الأخوة والصحبة (1)
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
قال المأمون: الإخوان ثلاثة: أحدهم مثله مثل الغذاء لا يستغنى عنه, والآخر مثله مثل الدواء يحتاج إليه في وقت دون وقت, والثالث: مثل الداء, لا يحتاج إليه قط.
- التصنيفات: طلب العلم -
التحاب في الله تعالى, والأخوة في دينه من أفضل القربات, وألطف ما يستفاد من الطاعات, ولها شروط بها يلتحق المتصاحبون بالمتحابين في الله تعالى, وفيها حقوق بمراعاتها تصفو الأخوة عن شوائب الكدورات, ونزغات الشيطان.
فضيلة الألفة والأخوة:
أعلم أن الألفة ثمرة حسن الخلق, والتفرق ثمرة سوء الخلق, فحسن الخلق يوجب التآلف, والتوافق, وسوء الخلق يثمر التباغض, والتحاسد, والتدابر.
وقد ورد الثناء على الألفة, سيما إذا كانت الرابطة هي التقوى, والدين, وحب الله, من الآيات والأخبار والآثار ما فيه كفاية ومقنع. قال الله تعالى مظهراً عظيم منته على الخلق بنعمة الألفة: { لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم } [الأنفال:63] وقال: { فأصبحتم بنعمته إخواناً } [آل عمران:103] أي بالألفة, وقال صلى الله عليه وسلم: « إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي, اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي » وقال علي رضي الله عنه: عليكم بالإخوان, فإنهم عدة في الدنيا والآخرة, ألا تسمع إلى قول أهل النار: {(فما لنا من شافعين*ولا صديق حميم)} [الشعراء:100_101]
البغض في الله:
اعلم أن كل من يحب في الله, لا بد أن يبغض في الله, فإنك إن أحببت إنساناً لأنه مطيع لله, ومحبوب عند الله, فإن عصاه فلا بد أن تبغضه, لأنه عاص لله, وممقوت عند الله, ومن أحب بسبب, فبالضرورة يبغض لضده, وهذا متلازمان لا ينفصل أحدهما عن الآخر.
الصفات المشروطة فيمن تختار صحبته:
اعلم أنه لا يصلح للصحبة كل إنسان. قال صلى الله عليه وسلم: المرء على دين خليله, فلينظر أحدكم من يخالل ) ولا بد أن يتميز بخصال وصفات يرغب بسببها في صحبته.....فينبغي أن يكون فيمن تؤثر صحبته خمس خصال: أن يكون عاقلاً, حسن الخلق, غير فاسق, ولا مبتدع, ولا حريص على الدنيا.
أما العقل فهو رأس المال, وهو الأصل فلا خير في صحبة الأحمق, فإلى الوحشة والقطيعة ترجع عاقبتها وإن طالت, فالأحمق قد يضرك وهو يريد نفعك وإعانتك من حيث لا يدري.
وأما حسن الخلق, فلا بد منه, إذ ربّ عاقل يدرك الأشياء على ما هي عليه, ولكن إذا غلبه غضب, أو شهوة, أو بخل, أو جبن أطاع هواه, وخالف ما هو المعلوم عنده لعجزه عن قهر صفاته وتقويم أخلاقه, فلا خير في صحبته. قال بعض الأدباء: لا تصحب إلا من يكتم سرك ويستر عيبك ويكون معك في النوائب ويؤثرك بالرغائب
وأما الفاسق المصر على الفسق, فلا فائدة في صحبته, لأن من يخاف الله لا يصرّ على كبيرة, ومن لا يخاف الله لا تؤمن غائلته, ولا يوثق بصداقته, بل يتغير بتغير الأغراض. قال عمر رضي الله عنه: فلا تصحب الفاجر فتتعلم من فجوره, ولا تطلعه على سرك, واستشر في أمرك الذين يخشون الله تعالى.
وأما المبتدع ففي صحبته خطر سراية البدعة, وتعدى شؤمها إليه, فالمبتدع مستحق للهجر والمقاطعة, فكيف تؤثر صحبته ؟ قال عمر رضي الله عنه في الحث على طلب التدين في الصديق: عليك بإخوان الصدق تعش في أكنافهم, فإنهم زينة في الرخاء, وعدة في البلاء,...واحذر صديقك إلا الأمين من القوم, ولا أمين إلا من خشى الله.
وأما الحريص على الدنيا, فصحبته سم قاتل, لأن الطباع مجبولة على التشبه والاقتداء, بل الطبع يسرق من الطبع من حيث لا يدري صاحبه, فمجالسة الحريص على الدنيا تحرك الحرص, ومجالسة الزاهد تزهد في الدنيا, فلذلك تكره صحبة طلاب الدنيا, ويستحب صحبة الراغبين في الآخرة.
قال بعض العلماء: لا تصحب إلا أحد رجلين: رجل تتعلم منه شيئاً في أمر دينك فينفعك, أو رجل تُعلّمهُ شيئاً في أمرِ دينه فيقبلُ منك, والثالث فاهرب منه.
وقال بعضهم: الناس أربعة: فواحد حلو كله فلا يشبع منه, وآخر مرّ كله فلا يؤكل منه, وآخر فيه حموضة فخذ من هذا قبل أن يأخذ منك, وآخر فيه ملوحة فخذ منه وقت الحاجة فقط.
وقال جعفر الصادق رضي الله عنه: لا تصحب خمسة: الكذاب فإنك منه على غرور, وهو مثل السراب يقرب منك البعيد, ويبعد منك القريب, والأحمق فإنك لست منه على شيء, يريد أن ينفعك فيضرك, والبخيل فإنه يقطع بك أحوج ما تكون أحوج إليه, والجبان فإنه يسلمك ويفر عند الشدة, والفاسق فإنه يبيعك بأكلة أو أقل منها. فقيل: وما أقل منها ؟ قال: الطمع فيها ثم لا ينالها.
قال المأمون: الإخوان ثلاثة: أحدهم مثله مثل الغذاء لا يستغنى عنه, والآخر مثله مثل الدواء يحتاج إليه في وقت دون وقت, والثالث: مثل الداء, لا يحتاج إليه قط.
قال أبو ذر رضي الله عنه: الوحدة خير من جليس السوء, والجليس الصالح خير من الوحدة.
قال لقمان: يا بني جالس العلماء, وزاحمهم بركبتيك, فإن القلوب لتحيا بالحكمة, كما تحيا الأرض الميتة بوابل المطر.
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ