حق الوطن بين آيات القرآن والسنة

محمد سيد حسين عبد الواحد

ومن الدلالات أيضاً دعوات رسول الله صلى الله عليه وسلم «اللهم حبب الينا المدينة كحبنا مكة أو أشد اللهم بارك لنا في صاعنا وفي مدنا وصححها لنا .. »

  • التصنيفات: قضايا إسلامية -
 
 
أيها الإخوة الكرام: أنزل الله عز وجل القرآن الكريم على قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم تبيانا لكل شيء وهدي ورحمة وبشرى للمسلمين ..
فعن كل صغيرة وكبيرة وعن كل دقيقة وجليلة في حياة ابن آدم تجد لها حديثا في آية من الآيات وفي سورة من السور قال الله تعالى  {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِى ٱلْأَرْضِ وَلَا طَٰٓئِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّآ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِى ٱلْكِتَٰبِ مِن شَىْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ
ومن بين ما تكلم القرآن عنه تكلم عن ( الوطن ) وما الوطن ؟
هو الموضع الذي ولدت فيه، وأكلت من خيره، وشربت من نبعه، ومشيت على ترابه ، واستظللت بسماءه ..
الوطن هو الموضع الذي فيه نشأت، وسكنت، وتعلمت، وبرزت، حتى أصبحت اليوم شيئا مذكورا ..
سمى الله الوطن في القرآن (قرية ) سماه ( بلدا ) سماه (مدينة) ..
قال الله تعالى ﴿ { وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِى كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيرًا}
وقال  {وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُۥ بِإِذْنِ رَبِّهِۦ ۖ وَٱلَّذِى خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلْءَايَٰتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ }
وقال {وَجَآءَ مِنْ أَقْصَا ٱلْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَٰقَوْمِ ٱتَّبِعُوا۟ ٱلْمُرْسَلِينَ}
سمى الله الوطن (قرية ) سماه ( بلدا ) سماه (مدينة )
ولم يذكر وطن باسمه صراحة في القرآن إلا ( الأحقاف وهي موضع عاد قوم هود عليه السلام، وبابل بالعراق ، والأرض المقدسة ببلاد الشام ، وورد ذكر مكة المكرمة وقد جاء ذكرها في القرآن صراحة مرة ، وذكرت كناية مرات عديدة، والمدينة المنورة وقد جاء ذكرها في القرآن صراحة أربع مرات، وذكرت كناية مرات عديدة، ومصر التي نسأل الله تعالى أن يحفظها بحفظه وقد جاء ذكرها في القرآن صراحة أربع مرات..وذكرت كناية مرات عديدة،
في حديث القرآن الكريم عن الوطن أكد على أن الأوطان تبقى عزيزة، تبقى منيعة ، تبقى قوية ، غنية ، ما أحبها أهلها، وعملوا على تقدمها وازدهارها ، تبقى الأوطان آمنة ، مطمئنة، تبقى الأوطان صالحة ، ما دام أهلها مصلحون , فصلاح الأوطان جزء لا يتجزأ من صلاح أهلها ..
والآية الدقيقة في ذلك قول الله تعالى  {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰٓ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّقَوْا۟ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَٰتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ}
أتدرون ما دلالة هذه الآية؟
دلالة قول الله عز وجل  {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰٓ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّقَوْا۟ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَٰتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ } أن صلاح البلاد مرهون بصلاح العباد فالله تعالي يصلح بالرجل الصالح ولده وولد ولده ويصلح بصلاحه بلده وبلاد من حوله ..
فمتى كان الناس، مؤمنون ، صادقون، مخلصون، محسنون، مصلحون، كان الله تعالى معهم بحوله وقوته ، وتوفيقه، يبارك أرزاقهم، ويجعل من القليل كثيرا ، ويرضيهم بما آتاهم ، ويجعلهم أعزة في أوطانهم ، فلا هم يخافون ولا هم يحزنون  {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰٓ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّقَوْا۟ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَٰتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ}
وكأن الخير كله أودعه الله تعالى في (خزائن )  {وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآئِنُهُۥ وَمَا نُنَزِّلُهُۥٓ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ }
ومفاتيح تلك الخزائن بيده سبحانه وتعالى فمتى آمن الناس ومتي راقبوا ربهم ومتى طلبوا ما عند الله تعالى بطاعته فتحت لهم أبواب تلك الخزائن ، وسيق إليهم الأمان وسيقت إليهم السيادة والريادة في أوطانهم ، والبركة في أرزاقهم..
{ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مِنكُمْ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِى ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِى لَا يُشْرِكُونَ بِى شَيْـًٔا ۚ }
قال النحاس عليه رحمة الله:
هذه الآية فيها دليل صدق النبي عليه الصلاة والسلام في نبوته وذلك أنه كان النبي وأصحابه بموطنهم مكة نحوا من عشر سنين. يدعون إلى الله وحده.. وهم خائفون، فلما قدموا المدينة وهي الوطن الثاني لهم أمرهم الله تعالى بقتال من قاتلهم وأمرهم بحمل السلاح في سبيل الله، فكانوا بالمدينة أيضا خائفين، يمسون في السلاح ويصبحون في السلاح. ثم إنهم صبروا على ذلك ما شاء الله. .
فلما فاض الكيل جاء رجل من الصحابة قال: يا رسول الله: «أبد الدهر نحن خائفون هكذا؟!
أما يأتى علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح؟!
فقال صلّى الله عليه وسلّم لن تغبروا- أى: لن تمكثوا- إلا يسيرا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبيا ليست فيهم حديدة» .
وأنزل الله هذه الآية  { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مِنكُمْ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِى ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِى لَا يُشْرِكُونَ بِى شَيْـًٔا ۚ }
ولم يلق رسول الله ربه حتى أنجز الله وعده فأظهر الله نبيه على جزيرة العرب فأمن الناس ووضعوا السلاح..
الشاهد:أن أمان الأوطان وصلاح أحوال البلاد مرهون بصلاح العباد، وإن الله تعالي يصلح بالرجل الصالح التقي النقي ولده وولد ولده ويصلح بصلاحه بلده وبلاد من حوله ..
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يحفظ بلادنا وأن يجعلها سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الخطبة الثانية
بقي لنا في ختام الحديث عن الأوطان وكيف تبقى عزيزة منيعة بقي لنا أن نقول:
إن محبة الأوطان لها في سنة النبي صلى الله عليه وسلم دلالات ودلالات أبرزها :
دفاعه صلى الله عليه وسلم عن وطنه بالنفس والمال في حرب الفجار وقد وقعت هذه الحرب والنبي عليه الصلاة والسلام في كفالة أبي طالب وكانت بين هوازن وقريشا وسميت الفجار لأنها وقعت في مكة وهي البلد الحرام ووقعت في الأشهر الحرم ..
ومن الدلالات دمعاته صلى الله عليه وسلم عند فراق وطنه قال ( «والله لأنت أحب بلاد الله إلى الله وأحب بلاد الله إلى رسول الله ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت » )
ومن الدلالات أيضاً دعوات رسول الله صلى الله عليه وسلم «اللهم حبب الينا المدينة كحبنا مكة أو أشد اللهم بارك لنا في صاعنا وفي مدنا وصححها لنا .. »
لنخلص في نهاية المطاف إلى أن حب العباد للبلاد إيمان وتقى ﴿ {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰٓ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّقَوْا۟ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَٰتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ}
حب العباد للبلاد دعاء وصلاح وإصلاح وعمل وجهد ، وحراسة ودفاع بالنفس والمال ..
أسأل الله تعالى أن يحفظنا ويحفظ بلادنا من كل سوء إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير