سلامة الصدر

منذ 2022-02-12

إن المسلم الصادق يعيش سليم القلب مبرءاً من وساوس الحقد والضغينة والكره والبغضاء متى رأى نعمة تساق إلى غيره فرح ورضي بها وأحس بفضل الله فيها

ربنا - جل وعلا - ينظر إلى العباد من خلال قلوبهم فإن كان قلب المرء نقياً من الغش والضغينة بريئاً من العوج والغل فالله يقبل عليه بفضله ورحمته ولطفه وكرمه فيعمر هذا القلب بالطاعة ومن ثم يسرع إلى الخير ويكون سباقاً إلى كل فضيلة وعلى العكس إذا فسد القلب وعمره الحقد والغل فهنا لا تسل عن فساده وسوء عمله وصدق الحبيب - صلى الله عليه وسلم - القائل: «إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب».

 

عباد الله:

إن المسلم الصادق يعيش سليم القلب مبرءاً من وساوس الحقد والضغينة والكره والبغضاء متى رأى نعمة تساق إلى غيره فرح ورضي بها وأحس بفضل الله فيها وتذكر قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر».

 

ولقد سئل رسولنا - صلى الله عليه وسلم - عن أي الناس أفضل فقال: «كل مخموم صدوق اللسان قالوا صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب قال التقي التقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد».

 

عباد الله:

إن المسلم الحق هو الذي تمتد مشاعر حبه فتغمر ما حوله وتفيض على الآخرين سلاماً وأمنا والمجتمع المسلم حقاً هو الذي يكون بين أفراده عواطف حب مشترك وعلاقات ود متبادلة يتعاونون ويتراحمون ويدعو بعضهم لبعض كما أخبر الله - جل وعلا - عن الرعيل الأول: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10].

 

كم قضت الأحقاد على علاقات وكم خربت من بيوت وكم تمكنت من صدور فحولتها إلى خصومة مع الآخرين ضيعت لذة الإيمان وأوهنت عرى التقوى وهنا لا يكون للعبادة لذة بل تؤدى وكأنها عادة وهنا يعمى أصحابها عن الفضائل ويضخمون الرذائل ويتعدون إلى الكذب والافتراء على الآخرين فتشتعل القلوب بنار العداوة والبغضاء والشيطان يستمتع بذلك ويغذيه ويحرص على أن يسلك به كل طريق ليحرق حاضر الناس ويقضي على مستقبلهم وفي ذلك يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكنه لم ييأس من التحريش بينهم»، لأن الشر إذا تمكن من القلوب تنافر ودها وتحولت إلى حال من القسوة والعناد وقد قطع الإسلام كل طريق يؤدي إلى الاختلاف والخصومة والشحناء والبغضاء فنهى عن التقاطع والتدابر ونهى عن البيع على البيع والخِطبة على الخِطبة ونهى عن النجس ونهى عن الحسد قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا ولا يبع بعضكم على بيع بعض».

 

عباد الله:

إن سلامة الصدر فضيلة عظيمة تجعل المسلم لا يربط بين حظه من الحياة ومشاعره مع الناس فربما لم يحالفه الحظ في الحياة وهنا لا يحقد على غيره ولا يتربص به الشر بل لكلٍ ما قسم الله له، وأما هدي إبليس فهو الحقد والحسد لأنه لما رأى آدم أكثر منه حظا حلف ألا يترك أحداً من بنيه يستمتع قال تعالى: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 17].

 

الحمد لله الذي جعل صدور عباده المؤمنين سليمة من الغل والحقد فلا يدخلون الجنة حتى ينزع من صدورهم كل ما يتعلق بذلك قال تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر: 47]، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله الرؤف الرحيم بأمته صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله وتعاونوا على البر والتقوى واحرصوا على سلامة صدوركم من كل ما فيه تأثير عليكم في علاقاتكم مع الآخرين ليتحقق لكم من الخير ما تصبون إليه.

 

عباد الله:

استمعوا إلى هذا الحديث العظيم الذي يوضح لكم سلامة الصدر وآثارها في الدنيا والآخرة روى أنس بن مالك قال كنا جلوساً مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة» فطلع رجل من الأنصار تنظف لحيته من وضوئه قد تعلق نعليه في يده الشمال فلما كان الغد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى فلما كان اليوم الثالث قال النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل مقالته أيضاً فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام النبي - صلى الله عليه وسلم - تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص وجلس عنده ثلاث ليال ليرى ما يصنع فلم يجد عنده كثير عمل فأخبره وسأله هل عنده عمل يخفيه فقال له الرجل ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أخذ في نفسي لأحد من المسلمين غشاً ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه فقال عبد الله هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق)).

 

أجل أيها المؤمنون:

إن المسلم حينما يرتفع إلى المستوى الأعلى ويقتدي بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، ويرتقي إلى مدارج الكمال ينظر إلى من دونه نظرة عطف وحنان ويمد يده محاولاً أن ينهض به فإن أعياه ذلك لم ينطوِ قلبهُ على الغش ولا الحقد عليه.

أسأل الله بمنه وكرمه أن يجعلنا من هؤلاء.

عبد الله بن محمد الطيار

وكيل وزارة الشؤون الإسلامية بالسعودية سابقا

  • 8
  • 0
  • 3,660

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً