وقفة مع المتحدثات باسم المرأة في مجتمعاتنا...
يغذي هذا الشنآن السلوكي إعلام خصيم عنيد كنود، دأب أن يقدم الفاحشة للمعاينة بتفاصيلها الخادشة مستوعبا كل الأطياف والأجيال من الطفولة إلى الشباب
لا شك أن الفعل والتطبيق هما العمدة في كشف القواعد الحقيقية لأي حركة ما، أو اتجاه فكري ما، أو شكوى حقوقية ما، إذ الذوق العام أثبت حقيقة أن الصراخ والعويل النظري الذي يردّده كيان ما، فيرفع من خلاله شعار المظلومية والقهر، ويؤسس على عرى هذا الظلم وذلك القهر عقد الدفاع ومشروعية خوض غمار حربه الضروس، إنّما هو شعار يستذر به هذا الكيان عطف الناس ويلج به بوابة الاحتجاج الرسمي متأبطا ضغثا من المطالب والحقوق الضاربة في كل اتجاه، طارقا بملفه كل الأبواب...
ولذلك يبقى الفصل والمفاصلة من جهة الإنصاف رَاجِعَيْن بالحصر إلى تفاصيل سلوكيات هذا الخطاب الحقوقي للوقوف على مدى زيفه وحيفه، كما الوقوف على حجم ونوع المكاسب التي صارت في رصيد وتركة ومحروز هذه الكيانات المدنية منذ الاستهلال الأول من سيرتها الوجودية وإلى يوم الناس هذا، ولا ريب أنّها مكاسب ومحصلات وقع منها الكثير والكثير، ولك أن تسأل نفسك عن مجال من المجالات لم تلجه المرأة أو لا يزال طيفها الأنوثي محروما من امتيازاته، كما لك أن تلحظ بعين الواقع نسبة الكم والكيف الذي حققته المرأة في مجتمعاتنا العربية الإسلامية في ما يخص تواجدها في الوظائف المدنية والسياسية والعسكرية والقضائية والخدماتية ذات الطابع الرفيع، فلا شك أن بصرك سيرجع لك خاسئا وهو حسير، حسير من سر هذه الطبيعة الهجومية ذات الصوت النشاز، الذي لا تبغي مطالبه الوقوف عند حد معيّن، بل غالبا ما يفضي ملفها المطلبي إلى التسلسل اللامحدود، وها نحن نرى كيف أنّها صارت بعد حين وكسب جولات تقتحم عقبة النص القطعي معترضة بكل صفاقة ووجه صلد على فريضة الله في متروك الميراث وعلى شعيرة التعدّد ومنسك الحجاب...
وإنه لوقوف ليس بالهيّن ولا اليسير بالنظر إلى انتهاج هذه الكيانات سياسة الإضمار والجحود، والتلبس بمنقصة الأخذ بمرفوع الصوت وجلبة التباكي، إضافة لوفائها وصادق انتسابها وشديد وَلَعِها المؤْثِرِ للذوق الغربي المنفلت، وما يلزم من هذا الانتساب من دعم إقليمي وتمكين خارجي أكسبها أشواطا، ومنحها هامشا متقدما من التحرر والانسلاخ عن أي اعتبار، حيث كرست مساحته لأنواع من الكرِّ ومهتبل من الجراءة لا مثيل لها ولا نظير، إضافة إلى كونها تنطلق من قواعد وقناعات باتت تعتقد من خلالها وبكل يقين ومسؤولية أن ما تدعو إليه وتريده بكل إصرار هو مبتغى يواطئ الذوق الحداثي المعاصر، وهو عنها لا ريب فيه، بل إنه أرقى وأسمى وأنسب لزمانها من أحكام الوحي نفسها.
ولعلني هاهنا أريد أن أناقش حقيقة بعض المطالب النسائية في ثوبها الاحتجاجي، منطلقا على متن هذه المناقشة نحو الوقوف على فصام الازدواجية في هذا النوع من الانتهاض الأنوثي، الذي لا يزال في ملمحه هذا يشعرني بالغثيان، وقد كنت ولا أزال أتعجب من صلصلة حديد يصدر صوتها المُقلق عن ومن تنظيمات نسائية، ينتهض أعضاؤها للدفاع عن المغتصبة، وهن العضوات عينهن اللواتي ما فتئن يدافعن عن أحقية العلاقات الحميمية الساخنة، تحت ذريعة حقوق الجسد، وضرورات الاستجابة للفطرة ودواعي الوجدان وومقتضيات الطبع والمشاعر الإنسانية.
لقد كدت أتعجب، ثم زال عجبي، لمّا فهمت أن المغْتَصِب هو محض زان ومخان ومسافح، وإنّما الذي أخرجه عن غمرة ومصارف اهتمام هذا الجهاز الدفاعي في ثوبه النسائي الحقوقي هو افتقاد تصرفه المشين لعنصر الرضا، ولذلك فأنت تجد أن من مسميات الزنا في معهود أدبيات هذا الطيف الذكوري والأنوثي مسمى " العلاقات الرضائية".
ولعل الأمر لا يطرد، وهذا الحياد أو الاصطفاف السكوتي لا يطول، لتجدهن مشعلات للسرج رافعات لعقيرة المدافعة ابتغاء الحيلولة دون توقيع القصاص المناسب على ذلك الجاني المعتدي المغتصب...
إنّه حراك يستفز الفطرة ويشاغب الصبغة فلا يستحق الاستماع لطنينه، أو يلتفت لصراخه المتعالي في غير حياء، والمتمشي بيننا في غير استحياء، بل إنه ركز يستحق الزراية بمضمونه والإهمال لضجيج أهله، فيا ليت قومي يعلمون...
وإنه لتعبير فاضح، ناضح بمعالم هذا الانهيار الأخلاقي الذي صار يعيشه وضعنا الاجتماعي كأمة، وكمجتمعات تربّى أهلها وناسها لسنين عددا على قيم الفضيلة وعرى العفة، والمشي بين الناس بالسيرة الحسنة ...
وللأسف الشديد نجد أن هذا الانهيار سائر في تغوّل كمِّه، وتعاظم حجمه، وتصوّل كيفه، وتسوّر نوعه، وقد ساهمت في هذا التغوّل والتصوّل والتسوّر قوانين مستوردة ليس من همِّها ولا من أسس وقواعد فلسفتها محاربة الرذيلة واستئصال شأفة المنكر، بل على العكس نجد أحكامها ذات الطبيعة التأديبية الأصل صارت تحمي الجريمة وتُشجع المجرمين، بل تُعلي من مكانتهم الإنسانية، وتصوِّرهم كضحايا ومظلومين، كل هذا وزيادة يقع استجابة لسطوة المدافعين والمدافعات من هذا الخليط النكد من المنظمات وكيانات المجتمع المدني في شقه الحقوقي المارق والشاذ.
يغذي هذا الشنآن السلوكي إعلام خصيم عنيد كنود، دأب أن يقدم الفاحشة للمعاينة بتفاصيلها الخادشة مستوعبا كل الأطياف والأجيال من الطفولة إلى الشباب مرورا بالكهولة وصولا إلى شيبة الشيخوخة، ويزيد هذا المروق والفصام استكبارا وعتوا سكوت العلماء، أو إسكاتهم، أو انخراط بعضهم تحت طائلة تعلق القلب بدنيا زائلة فانية في منظومة تصفق للباطل وتعلو من شأن المبطلين، أو كذلك غلو البعض منهم بالقصد أو بغيره في شق الأمر بالمعروف، والضرب صفحا والإقصاء لشق النهي عن المنكر، إذ صار هذا الأخير منبع تسخط الجهاز الرسمي الوصي في كل مجتمعاتنا الإسلامية، بل صار مظنة احتمال راجح لإنهاء مشوار الخطيب في غير مأمول رجعة إلى منبره، هذا إن لم تجره من تلابيب جلبابه هذه التهمة ليقف مُدانا متلبسا بدثار المخالفة لدليل التجريم أمام قاضي الدنيا متى ما أثار قضيته ونفخ في رمادها الساخن العفن محام مترف، أو صحفي محرف، أو أيّها ذكر أو أنثى صار من حقها وحقه في هذا المناخ الموبوء أن تتصرف أو يتصرف، وأن تتسخط أو يتسخط، وأن تقعقع أو يفرقع...
هكذا ولأنهم كما صاروا يملكون كامل الحق في رمي الإسلام بما شاءوا وأينما شاءوا وكيفما شاءوا، بعيدا عن الخوف أو حتى مراعاة من يحاسب ويراقب ويلوم أو يعاتب من قضاة الدنيا، فإننا بالمقابل وإعمالا لقاعدة العدل أي قاعدة "هذه بتلك"، فلسنا نقل عنهم جرأة أو قناعة واقتناعا أو حقا حقيقا في مقاسمتهم على راجح إحساس صادق لمعاني الوطنية ومفهوم الانتساب للأرض والدين والعِرض حتى نرميهم ونتهمهم بما تعضده قرائن سعيهم وركزهم وحركتهم الدافقة الدائبة، فنقول: إن هؤلاء ما فتئوا يجدّون ويكدّون والغاية واحدة، وهي جعل أحكام هذا الدين العظيم تمضي على حاشية الطريق وهامش الحياة ما تبرح حدودها، وتظل ترفل في قيودها، وذلك الذي كان وهو كائن، غير أنّهم ورغم هذا الوأد، والإقصاء والطرد، لا يزالون يقدمون بين يدي سيلهم الدافق العرم، الذي لم يبق ولم يذر للإسلام شيئا ثقيلا يذكر، يقدمون شعارهم الزائف الحائف شعار: "العلمانية هي الحل"
والحقيقة أنني بِت لا أدري بأيِّهم أصف هؤلاء ممن طفقوا رافعين في تباك ملحون هذا الشعار شعار "العلمانية هي الحل"، هل بالغباء أم بالبلادة أم بالسذاجة أم بالمكر أو التدليس...
حقيقة إن للجهل المركب الأعمى، والبغض الأفقع الأنكى منطقا لا يعرف الحياء، فما فتئ أهله يعاملون خصومهم بكل دناءة، ثم يتهمونهم بإثارة العدوان ويرمونهم بمقارفة المظالم، ولا ريب أن في مثل هذا المناخ المغشوش، والحال المنفوش، كان من المتسنى لهم أن يلصقوا بالإسلام كل سطو صفيق وفشل سحيق، وهم يعلمون بيقين ذوقي أنه لعقود خلت، وأخرى أقبلت في مكث ثقيل، لا حكم له في الأرزاق ولا تحكم له يذكر على الأعناق، فقد دحرجوه عن منزلته، واستبدلوا الانتماء له بالولاء لقوانين العدو الغائر، بل انخرطوا في تحقيق غايات هذا العدو في إصرار وهدوء، حتى كان من صنيعهم الآثم أن طالبوا في صفاقة طافحة، وهجمات متكررة منكرة بواجب إلغاء الشريعة الإسلامية وهي أين هي؟ ! الغائبة المغيبة، اللاغية الملغية، الهامشية المُهمّشة، التي لا أثر لها ولا عين في دنيا الناس وحياة المسلمين، اللهم من بقايا عبادات لا روح فيها ولا عنفوان لأهلها، وأطلال أنصبة إرث وطقوس أنكحة، وضغث معاملات لا تزال دائرة ضوئها ذاهبة في الانحسار والأفول، بينما لا يزالون ولا يزلن هم وهن يتربصون ويتربصن بها تربص الضباع، ويتداعون على قصعتها تداعي الجياع، ويتوجسون خيفة من ظفرها بحق البقاء ونجاتها من الضياع، حتى آل أمر الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها إلى ما نعلم، من وهن وهوان على الناس، وتخلف ما تزال أسبابه مرهونة بالإسلام ذلك العظيم المجحود الحقيقة، المُفترى عليه في مناكب الأرض وفجاج أروقة سياساتها الرعناء.
وكم هو مؤلم وقاس أن يحيا الباطل، بَلْهَ أن يسود أهله ويسيطرون.
محمد بوقنطار
محمد بوقنطار من مواليد مدينة سلا سنة 1971 خريج كلية الحقوق للموسم الدراسي 96 ـ97 الآن مشرف على قسم اللغة العربية بمجموعة مدارس خصوصية تسمى الأقصى.
- التصنيف: