(الإسراء والمعراج)

منذ 2022-02-19

ومن نعم الله علينا ما فضل به نبينا صلى الله عليه وسلم وخصَّه من فضائل ومعجزات، ومن تلك الفضائل والمعجزات: "الإسراء والمعراج"،

إن من أعظم منن الله علينا، بعث إلينا خاتم رسله، وخير أنبيائه، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس: {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} [آل عمران: 164].


ومن نعم الله علينا ما فضل به نبينا صلى الله عليه وسلم وخصَّه من فضائل ومعجزات، ومن تلك الفضائل والمعجزات: "الإسراء والمعراج"، وقد جاء الإسراء والمعراج في سورة سميت باسمه (سورة الإسراء)، والمعراج في مطلع سورة النجم وغيرها، كما ثبت في الصحيحين، والسنن، والمسانيد.


وقد جاءت هذه الحادثة الهامة والخطيرة في آخر مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة، قيل في هذا الشهر وهو شهر رجب وقيل غيره، ولم يثبت يوماً بعينه أو شرع عبادة أو احتفالاً لها، وإنما المشروع والمسنون تدبر هذه الحادثة والاعتبار والاتعاظ منها، وتأمل ما ورد من كتاب ربنا ومن سنة نبينا في هذا الحدث العظيم واستلهام العبر منه، لا سيما في تلك المعجزة العظيمة.

عباد الله:
جاء الإسراء والرسول صلى الله عليه وسلم يواجه أعتى صورة التكذيب بدعوته والاستهزاء بشخصه، والإيذاء له ولأصحابه، فكان تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم أن رفعه ربه ومولاه إلى سابع سماء، رفعه الله بجسده وروحه كما رفع سبحانه ذكره وشرح له صدره ووضع عنه وزره، وجعل الذل والصغار على من خالف أمره فهو خليل الرحمن وسيد الأنام وصاحب المقام المحمود والحوض المورود، أعطاه الله الكوثر واختاره من بين العالمين.

وكان من فضائله وخصائصه صلى الله عليه وسلم هذه الرحلة العظيمة الإسراء والمعراج، أما الإسراء فهي رحلة أرضية في لمح البصر من مكة إلى بيت المقدس يقول سبحانه وتعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الإسراء: 1].

وأما المعراج فهو رحلة سماوية من بيت المقدس إلى السماء السابعة إلى سدرة المنتهى حيث رأى الآيات العجيبة كما قال سبحانه: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 18].

عباد الله:

ننتقل إلى السنة النبوية التي تروى لنا هذا الحدث العظيم، وقد رويت في الصحيحين والسنن بألفاظ متفاوتة، يقول عليه الصلاة والسلام: بينما أنا نائم في الحطيم، وهو الحجر بالبيت الحرام، إذا أتاني آت فشق صدري ثم استخرج قلبي. وهؤلاء ملائكة يهيئونه لهذه الرحلة العظيمة أو هي كرامة أخرى.

ثم أتيت بطشت من ذهب مملوء إيماناً وحكمة فغسل قلبي ثم حشاه ثم أعيد، ثم أتيت بالبراق يضع خطوة عند أقصى منتهى طرفه أي حد بصره، فحمل النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس فجاء جبريل بإناء فيه خمر وآخر فيه لبن.

فاختار النبي صلى الله عليه وسلم اللبن، فقال جبريل: هديت وهديت أمتك.

ثم جمع الله له الأنبياء في بيت المقدس والله على كل شيء قدير جمعهم كرامة للنبي صلى الله عليه وسلم، وفيه وحدة الدين، وتمامه بالرسالة الأخيرة، ونسخها لما عداها.

وذلك بأن صلى عليه الصلاة والسلام بالأنبياء ركعتين، فهو الإمام المتبوع كرامة له ولأمته، ثم صعد به جبريل إلى السماء الدنيا، فلما وصلها طلب الإذن، فقال حارس السماء الدنيا: من معك؟ قال: محمد، قال: أوقد بُعِث؟ قال: نعم، قال: فمرحباً به فنعم المجيء جاء، وهكذا يفعل معه في كل سماء يرحب به.

وفي السماء الأولى وجد آدم عليه السلام فسلم عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال آدم: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح.

ثم عرج به إلى السماء الثانية فوجد عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا عليهما السلام.

 

وفي السماء الثالثة وجد يوسف عليه السلام وقد أعطى شطر الحسن.

وفي الرابعة وجد إدريس عليه السلام.

وفي الخامسة وجد هارون عليه السلام.

وفي السادسة وجد موسى عليه السلام.

وفي السابعة وجد إبراهيم عليه السلام مستنداً إلى البيت المعمور، يدخل كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون، وكل منهم عليهم السلام يُسلِّمُ عليه ويُرحِّبُ به.

ثم غادر به عليه السلام السبع السموات، وعرج به إلى سدرة المنتهى نهاية المخلوقات {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [النجم: 16] من أمره سبحانه، ولا يستطيع وصفها من جمالها وحسنها، فأوحى الله إلى عبده ما أوحى وفرض عليه خمسين صلاة، فلما نزل ومر بموسى عليه السلام قال راجع ربك فقد جربت بني إسرائيل في أقل من ذلك فما زال يخفف المولى سبحانه وتعالى من خمسين إلى أربعين وثلاثين وعشرين، وموسى عليه السلام في نصحه للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته، يقول راجع ربك حتى بلغت خمساً، فقال راجع ربك وسله التخفيف، فقال عليه الصلاة والسلام استحييت من ربي، فقال المولى سبحانه وتعالى: «إنه لا يبدل القول لدي، قد أمضيت فريضتي على عبادي: خمس في العمل، وخمسون في الميزان».

ورأى في رحلته صلى الله عليه وسلم الجنة والنار، ورأى فيها أصنافاً من المعذبين والمنعمين، آكِلِي الربا، وجزاء الزناة، وآكلي لحوم البشر من المغتابين، ومن يقع في أعراضهم، وآكلي أموال اليتامى، والمتثاقلين عن الصلوات المكتوبة.

ثم عاد عليه الصلاة والسلام إلى فراشه في نفس الليلة قبل الصبح، فلما كان من الصبح قصَّ على أهله ما رأى، لا سيما الإسراء، فأكثر المشركون من الاستهزاء به والتكذيب له وسبه وأصحابه، وشكَّكُوا الناس في صحة كلامه حتى ارتدَّ بعض من آمن.

وكان كلما تكلم بكلمةٍ قال أبو بكر: صدق، فقال أبو جهل: يا أبا بكر أتُصدِّقُ ما يقول صاحبك أنه ذهب إلى بيت المقدس وعاد في نفس الليلة، ونحن نذهب شهر ونعود شهر؟ فقال الصديق: أُصدِّقُه بالخبر يأتيه من السماء، أفلا أُصدِّقُه ببيت المقدس، فسُمِّيَ صديقاً.

قال أبو جهل مستهزءاً مكذباً بالنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد! إن كنت ذهبت إلى بيت المقدس فصِفْه لنا؟ ولم يسبق للنبي صلى الله عليه وسلم أن ذهب إليه قبل ذلك، وكان ذهابه ليلاً وزحمة الأنبياء شديد، يقول عليه الصلاة والسلام كما في (صحيح مسلم): «فأصابني كرب لم يصبني قط، فجلاه الله لي فوصفته لهم».

فقال أبو جهل: الوصف صادق، والواصف كذاب {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ} [الأنعام: 33] - أي يعلمون صدقك - {وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: 33].

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 1 - 18].


عباد الله في هذه الرحلة العظيمة والآية الباهرة دروس وعظات، فمنها: عظم مكانة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه ورفعه إلى أعلى مقام وصلاته بالأنبياء، وقد قال سبحانه {لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى} [سورة طـه: 23] وقال سبحان {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [سورة النجم: 18] ومنها نسخ الشرائع السابقة وختم النبوة به، وأنه الإمام المتبوع، فالأنبياء كلهم يقتدون به، فغيرهم من باب أولى، ومنها وحدة رسالة الأنبياء إذ جميعهم في صلاة واحدة خلف إمام واحد يعبدون رباً واحداً، ومنها معية الله ونصرته لرسوله صلى الله عليه وسلم في تجلية بيت المقدس له {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [سورة غافر: 51] ومنها أهمية الصلوات الخمس حيث فرضت في أعلى مكان من المولى سبحانه وتعالى إلى نبيه عليه الصلاة والسلام، وأنها لها مزية عن سائر العبادات، خمس في العمل وخمسون في الميزان.


ومنها ميزة المسجد الحرام والمسجد الأقصى وما لهما من شرف عظيم، وقد قال سبحانه عن المسجد الحرام {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} [سورة آل عمران: 96] ومن بركته مضاعفة الأجر فيه، وقال عن المسجد الأقصى {الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [سورة الإسراء: 1] ومنها مزية لهذه الأمة بأنها على الفطرة والدعاء للنبي وأمته بالهداية، ومنها ميزة للصديق رضي الله تعالى عنه وعظيم إيمانه وتصديقه، ومنها فضيلة المجاهدين في سبيل الله تعالى، وسوء عاقبة الزناة والمتثاقلين عن الصلاة وأكلة الربا وأكلة أعراض البشر ومنها عظم شأن الأنبياء في السموات وأعلاهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [سورة الإسراء: 1].

 

أقول ما تسمعون سائلاً المولى سبحانه وتعالى أن ينفعنا بالقرآن العظيم، ثم أصلي وأسلم على النبي الكريم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.

_________________________________________________
الكاتب: أ. د. خالد بن عبدالله بن عبدالعزيز القاسم

  • 1
  • 0
  • 3,562

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً