تفسير قوله تعالى: { وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة...}
سليمان بن إبراهيم اللاحم
قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 93].
- التصنيفات: التفسير -
قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 93].
قوله: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ}سبق الكلام عليه في الكلام على قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 63].
وفي تكراره تأكيد لما سبق، وتنبيه على أن طريقتهم مع محمد صلى الله عليه وسلم هي طريقة أسلافهم مع موسى إضافة إلى ما فيه من زيادة على ما سبق، وبيان له.
قوله: {وَاسْمَعُوا} أي: واسمعوا سماع قبول واستجابة وطاعة وامتثال.
{قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} أي: قالوا إجابة على ما أمروا به من أخذ الكتاب بقوة وأن يسمعوا: {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} أي: سمعنا سمع إدراك فقط بآذاننا {وَعَصَيْنَا} بقلوبنا وجوارحنا وأفعالنا. والمعصية: ترك المأمور وفعل المحظور.
وظاهر الآية أنهم قالوا: {وَعَصَيْنَا} بألسنتهم، وقد تجرؤوا على ما هو أعظم من ذلك كما في قولهم: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [البقرة: 55].
وقيل: إنهم قالوا: {وَعَصَيْنَا} بلسان حالهم وأفعالهم، لا بلسان المقال، والأول أولى، وفي هذا دليل على شدة عتوهم وعنادهم، إذ لم يلتمسوا لعصيانهم عذرًا كالجهل وعدم العلم ونحو ذلك، بل كابروا وقالوا بتحدٍ سافر: {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا}.
{وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ}أي: وأشربوا في قلوبهم حب العجل، وعبادته، أي: بلغ حبه وتأليهه منهم مبلغًا عظيمًا، وأولعوا وشغفوا به حتى خلص ذلك إلى قلوبهم وأشربته وصبغها.
{بِكُفْرِهِمْ}الباء للسببية، أي: بسبب كفرهم بالله عز وجل فتنوا بحب العجل وعبادته، كما قال هارون عليه السلام: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي * قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} [طه: 90، 91].
{قُلْ} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولكل من يصلح خطابه {بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ} بئس: فعل ماضٍ يفيد الذم، "ما": نكرة موصوفة، أي: بئس شيئًا يأمركم به إيمانكم، أو موصولة، أي: بئس الذي يأمركم به إيمانكم من قتل الأنبياء وعبادة العجل.
{إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} "إن": شرطية، و"كنتم": فعل الشرط وجوابه يدل عليه ما سبق، والمراد بالجملة التحدي، أي: إن كنتم مؤمنين حقيقة فكيف يأمركم إيمانكم بهذا العمل القبيح، أو لو كنتم مؤمنين حقًا ما أمركم إيمانكم بهذا العمل القبيح من قتل الأنبياء وعبادة العجل.
المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»