من الهدي النبوي في تعليم النساء
المرأة في سيرة وهدي النبيﷺ لها مكانة عظيمة، ولها قدرها وكرامتها، فالنساء شقائق الرجال، وخير الناس خيرهم لأهله، وقد أحاطها النبيﷺ بالمزيد من الاهتمام والتكريم، وأوصى بها خيرا في كثير من أحاديثه، ومن ذلك وصيته العامة بالنساء في خطبته الشهيرة في حجة الوداع قبل موته
المرأة في سيرة وهدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لها مكانة عظيمة، ولها قدرها وكرامتها، فالنساء شقائق الرجال، وخير الناس خيرهم لأهله، وقد أحاطها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالمزيد من الاهتمام والتكريم، وأوصى بها خيرا في كثير من أحاديثه، ومن ذلك وصيته العامة بالنساء في خطبته الشهيرة في حجة الوداع قبل موته قائلا ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ: «استوصوا بالنساء خيرا» (رواه البخاري).
ومن مظاهر عناية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالنساء الاهتمام بتعليمهن أمور دينهن، والأمثلة الدالة على ذلك من سيرته وأحاديثه كثيرة، منها :
عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال : ( شهدت مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئاً على بلال، فأمر بتقوى الله تعالى، وحث على طاعته، ووعظ الناس وذكَّرَّهم، ثم مضى وأتى النساء فوعظهن وذكرهن، وقال «يا معشر النساء تصدقن فإنكن أكثر حطب جهنم» فقامت امرأة من وسطة النساء سَفْعاء الخدين ، فقالت: لم يا رسول الله؟، فقال: «لأنكن تكثرن الشَّكاة وتكفرن العشير»، قال: فجعلن يتصدقن من حليهن، يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتيمهن ) (رواه البخاري). ومعنى سفعاء الخدين أي: في خديها سواد.
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ: ( أن امرأة سألت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن غسلها من المحيض، فأخبرها كيف تغتسل، ثم قال: «خذي فِرْصة من مسك فتطهري بها»، قالت: وكيف أتطهر بها؟، قال: سبحان الله تطهري بها، قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ: فجذبت المرأة وقالت: تتبعين بها أثر الدم ) (رواه النسائي). ومعنى: فِرْصة أي: قطعة قطن أو صوف.
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: ( دخل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على ضباعة بنت الزبير فقال لها: «لعلك أردت الحج» ؟!، قالت: والله لا أجدني إلا وجعة ، فقال لها: حجي واشترطي، قولي: «اللهم محلِّي حيث حبستني» (رواه البخاري).
وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: ( مرَّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بامرأة تبكي عند قبر فقال: «اتقي الله واصبري»، قالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ـ ولم تعرفه ـ، فقيل لها: إنه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأتت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: «إنما الصبر عند الصدمة الأولى» (رواه البخاري).
وفي رواية لمسلم: ( فلما ذهب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قيل لها: إنه رسول الله، فأخذها مثل الموت ).
قال ابن حجر في شرح قول أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ: " ( فأخذها مثل الموت )، أي: من شدة الكرب الذي أصابها لما عرفت أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، خجلاً منه ومهابة ". وقال العيني: " فيه ما كان عليه الصلاة والسلام من التواضع والرفق بالجاهل، وترك مؤاخذة المصاب، وقبول اعتذاره ".
فضل العلم :
الدلالة على فضل العلم وأهميته من سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأحاديثه أكثر من أن تحصر، ومنها :
عن معاوية ـ رضي الله عنه ـ: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين» رواه البخاري، وعن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم -: «من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاُ من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم ، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر» (رواه أبو داود).
ولا شك أن هذه الفضائل وغيرها لعامة طلبة العلم من الرجال والنساء، إذِ الخطاب شامل للجميع، ومع هذا فهناك نصوص خاصة تشير إلى أهمية تعلم النساء العلم الشرعي، الذي به يعرفن الحلال من الحرام، قال الله تعالى لأمهات المؤمنين: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ}[الأحزاب من الآية: 34]. وَقَالَتْ عائشة رضي الله عنها: «نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ». (رواه البخاري).
فائدة :
تعليم المرأة له خصوصية، وتأتي هذه الخصوصية من خصوصية المرأة نفسها، فالله ـ سبحانه وتعالى ـ خلقها بطبيعة معينة، وخلق فيها صفات تختلف عن الرجل، وتحتاج من العلم ما لا يحتاجه الرجال، قال الله تعالى: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى}(آل عمران من الآية: 36 ).
ومن الآداب الشرعية للمرأة في طلبها للعلم: الإخلاص لله ـ عز وجل ـ، والتزام اللباس الشرعي الذي فرضه الله عليها، وعدم الخروج متطيبات، وغض البصر كما قال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}[النور من الآية:31]، وعدم الخلوة والخضوع بالقول كما قال تعالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً} [الأحزاب: 32].
وكذلك البُعْد في تعلمها وتعليمها عن الاختلاط بالرجال، دلَّ على ذلك الحديث الذي طلب فيه النساء درساً خاصا من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأجابهن إلى طلبهن، فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: ( قالت النساء للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوما من نفسك، فوعدهن يوما لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن، فكان فيما قال لهن: «ما منكن امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجابا من النار»، فقالت امرأة: أو اثنين فقال: «واثنين» (رواه البخاري).
قال ابن حجر في فتح الباري: " ووقع في رواية سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة بنحو هذه القصة فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «موعدكن بيت فلانة فأتاهن فحدثهن»، وكذلك ما دل عليه الحديث المتقدم عن جابر ـ رضي الله عنه ـ في تخصيص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جزءاً من خطبته وموعظته للنساء.
وقد كانت نساء السلف يطلبن العلم وهن خير قدوة في التأدب والحياء خلال خروجهن لطلب العلم ، إذ كانت المرأة المسلمة تتعلم ومعها دينها يحفظها، وحياؤهــا يـكـسـوهــا مـهـابــة ووقاراً.
- التصنيف:
- المصدر: