يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ
والمعنى أنه لا يشفع عنده أحد بحق وإدلال لأن المخلوقات كلها ملكه، ولكن يشفع عنده من أراد
الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، أهل الثناء والمجد، أحقَّ ما قال العبد، وكلّنا له عبْد: لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا ينفع ذا الجد منه الجد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خير من صلى لله وتعبّد، وقام وتهجّد، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه ومن لله تعبّد.
أما بعد
يقول الله تعالى في سورة البقرة:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254)}
{ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم} } حث على الإنفاق واستحقاق فيه {مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ} لا يشتري أحد نفسه بمال يدفعه فداءً لنفسه من العذاب {{وَلاَ خُلَّةٌ}} المودة والصحبة والصداقة كأنها تتخلل الأعضاء، والمعنى ولا صداقة تنفع صاحبها، ونظيره قوله تعالى: {{الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين}} [الزخرف:67] {وَلاَ شَفَاعَةٌ} الوساطة في طلب النفع أو دفع ضر، فلا شفاعة تقبل إلا أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى.
والشفاعة المنفية هنا المراد بها الشفاعة التي لا يسع المشفوع إليه ردها، فالشفاعة - في العرف - تقتضي إدلال الشفيع عند المشفوع لديه، ولهذا نفاها الله تعالى هنا بمعنى نفي الاستحقاق أحد من المخلوقات أن يكون شفيعا عند الله بإدلال، وأثبتها في آيات أخرى كقوله: {{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}} [البقرة:255] وقوله: {{وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}} [الأنبياء:28] وثبتت للرسول عليه السلام، وأشير إليها بقوله تعالى: {{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} } [الإسراء:79] وفسرت الآية بالحديث الصحيح (اشفع تشفع) فتلك كرامة أكرمه الله بها وأذن له فيها، ولذلك كان من أصول اعتقادنا إثبات الشفاعة.
والمعنى أنه لا يشفع عنده أحد بحق وإدلال لأن المخلوقات كلها ملكه، ولكن يشفع عنده من أراد هو أن يظهر كرامته عنده فيأذن له بأن يشفع فيمن أراد هو العفو عنه،كما يسند إلى الكبراء مناولة المكرمات إلى نبغاء التلامذة في مواكب الامتحان.
والسبب في عدم الخلة والشفاعة أمور :
أحدها: أنَّ كل واحد يكون مشغولاً بنفسه. قال تبارك وتعالى: {{لِكُلِّ امرىء مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}} [عبس:37]
الثاني: أنَّ الخوف الشَّديد يغلب على كلِّ أحدٍ، قال تعالى: {{يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ}} [الحج:2]
الثالث: أنَّه إذا نزل العذاب بسبب الكفر، أو الفسق صار مبغضاً لهذين الأمرين وإذا صار مبغضاً لهما؛ صار مبغضاً لمن اتَّصف بهما.
{{وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ}} أراد والتاركون الزكاة هم الظالمون، فقال { {والكافرون} } للتغليظ، كما قال في آخر آية الحج {{وَمَن كَفَرَ}} [النور:55] مكان: ومن لم يحج، ولأنه جعل ترك الزكاة من صفات الكفار في قوله: { {وَوَيْلٌ لّلْمُشْرِكِينَ الذين لاَ يُؤْتُونَ الزكاة} } [فصلت: 6]
وقال عطاء بن دينار: الحمد لله الذي قال: {{والكافرون هم الظالمون}} ولم يقل: الظالمون هم الكافرون.
جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار
- التصنيف: