عن كارثة السيول

منذ 2022-01-11

لقد شهدت المحافظة في الأيام القريبة الماضية أمطارا عجيبة وغيوثا غريبة سحب متكاثفة وبروق خاطفة ورياح عاصفة وسيول قاصفة حتى صار الناس في بعض المناطق يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنْ الصَّوَاعِقِ ، ويردونَ أيديهَم على أعينهِم من البوارق..

لقد شهدت المحافظة في الأيام القريبة الماضية أمطارا عجيبة وغيوثا غريبة سحب متكاثفة وبروق خاطفة ورياح عاصفة وسيول قاصفة حتى صار الناس في بعض المناطق يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنْ الصَّوَاعِقِ ، ويردونَ أيديهَم على أعينهِم من البوارق، ينظرون من طرفٍ خفي ويتوقعون كل خطبٍ جلي، في لحظات معدودة فقد العشرات أرواحهم وفقد المئات بيوتهم وأموالهم وفقد العشرات أفرادا من ذريتهم وأولادهم ومسح السيل قرى بأكملها لم يبقي منها إلا بيوتا تعد بأصابع اليد.

 

فما أهون الخلق على الله إذا هم خالفوا أمره وعصوا أوامره قال تعالى: {أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ ٱلسَّيّئَاتِ أَن يَخْسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلأرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} وقال سبحانه وتعالى ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون .

 

عباد الله: ليس كل مطر رحمة، بل إن من المطر ما هو عذاب وعقوبة فقد عذب الله قوم نوح عليه السلام بالماء،: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} [القمر: 11 - 14] وعذب الله فرعون وجنده بالماء حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ ءامَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِى ءامَنَتْ بِهِ بَنواْ إِسْرٰءيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ ءالئَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ بل إن قوم لوط عليه السلام لما انتشرت بينهم الفاحشة وفشت فيهم الرذيلة أمطرهم الله ليس بمطر الماء لكنه مطر الحجارة {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} [الحجر: 74].

 

هكذا يقص الله علينا قصصهم ليحذر المخالفين ويؤدب المعاندين ويذكر الغافلين ويعظ المتأخرين بما حصل للمتقدمين.

 

أيها الناس:

لقد أنذرنا الله جل وعلا بكثرة الخسوف والكسوف علنّا أن تكفينا الإشارة فما نفعت الإشارة.

 

فأرسل إلينا هزة أرضية بسيطة قبل عامين ليوضح لنا العبارة فلم تنفع العبارة.

 

فأرانا الله قارعة حلت بقرب دارنا ونزلت بجارنا أرانا الله ما حل لأهل عمان من العواصف والقواصف فلم نرعوي ولم نتعظ.

 

فأرسل إلينا هذه الآية العظيمة من آياته وما نرسل بالآيات إلا تخويفًا فإذا بالماء الذي نستمتع به ونتلطف ببرودته ينقلب كالأسد الضاري لا يدع شيئاً أمامه إلا أغرقه ولا بيتاً إلا طمسه و حطمه.

 

هكذا يكون شؤم المعصية لا يصل عذابها إلى أصحابها فقط بل يصل للجميع حتى الصالحين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عندما سألته أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنا فقالت له يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «نعم، إذا كثر الخبث».

 

لقد كثر الخبث يا عباد الله؛ شهواتٌ ومُتع، وهوًى متَّبع، أجيالٌ مردت على العبث، ومجتمعاتٌ فشت فيها قنواتُ الخبث، أضرحةٌ تُعبَد، وقبورٌ تُحجّ وتُقصَد، وينذر لها ويسجَد،، ويطلب من أصحابها الغوث والمدّ،، أفعالٌ تناقض دينَ محمد . وصار الربا والغناء ومشاهد العهر والعري والخنا كالأمر المباح، الذي لا حرج فيه ولا جناح، صرنا نرى الملابس النسائية الضيّقة والعباءات المُخَصّرة،، ترجّلت بعض النساء حتى صرن يزاحمن الرجال في وسط الطريق بدلا من أن يمشين على حافة الطريق وتأنّث بعض الشباب، حتى صار هَمّ بعضهم مظهره ووجهه وشعره. بل إن منهم والعياذ بالله من يسب الرب والدين نعوذ بالله من الكفر والردة والضلال.

 

زاد الظلم والتسلط وكثر البطش و القهر والتملط وترك الحكم بما أنزل الله ومنع قوم الزكاة ووالى الحكام أعداء الله.

 

فساق الله هذه الآيات لعلهم يتقون لعلهم يتذكرون لعلهم يعقلون لعلهم يتضرعون قال تعالى في كتابه الكريم {ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر: 16].

 

عباد الله:

إن العباد إذا تمردوا على شرع الله وابتعدوا عن أوامر الله جاءهم العذاب والنكال وبدل الله عليهم الحال فتزول عنهم النعمة وتحل عليهم النقمة قال تعالى {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: 112] {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30].

 

عباد الله:

إنَّ ممَّا يُذيب القلبَ كمدًا ويعصِر الفؤادُ ألمًا أن ترى بعضَا منا يرون هذه الأحداثِ المؤلِمة والآيات العظيمة، لكنهم في غفلتهم معرِضون، وفي غيهم يلعبون استحكَمت الغفلة على قلوبهم فحق عليهم قول الله واستحقوا وصف الله لهم بقوله {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 43] وقوله {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: 76] تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله إذا رأى غيمًا أو ريحًا عُرِف ذلك في وجهه، فقلت: يا رسول الله، أرى الناسَ إذا رأَوا الغيمَ فرِحوا رجاءَ أن يكونَ فيه المطَر، وأراكَ إذا رأيتَه عرفتُ في وجهِك الكراهيةَ!! فقال: «يا عائشة، ما يؤمِّنُني أن يكونَ فيه عذاب، قد عُذِّب قومٌ بالريح، وقد رأى قومٌ العذابَ فقالوا: هذا عارضٌ ممطِرنا» أخرجه مسلم قال جابر بن عبد الله لما نزلت هذه الآية: قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مّن فَوْقِكُمْ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعوذ بوجهك» ، قال: أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ قال: «أعوذ بوجهك»  أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا أهون أو هذا أيسر» (رواه البخاري).

 

{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} [الأنعام: 65].

 

عباد الله:

خلقنا الله بقدرته، ورزقنا من نعمته، ووفقنا لهدايته، فلا نجاة لنا إلا بعونه كما قال تعالى {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 17، 18] ويقول سبحانه وتعالى {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات: 50].

 

عباد الله:

إن المؤمن إذا تفاقم عليه الشر أو أصابه الضر أو أحدق به الخطر فإنه يعلم أن ما قُضِي كائن، وأن ما شاء الله كان فلا رافع لما وضع، ولا واضع لما رفع، ولا معطي لما منع، وما شاء ربُّنا صنع، فلا حاجة للهلع ولا داعي للجزع.

 

فإن أمر الله لا يقابل إلا بالرّضا والصّبرِ على ما قضى، ولا يقابَل البلاء الجسيمُ إلا بالإيمان والتّسليم، فإن الله بعبادِه لطيف خبير، وهو سبحانه أقوى ظهير وأوفى نصير، كلُّ أمر عليه يسير، وكلّ شيء إليه فقير، الأمور إليه تصير، وهو السميع البصير، لا يخفى عليه ما وقع على أهلنا بسبب المطر الكثير والسيل الكبير، وإنَّ الله على إعانتهم وإغاثتهم لقدير.

 

ليكن ملاذنا بالله وملجئنا إلى الله إذا حل بنا الهم، وخيم الغم، واشتد الكرب، وعظم الخطب، وضاقت السبل وبارت الحيل لأن الله هو الملاذ في الشدة، والأنيس في الوحشة، والنصير في القلة، قال تعالى ٱلَّذِينَ إِذَا أَصَـٰبَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رٰجِعونَ .

 

هكذا هي الدنيا عسرٌ ويُسر، شدّة ورخاء، حلاوة ومرارة ولكن بعد الكدر صفوًا، وبعد المطر صحوًا ومن عرف الله في الرخاء عرفه الله في الشدائد، ومن عرفه الله في الشدائد صرف عنه المكائد، وحفظه وهو قائم وراقد.

 

فتحلَّوا يا عباد الله بالطاعة، والتزموا بالجماعة، وإياكم والتشاحن واحذروا التطاحن، ابتعدوا عن الجدل، وعليكم بالجد والعمل، فإنَّ من فعل ما شاء لقي ما ساء.

 

فوا لله إن ما أصابنا إنما هو بسبب ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وما فعله السفهاء منا فل بد أن نظهر الحاجةَ والاضطرار، والمسكنةَ والافتقار، وأن نصدق في التّوبة والاعتذار، وأن نكثر من الدعاء والاستغفَار، فما نزل بلاءٌ إلا بذنبٍ، ولا رُفع إلا بتوبة.

 

قال تعالى {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 2، 3].

_________________________________________________

المرجع:

• موسوعة خطب المنبر - الإصدار الثاني - الشاملة.

__________________________________________________
الكاتب: د. مراد باخريصة

  • 1
  • 0
  • 785

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً