فهذا غنى وذاك فقير ، هذا مخدوم ، وذاك خادم ، وهذا قوى ، وذاك ضعيف ، يتفاوتون فى الأرزاق لحكمة قال الله : { لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً }
أى : فعلنا ذلك ليستخدم بعضهم بعضا فى حوائجهم ، ويعاون بعضهم بعضا فى مصالحهم ، وبذلك تنتظم الحياة ، وينهض العمران . ويعم الخير بين الناس ، ويصل كل واحد إلى مطلوبه على حسب ما قدر الله - تعالى - له من رزق واستعداد . .
وكأنه الله تعالى يقول ولو أنا تركنا أمر تقسيم الأرزاق إلى الناس لتهارجوا وتقاتلوا ، وعم الخراب فى الأرض ، لأن كل واحد منهم يريد أن يأخذ ما ليس من حقه ، لأن الحرص والطمع من طبيعته .
كن كريما ، كن ممن يألف ويؤلف.. كافئ المجتهد، عزز المتميز ، شجع المتكاسل، رغب المتراخي .. لا تأكل مال الأجير ولا تنتقص منه بغير حق قالَ اللَّهُ: ثَلاثَةٌ أنا خَصْمُهُمْ يَومَ القِيامَةِ: رَجُلٌ أعْطَى بي ثُمَّ غَدَرَ، ورَجُلٌ باعَ حُرًّا فأكَلَ ثَمَنَهُ، ورَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أجِيرًا فاسْتَوْفَى منه ولَمْ يُعْطِ أجْرَهُ)
أقول لكل صاحب عمل لا تكن جلادا، ولا تشدد فيشدد الله عليك ..
أتَى عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ شَمَاسَةَ إلى عَائِشَةَ رضِي اللهُ عنها يَسأَلُها عن شيءٍ، فقالت: مِمَّنْ أنت؟ فقال: رَجُلٌ مِن أهلِ مِصْرَ، فقالت: كيفَ كان صاحِبُكم لكم في غَزَاتِكُم هذه؟
تعني أميرهم (مُعَاوِيَةَ بنَ حُدَيْجٍ) فقال عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ شَمَاسَةَ: ما نَقِمْنا منه شيئًا، أي: ما كَرِهْنا منه ولا عِبْنا عليه شيئًا؛ إنْ كان لَيَمُوتُ لِلرَّجُلِ مِنَّا البَعِيرُ فيُعطِيه البعيرَ، ويَمُوتُ للرَّجلِ منَّا العبدُ فيُعطِيه العَبْدَ، ويَحْتَاجُ إلى النَّفَقَةِ فيُعطِيه النَّفَقَةَ، فقالت عَائِشَة رضي الله عنها كلاماً ...ورد في آخره قولها :
سَمِعْتُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يَقُولُ في بَيتِي هذا: اللَّهُمَّ مَن وَلِيَ مِن أمرِ أُمَّتِي شيئًا فشَقَّ عليهم، فاشْقُقْ عليه، ومَن وَلِيَ مِن أمرِ أُمَّتِي شيئًا فرَفَق بهم فارْفُق به ..