أساس التربية في عقيدة المسلم
إن فهم المسلم لدينه وعقيدته يجعله يضع هذه الآيات نصب عينيه في تكامل وشمول وتناغم، لا يمكن الفصل بينها، ولا يتم تفسير إحداها منفصلة عن الأخرى.
- التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة - تربية الأبناء في الإسلام -
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، و{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30]، و{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162].
إن فهم المسلم لدينه وعقيدته يجعله يضع هذه الآيات نصب عينيه في تكامل وشمول وتناغم، لا يمكن الفصل بينها، ولا يتم تفسير إحداها منفصلة عن الأخرى.
إن الفصل بين هذه الآيات في الفهم يسبب الكارثة الكبرى في تطبيقنا لعقيدتنا، وهو السبب في كل مشاكلنا الحياتية، وما نحن فيه من ضياع بين الأمم.
إن عدم التكامل في فهم آيات الله يكون مدخلًا للمنافقين وأعوانهم للدس والوقيعة بين أفراد الأمة الإسلامية في وضع تأويلات من هوى الأنفس، ما أنزل الله بها من سلطان.
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [النساء: 150].
إن شمولية الإسلام لكل مناحي الحياة هي من أهم معتقداتنا الإسلامية، والحياة هي مزرعة الآخرة، ولا يمكن الفصل بينهما، فكل أعمالنا عبادة، وكل نوايانا في هذه الأعمال هي لله، وليس لأحد سواه، وكل إنسان مكلف من الله أن تكون هذه عقيدته.
إن هذه المفاهيم الكلية هي التي يجب أن تعرض على كل إنسان على هذه الأرض، حين دعوته للإسلام، ومن الأولى أن يتم تربية أبناء الأمة الإسلامية عليها، كأولويات التربية، قبل الدخول في تفاصيل الدين الإسلامي.
لقد جاء في القرآن الكريم أن الله جاعل في الأرض خليفة.
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30].
من المعروف أن المقصود بكلمة الخليفة هنا هو الإنسان، وهذا الإنسان هو موضوع التربية وشاغلها الوحيد، وإذا ما بحثنا عن مفهوم التربية في معظم مراجعها لأعيتك هذه المراجعة لكثرة التباين فيما كتب عن ذلك، والسبب بسيط جدًّا؛ لأن معظم ما تم كتابته من منظور فلسفات الغرب التي تم تأسيس التربية عليها، ولم يتم الرجوع إلى المصدر الأساسي لتربية الإنسان؛ وهو كتاب الله عز وجل.
فكلمة (خليفة) هي التي تحدد مفهوم التربية للإنسان التي أوردها الخالق لهذا الإنسان في قوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30]، وأرجو أن ننتبه إلى (إِنِّي)، إنه الله، إنه الله، وليس العالِم، أو الفلاسفة الذين ننبهر بهم ونشيد بقولهم وفلسفتهم بجامعاتنا وبحوثنا ومراجعنا، وتقوم التربية في معظم مؤسساتنا التعليمية على أقوالهم وآرائهم دون النظر لما جاءنا من الحق في كتاب الله، فالقرآن الكريم هو الكتاب الذي يجب أن تقوم عليه التربية، ولا مانع من الاستفادة من جهود الآخرين في التربية؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحق بها»؛ [ابن ماجه]، ولكن لا نجعلها الأصل ونترك ما قاله الله.
ومن هنا يجب أن نعي أن التربية بأبسط كلمات وأوضحها هي إعداد الخليفة للقيام بالخلافة.
ولنعد إلى كلمة (خليفة)؛ لنفهم المقصود بها.
نستطيع أن نقول: إن الخليفة هنا بلغة بسيطة سلسة الفهم، تعني بلغة التربية الإسلامية أنه: قائد يقود الحياة في الأرض (جماد، نبات، حيوان، نفسه، غيره) بمنهج الله، لله.
هنا يجب أن نؤكد عدة معانٍ:
• إن هذه القيادة تكليف من الله للإنسان فهي العبادة الكلية التي يجب أن يقوم بها الإنسان.
• إن الله عز وجل سيحاسب الإنسان على هذه القيادة.
• إن هذه القيادة في حياة الإنسان الدنيا، وهذا ما أكدته الآية الكريمة بالقول: {فِي الأَرْضِ}.
• إن هذه القيادة لكل ما في الأرض (جماد، نبات، حيوان، نفسه، غيره)؛ حيث سخر الله للإنسان كل ما في الأرض حتى يسهل قيادته.
• إن هذه القيادة تكون بمنهج الله الذي جاء في القرآن والسنة النبوية، وليس بهوى نفس الإنسان.
• إن هذه القيادة تكون بنية مرضاة الله، وليس أي أحد سواه.
للأسف الكبير فإن أسس التربية في المؤسسات التعليمية وأقسام التربية المختلفة لا تأخذ هذا في التربية.
بل إن أقسام أصول التربية التي يجب أن يكون الأصل فيها لهذا الفهم قلما أُسست التربية فيها على هذا الفهم.
هذا المفهوم للخليفة يجب أن تتأسس عليه تربيتنا لأبنائنا في كل المؤسسات التعليمية، وتعمل بها كل وسائل الإعلام، ويعمل به كل ولي أمر من الآباء والأمهات، وكل مسؤول طبقًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِه» [متفق عليه].
أيها المسلم.
هل عرفت من أنت؟
هل فهمت مهمتك في الدنيا؟
هل تحاسب نفسك طبقًا لذلك؟
هل تربي أولادك على هذا المفهوم؟
فليسأل كل منا نفسه هذه الأسئلة، ويصحح مسار حياته طبقًا لها حتى نفوز في الدنيا والآخرة.
وما توفيقي إلا بالله.