شهر رجب: ما له وما ليس له ..
ويستحب في رجب التدرب على الطاعات تلاوة القرآن، إطعام الطعام ، قضاء حوائج الناس ، ويستحب في رجب الصيام تطوعا لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم ( صم من الحرم واترك)
أيها الإخوة الكرام: {إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِى كِتَٰبِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ }
إنه لمن دواعي السرور .. أن ينتظم الحديث هذه الأيام عن الأشهر الحرم، بيانا للناس، وتذكيرا ،وردا إلي حدود حدها الله تعالى ، ونواه نهى الله تعالى عنها ، أحسب أن الكثير منا قد نسيها ..
{﴿ إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِى كِتَٰبِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ﴾ }
السنة التي نسميها الهجرية أو العربية عدد شهورها اثنا عشر شهراً من بين الإثنى عشر شهراً اصطفى ربنا سبحانه وتعالى أربعة أشهر فعظمها وباركها وشرفها وجعل منها رسالة أمان وسلام إلى جميع الناس من رب سمى نفسه السلام وسمى جنته ومستقر رحمته دار السلام ..
{﴿ إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِى كِتَٰبِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا۟ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ ﴾ }
أولها شهر ذي القعدة ثم ذي الحجة ثم المحرم ثلاثة شهور متواليات وشهر منفرد يقال له رجب مضر الذي بين جمادى وبين شعبان ..
ورجب هو شهرنا الذي نحن فيه شهر حرام :
الظلم فيه حرام البغي فيه حرام السلب فيه حرام عقوق الوالدين قطيعة الرحم سوء الجوار أكل أموال الناس بالباطل الغيبة والنميمة والكذب كل ذلك حرام .. بالأمس كان كل ذلك حرام وفي الغد هو أيضاً حرام لكنه اليوم أشد حرمة .. والسبب أننا في رجب ورجب من الأشهر الحرم والوقوع في الحرام في الأشهر الحرم أبشع وأقبح وفيه ظلم كبير للنفس والله تعالي يقول {﴿ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا۟ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ ﴾ }
سمي شهر رجب: برجب الأصم لأنه لم يكن تسمع فيه قعقعة السيوف رعاية لحرمته ، ويقال له رجب الأصب إذ تصب فيه الرحمات صبا ، وقيل هو رجب الفرد إذ أنه ينفرد بالحرمة بين ما قبله وما بعده ، وقيل هو رجب مضر إذ كانت تعظمه قبيلة مضر تعظيما شديدا ، وقيل هو رجب الهرم إذ أن حرمته قديمة ، وقيل رجب شهر الغرس وشعبان شهر السقيا ورمضان شهر الحصاد
من أشرف الأزمان عند الله تعالى ( الأشهر الحرم)
ذي القعدة وذي الحجة والمحرم ثم رجب .. والأزمان الشريفة محل لكل طاعة وردت في كتاب الله أو سنها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكل طاعة تقع في الأشهر الحرم ثوابها أعظم من وقوعها في زمان آخر لوقوعها في الزمان الشريف ..
أسأل الله تعالى أن يبارك لنا في رجب وفي شعبان وأسأله برحمته الواسعة أن يبلغنا رمضان .. اللهم آمين .
أول عمل صالح ، وأول قربة دعانا إليها ربنا سبحانه وتعالى في الأشهر الحرم والتي نحن اليوم في شهر منها وهو شهر رجب أول عمل صالح دعينا إليه هو ( كف الأذى )
كف الأذى عن من ؟؟
كف الأذي عن النفس قال الله تعالى ﴿فَلَا تَظْلِمُوا۟ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ ﴾
وظلم النفس أن تعرضها لعقاب الله عز وجل ..
فمن اعتدي على الضعفاء فقد ظلم نفسه ..
ومن أساء إلى إخوته وأخواته فقد ظلم نفسه..
ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها فقد ظلم نفسه ..
ومن ضيع عياله وحرمهم وجوده والنفقة عليهم فقد ظلم نفسه ..
ومن أهمل والديه شيخين كبيرين فقد ظلم نفسه ..
ومن عذب امرأته وجار على حقها فقد ظلم نفسه ..
قال الله تعالى {﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ۚ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا۟ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُۥ ۚ ﴾ }
وقال {﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا۟ ٱلْعِدَّةَ ۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنۢ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّآ أَن يَأْتِينَ بِفَٰحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُۥ ۚ﴾}
أي معصية يقع فيها ابن آدم يظلم بها نفسه ولو كان في الجانب الأقوي ، ولو كان هو المعتدي ، ولو كان هو الباطش بغيره ..
يقع الإنسان بالمعصية فيحرم بها رزقا قد كان هيئ له، يقع بالمعصية فيقصف عمره وتنتزع بركته ، يقع بالمعصية فتذهب حسناته، يقع بالمعصية فتحبط أعماله ..
{﴿ أُو۟لَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِمْ وَلِقَآئِهِۦ فَحَبِطَتْ أَعْمَٰلُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ وَزْنًا ﴾ }
{﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا۟ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَٰلَهُمْ ﴾ }
جعل الله تعالى من الأشهر الحرم مناسبة للسلام مع النفس وللسلام مع الناس .. اللهم إلا أن يعتدى علينا فنرد العدوان بالعدوان صاعا بصاع {﴿ يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ ﴾}
بعث رسول الله بعثا وأمر عليهم عبد الله بن جحش رضي الله عنه يترقبون عيرا لقريش ويعلمون من أخبارهم ولم يأمرهم بقتال فالتقوا بهم مع آخر ليلة من رجب فاستشار الصحابة بعضهم بعضاً فانتهى رأيهم إلى الهجوم عليهم فأسروا رجلين وغنموا غنيمة وقتلوا رجلا وهرب منهم رجلا ..
أما عبد الله بن جحش فهو أول أمير في الإسلام وهو أول من عزل خمس الغنائم لله ورسوله وأما غنيمته هذه فهى أول غنيمة في الإسلام..
فلما قدموا المدينة بالغنيمة والأسيرين أنكر رسول الله عليهم ما فعلوه إذ لم يأمرهم بقتال ، ولأنهم قاتلوا في الشهر الحرام ..
وأرسلت قريش تقول لرسول الله أفي الشهر الحرام قتال ؟!
وكأنها سقطة وقع فيها المسلمون ( يعظمون الشهر الحرام ثم يقاتلون فيه ) فوقع المسلمون في غم شديد حتى فرج الله عنهم بأن ما فعله المسلمون كان ردا للعدوان ولا ملامة عليهم ﴿ يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ ) كبيرة من الكبائر القتال في الشهر الحرام ...
ولكنه دفاع عن النفس { ( وصد عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌۢ بِهِۦ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِۦ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ ۚ وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ ۗ )} وهذا ما فعله المشركون ..
فلما نزلت هذه الآية سري عن الصحابة واقتسموا الغنيمة وقبض رسول الله خمسها فجعله في ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل .. وطابت نفوس الصحابة إذ عذرهم الله عزّ وجل ..
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يحفظنا بحفظه وأن يرحمنا بواسع رحمته ..
الخطبة الثانية ..
بقي لنا أن نقول إن شهر رجب بين شهور السنة هو الشهر المفترى عليه ..!!
ففي شهر رجب تكلم الناس عن عبادات ابتدعوها ما كتبها الله تعالى عليهم ..
قالوا نصلي فيه صلاة الرغائب ( وهى صلاة يصلونها مع يوم الخميس الأول من رجب بين المغرب والعشاء وهى اثنتي عشرة ركعة ) وهذه صلاة لا تثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام ..
وصلاة أخرى تسمي صلاة ( أم داود ) وهم يصلونها في منتصف رجب وهذه صلاة لا تثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام ..
ومن المبتدعات قيام ليلة السابع والعشرين من رجب ظنا أنها ليلة الإسراء والمعراج..
وكانوا في الجاهلية يذبحون في رجب ذبائح ويسمونها العتيرة فلما جاء الإسلام أبطالها وقال الرسول ( لا فرع ولا عتيرة )
لكن على الرغم من كل ذلك يبقى شهر رجب شهر حرام شهر عظيم مبارك شريف زمانه وهو محل لك عبادة وطاعة وغرس على أن تكون عن الله أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
هذا مفهوم من حديث رسول الله عن شهر شعبان ( ذاك شهر يغفل الناس عن بين رجب ورمضان ) فرمضان محل عبادة ورجب محل عبادة وينبغي أن يكون شعبان أيضاً محل عبادة ..
فيستحب في رجب التزود من كل عمل صالح أن كان من الأشهر الحرم ويفرض فيه كف الأذى عن النفس وعن الناس فرضا فلا سلب ولا نهب ولا غصب ولا أذي ولا عدوان لأنها وإن كانت في الأوقات كلها حرام فهى في الأشهر الحرم أشد حرمه وأبشع جرما ..
ويستحب في رجب التدرب على الطاعات تلاوة القرآن، إطعام الطعام ، قضاء حوائج الناس ، ويستحب في رجب الصيام تطوعا لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم ( صم من الحرم واترك)
أسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا وأن يتقبل منا صالح الأعمال إنه ولي ذلك والقادر عليه .
- التصنيف: