حكم عيد الميلاد
فهذا حرامٌ لا يجوز، وفيه محظوران: 1- أنه بدعة. 2- أنه تشبُّهٌ بالكفَّار.
- التصنيفات: النهي عن البدع والمنكرات - مناسبات دورية -
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن ولاه، وبعد:
فهذا حرامٌ لا يجوز، وفيه محظوران:
1- أنه بدعة.
2- أنه تشبُّهٌ بالكفَّار.
• أمَّا الأول: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلُّ بدعةٍ ضلالة»، كما في صحيح مسلم، وقال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رَدٌّ»؛ (رواه مسلم).
فدينُنا كاملٌ لا نقص فيه؛ قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3]، وقال سبحانه وتعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21]، كما قال عليه الصلاة والسلام: «أنا فَرَطُكم على الحوض؛ وليُرْفعنَّ إليَّ رجالٌ منكم حتى إذا أهويتُ إليهم لأُناوِلَهم، اختُلجوا دوني، فأقول: أيْ رب، أصحابي؟! فيقال: إنك لا تدري ما أحدَثوا بعدك»، وفي رواية: «فأقول: سحقًا لمن بدَّل بعدي».
وجاء في السنة للمروزي (64) عن عبدالله بن مسعود، قال: اتَّبعوا ولا تبتدعوا؛ فقد كُفيتُم، وكلُّ بدعة ضلالةٌ.
والأصل في العادات: الحِلُّ إلَّا أن يأتيَ دليل، وهذه إذا كانت في المولد فمن بِدَعِ العبادات، وهي هنا من بدع العادات؛ لأن الشرع قد حدد الاحتفال في المواسم بعيدين، فلا يجوز الخروجُ عنهما، فقد جعل الشرع الاحتفالَ بمثل ذلك أمرًا محظورًا إلا فيما نصَّ عليه، فأصبح الأمر هنا شرعيًّا، وهذه الأعياد - أعياد الميلاد - لا دليلَ عليها؛ قال ابن تيمية رحمه الله: الأصل الذي بنى الإمامُ أحمد وغيرُه من الأئمة عليه مذاهبَهم، أن أعمال الخلق تنقسم إلى: عبادات يتخذونها دينًا ينتفعون بها في الآخرة أو في الدنيا والآخرة، وإلى عاداتٍ ينتفعون بها في معايشهم؛ فالأصل في العبادات ألَّا يُشرع منها إلا ما شرعه الله، والأصل في العادات ألَّا يُحظر منها إلا ما حظره الله؛ [اقتضاء الصراط المستقيم (ص 269)].
قال الشيخ محمد بن إبراهيم في فتاواه 3/106: الأعياد كلُّها من باب العبادة.
وفي سنن أبي داود والنسائي من حديث أنس بن مالك أنه قال: (قدِم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ، ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: «ما هذان اليومان»؟، قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن اللهَ قد أبدلكم بهما خيرًا منهما: يومَ الأضحى، ويومَ الفطر»، والحديث صحَّحه الألباني، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ﴾ [النساء: 2]، فليس للمسلمين غيرهما.
فإن قال قائلٌ: يُفرَّقُ بين العيد الشرعي وغيره، يُجابُ بأن ظاهرَ الحديث يردُّ ذلك، والتفريق يجب عليه دليل، فأين هو إذًا؟ فالأصل عدمُ التفريق؛ لأنهم كانوا يلعبون، وهو فعلٌ مباح، فحرَّمه صلى الله عليه وسلم.
فإن قالوا: هو بدعة حسنة، أُجيب بأنه ليس عند أهل السُّنَّة هذا؛ فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما يقول: كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنةً؛ [سنن الدارمي 1 /80]، وقال الشاطبي: قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: «كل بدعة ضلالة» محمولٌ عند العلماء على عمومِه، لا يُستثنى منه شيءٌ ألبتة، وليس فيها ما هو حسن أصلًا [انظر فتاوى الإمام الشاطبي ص(181،180)]، وقال القرطبي في تفسيره (2 /87): وكل بدعة ضلالة يريد: ما لم يوافق كتابًا أو سنة أو عملَ الصحابة رضي الله عنهم؛ اهـ.
وقول عمر: نعم البدعة هذه محمولٌ على اللغة لا الشرع.
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: والبدعة على قسمين: تارة تكون بدعة شرعية؛ كقوله: فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وتارة تكون بدعة لغوية؛ كقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عن جمعِه إياهم على صلاة التراويح واستمرارهم: نعمت البدعة؛ اهـ [تفسير القرآن العظيم (1 /162)].
قال ابن رجب: والمراد بالبدعة: ما أُحدث ممَّا لا أصل له في الشريعة يدلُّ عليه، وأما ما كان له أصلٌ من الشرع يدلُّ عليه، فليس ببدعةٍ شرعًا، وإن كان بدعة لغةً؛ [جامع العلوم والحكم /ص265].
و حديث من سنَّ في الإسلام سُنَّة حسنة المقصودُ فيه: أي أحيا سنة مهجورة، أو فعل فعلًا له أصل في الشرع الحنيف؛ فالذوق والعقل والخواطر فيها صوابٌ وخطأ، والكتاب والسنة لا يكونان إلا حقًّا؛ (ويُراجع مختصر الصواعق ص496).
عن حرملةَ بن يحيي قال: سمعت الإمامَ الشافعي رحمه الله يقول: البدعة بدعتان: بدعة محمودة، وبدعة مذمومة، فما وافق السنة فهو محمود، وما خالف السنة فهو مذموم؛ [الحلية 9 /113].
ولو كان يومُ الميلاد جائزًا فيه شيء، لكان الحزن أولى فيه من الفرح؛ يقول الحسن البصري رحمه الله: (يا بن آدم، إنما أنت أيامٌ؛ كلَّما ذهب يومٌ ذهب بعضُك)، الحلية (2 /148).
• الأمر الثاني: ما فيه من التشبه بالكفار: فهذه بدعة قبيحة؛ قال صلى الله عليه وسلم: «لتتبعُنَّ سَنَنَ مَن كان قبلكم شبرًا شبرًا وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جُحْرَ ضَبٍّ تبعتُمُوهم»، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: «فمَن»؟؛ البخاري، وقال: «من تشبَّه بقوم، فهو منهم»؛ رواه أبو داود بسندٍ حسن.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وهذا أقلُّ أحواله أن يقتضيَ تحريمَ التشبه بهم، وإن كان ظاهرُه يقتضي كفرَ المتشبِّه بهم؛ [اقتضاء الصراط المستقيم (237)].
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعةُ حتى يأخذَ أمتي ما أخذَ الأمم والقرون قبلها شِبرًا بشبرٍ وذراعًا بذراع»، قالوا: يا رسول الله، كما فعلت فارسُ والروم؟ قال: «وهل الناس إلا أولئك»؟؛ (البخاري).
وفيه حرمةُ التشبه؛ وهذا لأن العيدَ من أمور العبادة، وقد أُجيب في التأصيل الأول على مَن جعل ذلك من أمور العادات المباحة.
قال صلى الله عليه وسلم في العيد: «إن لكل قوم عيدًا، وهذا عيدُنا»؛ (البخاري).
قال الشاطبي في الاعتصام ( 2 / 98 ) : العاديَّات من حيث هي عاديَّة لا بدعة فيها، ومن حيث يُتعبَّد بها أو تُوضع وضعَ التَّعبُّد، تدخلُها البدعة انتهى.
وهذه الأعياد، وإن لم ينوِ بها صاحبُها التعبد، فإنه فعل بدعة.
وقد نهى النبي عن التَّشبُّهِ بهم، فصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خالفوا المشركين»، وهذه بدعة اختص بها المشركون كما هو بيِّنٌ.
وروى أبو داود في (سننه) بسند صحيح من حديثِ ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: نذر رجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينحرَ إبلًا بِبُوَانَةَ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني نذرتُ أن أنحر إبلًا ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هل كان فيها وثنٌ من أوثان الجاهلية يُعبَد»؟، قالوا: لا، قال: «هل كان فيها عيدٌ من أعيادهم»؟، قالوا: لا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أوفِ بنذرك؛ فإنه لا وفاءَ لنذرٍ في معصية الله، ولا فيما لا يملِك ابنُ آدم»، فهذا يدل على حرمة التشبه بهم، ووجوب مخالفتهم في أفعالهم، وقد قال تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [البقرة: 120]، وتجويزُ البعض لا يدل على الجواز؛ فالعبرة بالدليل؛ كما قال الله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59].
قال ابن مسعود رضي الله عنه: وستجدون أقوامًا يزعُمون أنهم يدْعون إلى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم، عليكم بالعلم، وإياكم والتبدُّع والتنطُّع والتعمُّق، وعليكم بالعتيق؛ [البدع والنهي عنها - لابن الوضاح - ص59].
وقال الله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46].
قال ابن وهب: كنا عند مالك فذُكرت السُّنَّة، فقال مالك: السنة سفينةُ نوح؛ من ركِبها نجا، ومن تخلَّف عنها غرق؛ [تاريخ دمشق لابن عساكر 14/9].
ونبينا صلى الله عليه وسلم قال: «كلُّ أمتي يدخلون الجنَّة إلا مَن أبى»، قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى»؛ (رواه البخاري).
ولله دَرُّ القائل:
دعوا كلَّ قول عند قول محمدٍ ♦♦♦ فما آمِنٌ في دينه كمخاطرِ
وقد قيل:
وليس كل خلاف جاء معتبرًا ♦♦♦ إلا خلاف له حظٌّ من النظرِ
ويقول الإمام العزُّ بنُ عبدالسلام رحمه الله:
الضابط في هذا أن مأخذَ المخالف إن كان في غاية الضعف والبعد من الصواب، فلا نظر إليه، ولا التفات عليه، إذا كان ما اعتُمد عليه لا يصحُّ نَصْبُه دليلًا شرعًا، ولا سيما إذا كان مأخذُه ممَّا يُنقَضُ الحكم بمثله، انتهى من [قواعد الأحكام في مصالح الأنام (1/ 253)]، وقول المخالفين ضعيف.
وقال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله كما في فتاوى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز (5/ 176):
وقد وقع في الناس أيضًا تقليدٌ لهؤلاء؛ فقد احتفل الناس بعيد أولادهم، أو عيد الزواج، فهذا أيضًا من المنكرات وتقليدٌ للكفرة، فليس لنا إلا عيدان: عيدُ الفطر، وعيد النحر، وأيام التشريق، وعرفة، والجمعة، فمن اخترع عيدًا جديدًا، فقد تشبَّه بالنصارى واليهود؛ قال صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا، فهو رَدٌّ»؛ اهـ.
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في (القول المفيد 1/ 387):
مسألة حكم الاحتفال بعيد الميلاد للأطفال:
كل شيء يُتخذ عيدًا يتكرر كل أسبوع أو كل عام، فهو من البدع، والدليل على ذلك أن الشارع جعل للمولودِ العقيقةَ، ولم يجعل شيئًا بعد ذلك، واتخاذُهم هذه الأعياد تتكرر كل أسبوع أو كل عام، معناه أنهم شبَّهوه بالأعياد الإسلامية، وهذا حرام، ولا يجوز، وليس في الإسلام شيء من الأعياد إلا الأعياد الشرعية الثلاثة.
وليس هذا من باب العادات؛ لأنه يتكرر؛ ولهذا لمَّا قدِم النبي صلى الله عليه وسلم فوجد للأنصار عيدين يحتفلون بهما، قال: «إن الله أبدلكم بهما خيرًا منهما؛ عيد الأضحى وعيد الفطر»؛ مع أن هذا من الأمور العاديَّة عندهم؛ اهـ.
هذا والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
_______________________________________________
الكاتب: أحمد حسن الدسوقي