أعظم آية في كتاب الله تعالى
أعظم آية في كتاب الله تعالى، اشتملت على ثمانية عشرا اسماً لله تعالى ما بين ظاهر ومضمر، وكلماتها خمسون كلمة، وجملها عشر جمل
بسم الله الرحمن الرحيم
{اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) } [ البقرة ]
أعظم آية في كتاب الله تعالى، اشتملت على ثمانية عشرا اسماً لله تعالى ما بين ظاهر ومضمر، وكلماتها خمسون كلمة، وجملها عشر جمل، كلها ناطقة بربوبيته تعالى وألوهيته وأسمائه وصفاته الدالة على كمال ذاته وعلمه وقدرته وعظيم سلطانه.
«روى مسلم عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ -رضي الله عنه- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟) قَالَ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟) قَالَ قُلْتُ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} قَالَ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ: (وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ) »
وفي زيادة صحيحة: « (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ لَهَا لِسَانًا وَشَفَتَيْنِ تُقَدِّسُ الْمَلِكَ عِنْدَ سَاقِ الْعَرْشِ) » [أحمد]
وورد أن من قرأها أول الليل لم يقربه شيطان، وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ) » [النسائي]
{{اللَّهُ}} افتتحت بأجل أسماء الله تعالى، وجيء باسم الذات هنا لأنه طريق في الدلالة على المسمى المنفرد بهذا الاسم.
{{لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ}} والمقصود من هذه الجملة إثبات الوحدانية.
{الْحَيُّ} الدائم الحياة التي لم تسبق بموت ولم يطرأ عليها موت، والمقصود إثبات الحياة وإبطال استحقاق آلهة المشركين وصف الإلهية لانتفاء الحياة عنهم، كما قال إبراهيم عليه السلام: {{يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ}} [مريم:42]
{الْقَيُّومُ} القائم بتدبير الملكوت كله علويه وسفليّه، لولا قيّوميّته على الخلائق ما استقام من أمر العوالم شيء. قال تعالى: {{أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ}} [الرعد:33]
{الْحَيُّ الْقَيُّومُ} وقد ورد أنه اسم الله الأعظم، وقال عليه الصلاة والسلام لِفَاطِمَةَ: «(مَا يَمْنَعُكِ أَنْ تَسْمَعِي مَا أُوصِيكِ بِهِ، أَنْ تَقُولِي إِذَا أَصْبَحْتِ وَإِذَا أَمْسَيْتِ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ)» [رواه النسائي بسند صحيح]
{{لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ}} النعاس يسبق النوم {{وَلاَ نَوْمٌ}} يبقى مع السنة بعض الذهن، والنوم هو المستثقل الذي يزول معه الذهن. وهذه الجملة برهان على الجملة قبلها، إذ من ينعس وينام لا يتأتى له القيومية على الخلائق ولا يسعها حفظاً ورزقاً وتدبيراً.
وقيل: نزه نفسه عن السنة والنوم لما فيها من الراحة، وهو تعالى لا يجوز عليه التعب والاستراحة.
وفائدة تكرار: لا، انتفاؤهما على كل حال، إذ لو أسقطت، لا : لا، احتمل انتفاؤهما بقيد الاجتماع، تقول: ما قام زيد وعمرو، بل أحدهما، ولا يقال: ما قام زيد ولا عمرو، بل أحدهما.
«وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ [الميزان، ميزان أعمال العباد المُرْتفِعة إليه، وأرْزاقهم النازِلة من عنده]، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ [يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار الذي بعده ..]، حِجَابُهُ النُّورُ -وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: النَّارُ- لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ) »
{{لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ}} تقرير لانفراده بالإلهية إذ جميع الموجودات مخلوقاته، وتعليل لاتصافه بالقيومية لأن من كانت جميع الموجودات ملكا له فهو حقيق بأن يكون قيومها وألا يهملها ولذلك فصلت الجملة عن التي قبلها.
ولما كان المراد إضافة كلِّ ما سواه إليه بالمخلوقيّة، وكان الغالب عليه ما لا يعقل، أجرى الغالب مجرى الكلِّ، فعبر عنه بلفظة « مَا ».
{{مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}} وفي هذه الآية أعظم دليل على ملكوت الله، وعظم كبريائه، بحيث لا يمكن أن يقدم أحد على الشفاعة عنده إلاَّ بإذن منه تعالى، كما قال تعالى: {{لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن}} [النبأ:38] ودلت الآية على وجود الشفاعة بإذنه تعالى.
فبطل وصف الإلهية عن غيره تعالى بالمطابقة، وبطل حق الإدلال عليه والشفاعة عنده -التي لا ترد- بالالتزام، لأن الإدلال من شأن المساوي والمقارب، والشفاعة إدلال. وهذا إبطال لمعتقد معظم مشركي العرب لأنهم لم يثبتوا لآلهتهم وطواغيتهم ألوهية تامة، بل قالوا: {{هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}} [يونس:18] وقالوا: { {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} } [الزمر:3]
{{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ}} والذي يظهر أن هذا كناية عن إحاطة علمه تعالى بسائر المخلوقات من جميع الجهات، وكنى بهاتين الجهتين عن سائر جهات من أحاط علمه به، كما تقول: ضرب زيد الظهر والبطن، وأنت تعني بذلك جميع جسده، واستعيرت الجهات لأحوال المعلومات، فالمعنى أنه تعالى عالم بسائر أحوال المخلوقات، لا يعزب عنه شيء، فلا يراد بما بين الأيدي ولا بما خلفهم شيء معين.
وقيل المراد بما بين أيديهم وما خلفهم: ما هو ملاحظ لهم من المعلومات وما خفي عنهم، أو ما هو واقع بعدهم وما وقع قبلهم، وقيل أمور الدنيا وأمور الآخرة، وهو فرع من الماضي والمستقبل، وقيل المحسوسات والمعقولات
{{وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ} } يحيطون: يعلمون علما تاما، وهو مجاز حقيقته أن الإحاطة بالشيء تقتضي الاحتواء على جميع أطرافه بحيث لا يشذ منه شيء من أوله ولا آخره.
{{إِلاَّ بِمَا شَاء}} تنبيه على أنه سبحانه قد يطلع بعض أصفيائه على ما هو من خواص علمه كقوله: {{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ}} [الجن:27]
{{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ}} الكرسي موضع القدمين وهو غير العرش، وهو أصغر منه.
{{وَلاَ يَؤُودُهُ}} يثقله ويشق عليه {{حِفْظُهُمَا}} أي ولا يعجزه حفظ السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما بل هو سهل عليه يسير.
{{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}} وهو الكبير المتعالي عن النقص، العظيم بجلاله وسلطانه، الذي كل شيء أمام عظمته صغير حقير.
ولهذه الآية فضل كبير لم اشتملت عليه من أصول معرفة صفات الله تعالى
جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار
- التصنيف: