الشخصية الأمريكية (1)
«عندما يتعارض تنافس الأمريكي للمال مع تعصبه للدين، فإن الأخير يفسح المجال للأول، إن جنس الأمريكان هو مثال حي لعدم الأمانة» .. تومس هاميلتون، رحالة انجليزي
{بسم الله الرحمن الرحيم}
"أمريكا .. ذلك المزيج العجيب من التناقض والتميز والفساد أيضا. الشخصية الأمريكية ليست شخصية بسيطة أو سطحية، إنها خليط من المتناقضات التي ساهمت في مدنية العالم، وفي شقاء كثير من الشعوب ومعاناتها أيضا" .. بهذه العبارات الموجزة افتتح د. باسم خفاجي كتابه الرائع «الشخصية الأمريكية، وصناعة القرار السياسي الأمريكي» واستهله بقوله: ويهدف هذا الكتاب إلى معرفة ملامح الشخصية الأمريكية ذات التأثير المباشر في الحياة السياسية وصناعة القرار في الولايات المتحدة.. وفي القرار السياسي الذي أصبح يتدخل في حياة المجتمعات العربية والإسلامية دون استئذان.
«أمريكا هي مرادف الفرصة» .. الفيلسوف الأمريكي رالف والدو
«إن كل ما في أمريكا يمكن أن يختصر في الأمل في الحصول على المال، وبعد ذلك كسب المال عن طريق هذا المال، وأخيرا كسب الكثير جدا من المال عن طريق المال الكثير» .. الكاتب بول إيردمان
«إن الشخصية الأمريكية جافة انعزالية باردة وقاتلة أيضا» .. الكاتب البريطاني د. إتش لورانس
«أمريكا هي المكان الذي يمكن فيه لبائع يهودي أن يبيع قلادة الحب البوذية إلى إنسان لا يؤمن بأي دين في مناسبة عيد ميلاد المسيح» .. الكاتب الأمريكي جون بريمر
«أمريكا بلد بلا شخصية، المال هو الهدف الوحيد لشعبها، لا يعرفون الصداقة أو كرم الضيافة أو احترام أحد» .. فريدريك جرستورف، مدرس ألماني
«إن أمريكا قد أرست قواعد الجهل في الفن، وكلما كان الفنان جاهلا اعتبروه رائدا» .. جون بوفيه، فنان أوروبي
«عندما يتعارض تنافس الأمريكي للمال مع تعصبه للدين، فإن الأخير يفسح المجال للأول، إن جنس الأمريكان هو مثال حي لعدم الأمانة» .. تومس هاميلتون، رحالة انجليزي
«الأمريكيون لم يتعلموا آداب الحياة، أجسامهم متحجرة لا ليونة فيها، قسمات وجوههم غير قادرة على التعبير عن الحزن أو الفرح، ولكن رغم برودتهم وغرابتهم، فإن عيونهم تشع بوهج داخلي من البساطة، وبعض ملامح اللطافة لهم هي من ذلك النوع الحقيقي الذي لا يمكن تزييفه أو الحصول عليه من طريق التصنع» .. أليكساندر فاراكا، رحالة بريطاني
«أمريكا هي الفرصة أن تشكل حياتك كما تريد، أن تختار الشخصية التي تتمناها لنفسك، وأن تغير ذلك مرات عديدة إن شئت ذلك ومتى أردت ذلك» .. بيل موايير، إعلامي أمريكي
«إن الأمريكيين أولا كائنات إنسانية معيبة (ناقصة)، متفردون في فرديتهم، يسيطر عليهم هاجس تحقيق العدالة، وحيازة المال، ومواطنون في بلد هي الأقوى، ومن ثم الأكثر فسادا على وجه الأرض.. معظم الوقت كنا نحن الأمريكيين ببساطة، بشرا يسعون وراء مصالحهم في المدى القصير بمهارة تزيد أو تنقص، واللعنة على بقية العالم» .. ولتر أ مكدوجال، كاتب أمريكي
«إن أمريكا هي آخر مكان في العالم يتقبل الاعتراف بأخطائه، هذا البلد مصاب بفقدان الذاكرة الجغرافية والتاريخية» .. رافن سيلفيا، مذيع أمريكي من الهنود الحمر
** الشخصية النمطية المعبرة عن مجتمع عرفها إدوارد تايلور بأنها: «كلية معقدة شاملة من المعرف والمعتقدات والفنون والقوانين والأخلاق والعادات، وكل قدرة أخرى أو عادة اكتسبها الإنسان بصفته عضوا في مجتمع»
** وتتحدد الهوية لشعب ما بأنها: مجموع قوائم السلوك واللغة والثقافة التي تسمح لشخص أن يحتفظ بانتمائه للمجتمع ويتماثل معه. وتبصم هذه الهوية الإنسان منذ طفولته جسدا وروحا بصورة لا يسهل محوها مع الزمن، وتشكل الهوية القالب الفكري الذي يبني عليه الفرد اختياراته في الحياة، وعلاقته بالآخرين في مجتمعه أو في المجتمعات الأخرى. فالشخصية إذن هي رأسمال من العادات والتقاليد التي يتشربها الشخص عبر انتمائه لمجتمع ما، وتعبر عن نفسها من خلال الأنشطة التي يقوم بها هذا الشخص في مجتمعه وخارجه.
** يقول محمد حسنين هيكل: إن الإمبراطورية الأمريكية أصبحت ظاهرة غير مسبوقة في قصة الإنسانية، فهي حاضرة في كل قارة من قارات الدنيا، ضاغطة على كل إقليم، محشورة في كل بلد، مندسة في كل بيت، وتلك أحوال تدعو بالتأكيد إلى القلق، لأن العالم لم يعرف من قبل دولة "متداخلة" إلى هذا الحد في حياة ومستقبل غيرها من الدول، وقد عرف العالم من قبل دولا "متدخِّلة"، لكن التدخل الأمريكي في حياة البشرية مع بداية القرن الواحد والعشرين تجربة طارئة تستوجب القلق، وتستدعي التنبه في محاولة للفهم هي الآن ضرورة وعاجلة.
** الأمريكي كان مقتنعا، منذ اللحظات الأولى لتكوين هذا الكيان، بأن النهب وسرقة الثروات يمكن تسويغها من أجل إقامة المدينة الفاضلة التي تصلح لإقامة شعب الله المختار، بعد خروجه الجديد من أجل إقامة مملكة الرب.
** يتشكل المجتمع الأمريكي من المهاجرين الأوروبيين الذين لم يهربوا من الأحضان المعطاءة للأم، ولكنهم فروا من قسوة وحش .. ولقد حبا الخالق أمريكا بالكثير من الجغرافيا والقليل من التاريخ. ولذلك فإن النظرة الأمريكية بالعموم تقلل من شأن التاريخ، وتعظم من قيمة الموقع والحدود والجغرافيا. ليس مهما تاريخ الصراع حول أي قضية .. المهم أن يترجم هذا الصراع إلى واقع جغرافي أو أي شيء واقعي آخر.
ولذلك عندما أراد الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون حل معضلة القدس، رأى أنه من مصلحة العرب أن يتركوا القدس لإسرائيل، وإذا كان العرب والمسلمون على إصرارهم بأن "القدس عربية" فإن في مقدورهم تغير اسم قرية قريبة وراء التل –هي أبو ديس- لتسمى "القدس" .. ثم يضيف أنهم فعلوا ذلك كثيرا في أمريكا.
** الأوروبي يرى أن التاريخ خير معلم للتعامل مع شعوب العالم، بينا يرى الأمريكي أن التلويح بالمستقبل الأفضل هو أفضل إغراء يمكن أن يقدم لشعوب العالم، الأوروبي يحيا في الماضي فقد كانت أوروبا فيه سيدة العالم، بينما يحيا الأمريكي في المستقبل، فلم يكن له ماض مشرف، والمستقبل خير وسيلة لمحو خطايا الحاضر.
** لقد أثرت جغرافيا أمريكا في تصورات المهاجرين الاقتصادية أيضا، فأمريكا كيان معزول عن كل ما حولها، وكانت المستوطنات الأولى للمهاجرين في هذه القارة متباعدة أيضا، ومستقلة جغرافيا وسياسيا واجتماعيا، فأدرك الأمريكي منذ البدء أن عليه أن يكون مستقلا اقتصاديا، وعليه أن ينمي كذلك الحاجات المحلية، ويكون أسواقا محلية تدعم القاعدة الاقتصادية اللازمة لبقاء المجتمع ورخائه.
وساهمت جغرافيا أمريكا في تنوع العرقيات والمذاهب الفكرية لقاطنيها، وكما يذكر المؤرخ الأمريكي روبرت وايب: فــــ "الأمريكيون المختلفون فكريا نجحوا في التعايش سويا في أمريكا، لأنهم عاشوا متباعدين مكانيا في أنحاء القارة".
ويؤكد هذه النقطة الكاتب ديفيد بروكس في كتابه (في طريق الجنة) فيقول: "عندما ينتقل الأمريكيون في مختلف أنحاء القارة، فإنهم يميلون إلى الانتقال إلى الأماكن التي يجدون من يماثلهم في التفكير فيها، فالمتحررون يميلون إلى منطقة خليج سان فرانسيسكو مثلا، والمحافظون يميلون إلى منطقة دالاس، وهكذا".
إن مما يميز أمريكا أن لديها المساحة الكافية للتنوع الفكري والتعايش مع الآخرين دون مزاحمة مكانية أو فكرية، الاتساع الجغرافي ساهم في ذلك بشكل كبير.
** كانت الفكرة السائدة في المجتمع الأمريكي المتدين منذ البدء –كما يروي ماكس فيبر- أنه "ما دام المرء لا يستطيع أن يضمن بعمله الصالح موقعه في الجنة، لأن هذا مكتوب سلفا، فالثراء في الدنيا لابد أن يكون علامة من علامات الاصطفاء الإلهي". وانسجاما مع الأخلاق البروتستانتية أيضا، فلا يوجد شيء يبرز وجود الله، وحضور العناية الإلهية إلى الأرض أكثر من القوة أو السلطة وكثرة الإنتاج والعمل الدءوب.
** كما آمن البيوريتانيون (التطهيريون) بفكرة «الشعب المختار» وأن هدفهم هو إقامة أرض ميعاد جديدة، وأن رحيلهم من انجلترا يعد خروجا توراتيا جديدا، وبسبب فكرة الشعب المختار حدثت أكبر مجازر التاريخ في القارة الأمريكية، فمن أجل أن تسود مملكة الرب فلابد من استئصال كل من يواجهها.
** بدأ الاستقرار في أمريكا مشروعا تجاريا لشركة فرجينيا التي امتلكت امتياز نقل المهاجرين إلى العالم الجديد، كانت فكرة الربح وسيطرة رأس المال فكرة موجودة لدى العديد ممن قدموا إلى أمريكا للكسب المادي بطرق مشروعة أو غير مشروعة، ومع الوقت تحول مشروع الشركة إلى دولة، وانقسم المجتمع الأمريكي إلى من يحمي الدولة، ومن يدافع عن حقوق الشركة، وإلى من يتحمس لفكرة الشركة، ومن يتحمس لسلطة الدولة، اقتنع الطرفان مع مضي الوقت أن القانون هو الملاذ الوحيد لضمان حماية الجميع من أنفسهم ومن منافسيهم.
ومع استقرار أنظمة الحكم الأمريكية، ونمو سلطة الشركات وتأثيرها في القرار الأمريكي، أصبح مشروع الشركة متداخلا تداخلا شديدا مع مشروع الدولة.
** يهتم الأوربيون بلهجة المتكلم التي تدل على طبقته الاجتماعية، ودينه الذي يحدد هويته، وخلفيته العرقية التي تحدد مكانته، أما الأمريكيون فيهتمون بالقوة المالية للإنسان، وعلاقاته وقدراته الشخصية، ويرون أن اللكنة أو الدين أو الطبقة الاجتماعية من توافه الأمور.
** يعشق الأوربيون ابتكار النظريات (النازية، الفاشية، الاشتراكية ...وكلها لم يكتب لها النجاح) أما الأمريكيون فيعشقون تطبيق الأفكار وتحويلها إلى واقع مشهود .. الأمريكيون أخذوا كل الأفكار الأوروبية الناجحة في كل المجالات، وأحسنوا استثمارها بكل الطرق الاقتصادية والتجارية والنفعية.
أوروبا ابتكرت صناعة السيارات، ولكن العمل لصنع سيارة واحدة كان يستغرق ثلاثة أيام، ثم توصل الأمريكي هنري فورد إلى فكرة خط الإنتاج: مسار واحد للسيارة يضيف إليه كل عامل تمر السيارة أمامه قطعة واحدة، فتم اختصار مدة صناعة سيارة واحدة من ثلاثة أيام إلى ثلاث ساعات.
وعندما ابتكرت أوروبا النسبية حولتها أمريكا إلى قنابل نووية ومفاعلات ذرية، ولما ابتكرت أوروبا الفكر الرأسمالي حولته أمريكا إلى مشروع متكامل للهيمنة على العالم اقتصاديا... الشخصية الأمريكية تبحث عن تنفيذ الأفكار، أما الشخصية الأوروبية فإنها تتمحور حول الابتكار والإبداع.
** الولع بالقوة .. الشخصية الأمريكية تعشق القوة بل تعبدها، وتقلل من شأن القيم والمبادئ في الحياة مقابل القوة، فهي تهوى امتلاك القوة، وترى أن القوة هي الوسيلة المثلى للتعامل مع كل المشكلات مهما كان نوعها.
الشخصية الأمريكية تقدم القوة على الفن حتى في المهارات الإبداعية، يلاحظ إجمالا اهتمام الرياضي الأمريكي مثلا بالقوة البدنية، بينما يهتم الرياضي الأوروبي بالمهارة. يركز الإعلام الأمريكي على مظاهر القوة في الرياضي الأمريكي (أسرع، أطول، أقوى ..) وتهمش المهارات الفنية في مقابل القوة البدنية، والقدرة على تحقيق معدلات أعلى من غيرها .. وليس مهما أداء أجمل.
الموسيقي الأمريكي يجيد مهارات العزف على الآلات، أما الأوروبي فيهتم بالحس الموسيقي والإلهام الفني، وفي وصف المواصفات الأمريكية للفن، يلخص الفنان الأوروبي "بوفيه" تطوره فيما نصه: «إن أمريكا قد أرست قواعد الجهل في الفن، وكلما كان الفنان جاهلا اعتبروه رائدا»
الباحث الأمريكي يكد ويجتهد في الملاحظة وفهم العلاقات بين موضوعات البحث، أما الباحث الأوروبي فيميل إلى تقديم الذكاء والقدرة على الابتكار والتميز.
كنائس أوروبا جميلة البناء باهرة في الاهتمام بالتفاصيل الجمالية، أما كنائس أمريكا فهي ضخمة في الحجم ومتقدمة في التقنيات.
الأديب والكاتب الأمريكي يتقن علوم اللغة، بينما أدباء أوروبا يتقنون فنون اللغة.
** بين الماضي والمستقبل.. تعشق أوروبا الماضي بينما تعشق أمريكا المستقبل. الشخص الأوروبي يحب زيارة المتاحف التاريخية، بينما يهتم الشخص الأمريكي بزيارة متاحف العلوم والتقنية.
** بين العلمانية الأوروبية والعلمانية الأمريكية فروق كبيرة فيما يتعلق بالدين، فعلى الرغم من كون كل من المجتمعين يرى الفصل بين الدين والسلطة، وكليهما مقتنعا بأن الحياة العلمانية هي الصورة الأفضل للمجتمع المدني المعاصر، فإن التعامل مع الدين في كلا المجتمعين مختلف تماما.
أوروبا أقامت مدنيتها المعاصرة على اصطناع العداء مع الدين .. كل دين، بينما قامت العلمانية الأمريكية على توظيف الدين، وإحالته إلى عمل دعائي إعلامي يخدم مشروع العلمانية الأمريكية.
ومن الملاحظ أن مؤسسي أمريكا لم يحاولوا إقصاء الدين عن الحياة والمجتمع المدني، ففي الخطب والكلمات، ومن خلال رموز الحياة الاجتماعية العامة، حتى من خلال التقاليد السياسية التي ابتكروها، كان الدين ممثلا بشكل دائم، فالخطب دائما تنتهي بدعاء أن يحفظ الرب أمريكا، والدولار به تأكيد أن أمريكا تثق بالإله، وافتتاح جلسات الكونجرس الأمريكي يتم بدعاء ديني، كل ذلك أكد أن مؤسسي أمريكا لم يقبلوا فقط بوجود الدين في الحياة العامة، وإنما عدوا ذلك أيضا شيئا جيدا.
لقد تحول الدين في الولايات المتحدة إلى سلعة رائجة للكسب المادي لجميع من يتاجر فيه من قساوسة وسياسيين وناخبين. الدين في أمريكا خادم للعلمانية ومروج لها، بدلا من أن يكون حكما على فسادها، أو معاديا لها كما هو الحال في العالم القديم.
إن الكنائس في أوروبا خالية من البشر، ولا يزورها الناس إلا للسياحة ومعرفة التاريخ، ولذلك فلا أثر لها سياسيا يذكر في الحياة الأوروبية، أما في أمريكا فالكنائس ملأى بالبشر، ولكنهم أصحاب قلوب فرغت من الدين الحقيقي ضمن برنامج لعلمنة الدين استمر لعشرات السنين، شارك فيه الساسة ورجال الأعمال ورجال الدين أيضا.
** الحرية الأمريكية تحولت إلى غطاء مقنع للسيطرة على الإنسان، من أجل تغيير الاهتمامات، وإعادة تشكيل الهويات، وبعد ذلك يمكن أن يترك لجماهير حرية الاختيار، فمهما تنوعت هذا الاختيارات، فهي في النهاية ستعبر عن رغبات السادة، فقد تم تغيير نمط التفكير ليوافق ما يريدون.
جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار
- التصنيف: