(هم العدو فاحذرهم)

منذ 2022-01-31

المنافقون، في كل زمانٍ ومكانٍ متشابهون، يُظهرون خلاف ما يُبطنون، يدَّعون حبهم لدين الإسلام وهُم لشريعته مبغِضون، وللانقياد لها رافضون، بل هُم للإسلام وأهله في الليل والنهار يكيدون، وقد نسوا أنَّ الله مُخرجٌ ما يكتمون.

روي ابن إسحاق في السيرة والبيهقي في "دلائل النبوة" عن صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت: لم يكن أحد من ولد أبي وعمي أحب إليهما مني، لم ألقهما في ولد لهما قط أهش إليهما إلا أخذاني دونه، فلما قدم رسول الله صلي الله عليه وسلم قباء، قرية بني عمرو بن عوف، غدا إليه أبي وعمي أبو ياسر بن أخطب مغلسَين، فو الله ما جاءانا إلا مع مغيب الشمس، فجاءانا فاترين كسلانين ساقطين يمشيان الهويني، فهششت إليهما كما كنت أصنع، فو الله ما نظر إلي واحد منهما، فسمعت عمي أبا ياسر يقول لأبي: أهو هو؟ قال: نعم والله! قال: تعرفه بنعته وصفته؟ قال: نعم والله. قال: فماذا في نفسك منه؟ قال: عداوته والله ما بقيت!

لقد جسد حيي بقوله هذا طبيعة أعداء الإسلام في كل زمان وفي كل مكان، فبغض الإسلام هو قضيتهم التي لا يمكن أن تفارق قلوبهم، وهي وإن فارقت ألسنتهم أحيانا إلا أن قلوبهم تبقي متقرحة يملؤها القيح والصديد والكراهية، ولأن القلوب قدور والألسنة مغارفها، فلابد أن يغترف اللسان من القلب ويخرج بعضا أو كثيرا من مكنوناته، وهذا ما يحصل علي ساحة النزال بين الحق والباطل وبين الإسلام والكفر، وبين الهدي والضلال.. وستبقي كلمات المبغضين والشانئين تدل عليهم.

ومن نعمة الله علي أهل الإسلام أنه بين لهم طبيعة كارهي الدين وأنهم إن تغلبوا وتمكنوا وأمنوا العقوبة أظهروا عداوتهم وأعلنوا بها وتبجحوا بسب الإسلام والطعن فيه وفي كتابه وفي رسوله، وهذا ما رأيناه عيانا مرات ومرات من أعداء الإسلام كحرق المصحف وتدنيسه وتمزيقه، وكالاستهزاء بالإسلام وبرسوله كما حصل في الرسوم الكاريكاتورية ومع الأفلام وغيرها في عدة بلاد من بلاد الكفر، وهذا أمر إن أتي من الكفار قد يكون طبيعيا لطبيعة الاختلاف العقدي وكراهيتهم لدين الإسلام وبغضهم لأهله كما قال الله تعالي : {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَا أَنتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ۚ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ۖ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} }( [آل عمران] )، وقال: { {ولن ترضي عنك اليهود ولا النصاري حتي تتبع ملتهم}(البقرة)، وقال: {ودوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} }( [النساء] )، وقال: { {ولا يزالون يقاتلونكم حتي يردوكم عن دينكم إن استطاعوا} }( [البقرة] ).. وهذا الباب واسع والآيات فيه كثيرة.

المنافقون قديما وحديثا:
ولكن هناك فئة أخري تحمل الحقد والغل نفسه أو أشد، وقلوبهم أشد بغضا للإسلام وأهله، ولكنهم يعيشون بين المسلمين، وينتسبون لدينهم في الظاهر وحقيقتهم كما قال الله: {
{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نشهد إنك لرسول اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يعلم إنك لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} }( [المنافقون:1] ).

وهؤلاء بلاء ابتليت به أمة الإسلام فهم في الظاهر منا ومن بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، وربما شهدوا بعض العبادات الدينية ظاهرا، وقد كانوا يصلون مع رسول الله في مسجده، وربما خرجوا للجهاد معه، ولذلك فأمرهم ملتبس علي المسلمين كما جاء في بعض الآثار "يلبسون مسوح الضأن علي قلوب الذئاب"، إنهم المنافقون الذين قال الله عنهم { {هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله} }، قال الله عنهم: { {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة} }، وقال سبحانه: { {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلي شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون} }( [البقرة] )، فظواهرهم مع المسلمين، وقلوبهم وهواهم ورغباتهم مع الكافرين، وهذا مكمن الخطر والضرر.

وهذا الصنف أيضا لهم نفس وصف حيي بن أخطب مع الإسلام "عداوته ما حييت"، ولكن حسب ما تتيسر الأحوال، فإذا علا سهم الإسلام وقويت شوكته زاد النفاق وقنعوا رؤوسهم خوفا عليها من سطوة الحق وأهل الإيمان، وإذا ضعفت الشوكة ولم يجد الإسلام من ينصره أطلوا برؤوسهم وخرجوا من أوكارهم وجحورهم وأعلنوا مكنونات صدورهم.


ولم يتركنا الله ولم يتركهم يخادعون الله والذين آمنوا، ولكنه سبحانه جلاهم للمسلمين من خلال صفاتهم وبين لهم خلالهم وأعمالهم وأحوالهم، وكان من أظهر الأمور التي يعرفون بها قوله سبحانه: { {ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول} }( [سورة محمد] )..


فلحن القول هو السمة وهي فاضحتهم، إذ تنضح قلوبهم علي ألسنتهم فينطقون بما يعرفهم به المسلمون.

رأس النفاق
وقد كان هذا ظاهرا جليا في زمن رسول الله صلي الله عليه وسلم، فكان ابن سلول رأسهم يفور بالحقد علي رسول الله الإسلام وبما جاء به، فلا يقدر علي كتمان ما في قلبه من سواد.. ومن أقواله الفاضحة:
- قوله حين حدث خلاف بين مهاجر وأنصاري: "والله ما مثلنا ومثل هؤلاء (يعني النبي والمهاجرين) إلا كما قال الأول سمن كلبك يأكلك".

- وقوله عند العودة من إحدي الغزوات: { {لئن رجعنا إلي المدينة ليخرجن} }، يعني أنه هو الأعز، ورسول الله صلي الله عليه وسلم هو الأذل.

- ومن مواقفه المخزية هروبه يوم غزوة أحد ورجوعه بثلث الجيش، ومنها الوقوف مع يهود بني قينقاع والدفاع عنهم بعد نقضهم العهد مع رسول الله صلي الله عليه وسلم، وموالاته للكفار وقوله: "إني امرؤ أخشي الدوائر".

- وهو الذي تولى كبر حادثة الإفك يتهم رسول الله صلي الله عليه وسلم في شرفه وزوجته، ويطعن في عائشة ليسقط قامات الإسلام السامقة، وقد فضحه الله.

ولشدة خطر هؤلاء فقد أنزل الله فيهم آيات كثيرة كأنها تتنزل اليوم، وإنما نبه عليهم أكثر من غيرهم من الأعداء لأنهم يستعملون وسائل شرعية لهدم الأصول، ويخفون علي العامة، فأعين البسطاء علي الوسائل وأعينهم هم علي الأهداف.

وعموما فإن المنافقين في عهد رسول الله قد فضحهم الله وأخزاهم.. وأما منافقوا زماننا فهم أبناء المنافقين الأول، صح فيهم قول القائل "ومن شابه أباه فما ظلم".. وهذا الوصف أثقل شيء عليهم اليوم وهو ربطهم بأسلافهم، كما كان أثقل شيء علي أسلافهم ربط القرآن بأفعالهم، فأفعال الأجداد هي أفعال الأحفاد.. ولحن القول القديم ملازم لمنافقي العصر الحديث، وصفات الأولين هي صفات الآخرين، وما زال الآخر ينسج علي منوال الأول. وقانون الكل "عداوته ما حييت".

فالمنافقون، في كل زمانٍ ومكانٍ متشابهون، يُظهرون خلاف ما يُبطنون، يدَّعون حبهم لدين الإسلام وهُم لشريعته مبغِضون، وللانقياد لها رافضون، بل هُم للإسلام وأهله في الليل والنهار يكيدون، وقد نسوا أنَّ الله مُخرجٌ ما يكتمون.
 

  • 6
  • 4
  • 1,522

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً