حلاوة الإيمان وحقيقته

منذ 2022-02-20

الإيمان استقرار القلوب ونور الجباه وزاد الحياة، الإيمان علاج لكل داء، ومورد عطايا السماء، وأرض خصبة لإجابة الدعاء، من رزق الإيمان فهو المرحوم، ومن فقد الإيمان فهو المحروم.

الإيمان استقرار القلوب ونور الجباه وزاد الحياة، الإيمان علاج لكل داء، ومورد عطايا السماء، وأرض خصبة لإجابة الدعاء، من رزق الإيمان فهو المرحوم، ومن فقد الإيمان فهو المحروم.

 

بالإيمان القوي تتحدى الشدائد مهما عظمت، وتنتصر على الخطوب مهما كبرت، وتتفوق على الأعداء مهما كثرت!!

 

والذي يملك الإيمان تجده يملك الدنيا ولا تملكه، تحيط به النعمة ولا تبطره، تحاصره النوازل ولا تقهره، يخرج من ضيقه وشدائده أكثر إيمانًا وأعظم صمودًا وأوسع صدرًا كالذهب الأصيل إذا وضع في النار فإنه يخرج منها أعظم بريقًا وأكثر لمعانا!!

 

وإذا خالطت حلاوة الإيمان بشاشة القلوب فلا يمكن للعبد أن يتخلَّى عن دينه أو أن يرتد عن عقيدته أو ينسلخ عن مبادئه مهما كانت الأسباب ومهما بلغت المغريات، مهما تنوعت طرق الإغراء أو تعددت سبل الإغواء، ولذلك قال هرقل لأبي سفيان كما في البخاري: وسألتك هل يرتد أحد منهم سخطًا على دينه بعد أن يدخل فيه؟ فأجبت: لا وكذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب.

 

وعندما يتلذذ العبد بالطاعات، ويتحمل المشاقّ في سبيل رضا الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وسلم، وتفضيله ذلك على الدُنيا، فهو يجد حلاوة الإيمان في قلبه راضيا بالله ربًّا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيًّا ورسولًا، يقول عليه الصلاة والسلام: « ذاقَ طَعْمَ الإيمانِ مَن رَضِيَ باللَّهِ رَبًّا، وبالإسْلامِ دِينًا، وبِمُحَمَّدٍ رَسولًا ».

 

فلذّة الطاعة لا تُشبه لذّة المعصية؛ لأنّ لذّة الإيمان قلبيّة روحيّة، ولذّة المعصية شهوانيّة جسدية، تتبعها الحسرة والندم.

حقيقة الإيمان: حقيقته في اللسان، وحقيقة في القلب والجنان، وحقيقة في الجوارح والأركان.

أماحقيقة اللسان فهي: النطق بالشهادتين. وحقيقة القلب هي: الجزم الذي لا يخالطه أدنى شك على قضايا الإيمان.

 

وأما حقيقة الإيمان في الجوارح والأركان فهي: الخضوع والإذعان والاستسلام لكل أوامر الله، والبعد كل البعد عن كل ما حرم الله، وهذا هو الإيمان الحقيقي.

 

ومن الناس من يقول: آمنتُ بلساني فيكذب، ومنهم من يقول: آمنتُ بقلبي فيكذب كذلك، يقول الله تعالي: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّابِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَاهُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُواوَمَايَخْدَعُونَ إِلَّاأَنْفُسَهُمْ وَمَايَشْعُرُونَ * فِيقُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَاكَانُوايَكْذِبُونَ} [البقرة: 8 - 10].

 

أما عباده المخلصين فالله يزين الإيمان في قلوبهم ويحببه إليهم: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 7]، وبالتالي يرون الوجود جميلا، والحياة رائعة يشعرون بالغبطة، يدفعهم إيمانهم إلى في فعل المأمور وترك المحظور والصبر على المقدور.

 

الإيمان نور؛ قال تعالى: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى: 52].

 

نور الايمان يسعى للمؤمنين يضيء طريقهم ويخبرهم بمصيرهم؛ {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الحديد: 12].

 

آيات تنير القلوب، تضيء البصيرة، وتشرح الصدر، تزيد من الخشية والرهبة، وتدفع إلى الرغبة الحية في التوجه إلى الله والإخلاص له والركون إليه، والتجرد من الأثقال المعوقة عن تلبية الحق وأهله، إنها الصورة الوضيئة للمؤمنين والمؤمنات، {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ}.. وتلك الصورة التي تقرر ضآلة الحياة الدنيا وقيمها إلى جانب قيم الآخرة، {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى: 17].

 

قوله تعالى: {بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [الحديد: 12]؛ أي: من تحتهم أنهار اللبن والماء والخمر والعسل من تحت مساكنها.

 

الإيمان بستان في صدر الإنسان عندما يكون عبدًا للرحمن، عدوًا للشيطان.

 

حلاوة الإيمان وجدتها امرأة غاضبها زوجها قائلا لها لأشقينك، قالت: لن تستطيع، قال كيف؟! قالت: سعادتي في إيماني وإيماني في قلبي وقلبي لا سلطان عليه غير ربي.

 

إن الإيمان بالله يشعرها بحقيقة الحياة؛ {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 122].

 

حلاوة الإيمان وجدها ابن تيمية:

قال العلامة ابن تيمية رحمه الله تعالى: بستاني في إيماني، وإيماني في قلبي، وقلبي في صدري.. إن قتلوني فقتلي شهادة، وإن سجنوني فسجني خلوة، وإن قتلوني فقتلي شهادة.

 

الإيمان لا يتسرب للفاسدين، ولا يُهدي إليهم ولو في أحلك الظروف، ولو على فِراش الموت، فكُلُّهم يؤمن، حتى فرعون، مَن الذي أنكر وُجود الله؟ اقال تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًاوَعَدْوًاحَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَاإِلَهَ إِلَّاالَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوإِسْرَائِيلَ وَأَنَامِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 90].

 

لكن هيهات هيهات، سبق القرار من صاحب البِحار والأنهار: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 91]، بعد كل الذي عمِلتَه من فساد في الأرض وإفساد في الحياة، {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس: 92].

 

والإيمان يشعر الإنسان أن الله هو الغني الحميد.. كي تستقر النفس وتطمئن لما يصيبها من خير أو شر، وهي في طريقها إلى الله. فلا تطير جزعًا، ولا تبطر فرحًا، ولا تشتاط غضبًا وهي تواجه الضراء والسراء، ولا تشرك بالله سببًا ولا ظرفًا ولا حدثًا، فكله بقدر مقسوم لأجل معلوم ومصير محتوم، ومرد الأمر كله في النهاية إلى الله، {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود: 123].

 

ولا شك أن الإيمان نور يقذفه الله في قلوب من يشاء من عباده، وأن الكفر ظلام يملأ قلوب أصحابه. قال تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوايُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَىالنُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُواأَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَىالظُّلُمَاتِ} [البقرة: 275].

 

وأحسن شيء الإيمان وأقبح شيء الكفر بعد الإيمان، روى الإمام ابن كثير في تفسيره قال:

(لما وهب الله لداود سليمان قال: يا بني أي شيء أحسن؟ قال: سكينة الله والإيمان. قال فأي شيء أقبح؟ قال: كفر بعد إيمان. قال: فأي شيء أحلى؟ قال روح الله بين عباده. قال: فأي شيء أبرد؟ قال: عفو الله على الناس وعفو الناس بعضهم على بعض، قال: فأنت بني).

 

حلاوة الإيمان وجدها خبيب رضي الله عنه وأرضاه: فقد أخذ في بعث الرجيع سنة أربع في صفر وبيع في قريش فلما أخرجوه ليقتلوه قال له أبو سفيان: أتحب أن محمدًا عندنا نضرب عنقه وأنت بين أهلك؟ قال: لا والله ما أحب أني في أهلي وأن محمدا في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه. وقال: اللهم أحصهم عددا وأهلكهم بددًا ولا تبق منهم أحدًا.

 

وكان مما قال من الشعر قبل موته:

لقد أجمع الأحزاب حولي وألبـــــــوا   ***   قبائلهم واستجمعوا كل مجمـــــــــــع 

وقد قربوا أبناءهم ونساءهـــــــــــم   ***   وقربت من جذع طويل ممنـــــــــــــع 

إلى الله أشكو غربتي بعد كربتــــي   ***   وما جمع الأحزاب لي عند مضجعــــي 

فذا العرش صبرني على ما يراد بي   ***   فقد بضعوا لحمي وقد بؤس مطمعـي 

وقد خيروني الكفر والموت دونـــه   ***   فقد ذرفت عيناي من غير مدمـــــــــع 

ولست أبالي حين أقتل مسلمًـــــــا   ***   على أي شِقٍّ كان في اللهِ مصرعِــــــي 

وذلك في ذاتِ الإله وإن يشـــــــــأ   ***   يبارك على أوصال شلوٍ ممـــــــــــــزع 

 

إنه الايمان الذي وقر في القلوب، الإيمان الذي تطيش الجبال ولا يطيش.

 

حلاوة الإيمان وجدها عمار بن ياسر رضي الله عنه وأرضاه: فكان عذابه شديدًا، تنوعت فيه قريش بين الضرب وإخراجه في الرمضاء ووضع الصخرة على صدره وبين تحريقه بالنار تارة وتغريقه بالماء تارة، وقالوا: لا نتركك حتى تسبَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم فلما طغى العذاب ولم يعد يتحمل تلفظ بذلك. ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم باكيًا فأنزل الله: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106]. ففاز بشهادة الله له بالإيمان وكذا شهادة رسوله عندما قال: «عمار ملئ إيمانًا إلى مشاشه».

 

حلاوة الإيمان وجدتها سمية حينما أبت أن تسب رسول الله أو تنسلخ عن الإسلام، فتفلت في وجه الملعون أبي جهل فضربها بحريته في مكان عفتها فلقيت ربها أول شهيدة في الإسلام، لكنها تركت للأجيال اللاحقة شجرة الإيمان خفاقة عالية تترعرع مع الأيام وتزداد روعة وجمالًا ونضارة!!

 

حلاوة الإيمان وجدها سحرة فرعون: فقد كان السحرة قبل إلقاء موسى عصاه كفارًا ضلالًا يطلبون المكافأة عند فرعون فإذا بموسى يلقي عصاه فما هي إلا أن عرفوا أن ذلك من عند الله فخروا ساجدين لله مؤمنين به لا يتركون دينهم الجديد حتى وإن قطع فرعون أيديهم وأرجلهم من خلاف وصلبهم في جذوع النخل.. فقد انتهى الأمر وذاقوا حلاوة الإيمان فقالوا: {لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَاجَاءَنَامِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَاأَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَاتَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طـه: 72].

 

حلاوة الإيمان وجدها أصحاب الأخدود: وهذا الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فيما ذكره ربنا تبارك وتعالى في سورة البروج قال تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَاقُعُودٌ، وَهُمْ عَلَىمَايَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَانَقَمُوامِنْهُمْ إِلاأَنْ يُؤْمِنُوابِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِيلَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَىكُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [البروج: 4 – 7].

 

حلاوة الإيمان وجدها غلام الاخدود ولم يرجع عن دينه: وقد روى الحديث الذي فيه قصة - أصحاب الأخدود - الإمام مسلم في صحيحه عن صهيب رضي الله عنه، وفي الحديث أن الملك عذب الغلام حتى دل على الراهب قال صلى الله عليه وسلم: «فجئ بالراهب. فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى. فدعا بالمنشار فوضع المنشار على مفرق رأسه. فشقه حتى وقع شقاه. ثم جئ بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى. فوضع المنشار في مفرق رأسه. فشقه به حتى وقع شقاه».

 

ولما آمن الناس في النهاية واتبعوا دعوة الغلام وتركوا دين الملك أمر (الملك) بالأخدود في أفواه السكك فخدت. وأضرم (فيها) النيران. وقال: من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها. أو قيل له: اقتحم. ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها. فقال لها الغلام: يا أمه! اصبري. فإنك على الحق.

 

حلاوة الإيمان وجدها بلال بن رباح رضي الله عنه وأرضاه: كان مولى أمية بن خلف فكان يضع في رقبته حبلا ويسلمه إلى الصبيان يطوفون به في جبال مكة. وكان يجبره على الجوع والعطش ويشده ويضربه بالعصا. وكان إذا اشتدت الرمضاء يطرحه في بطحاء مكة، ثم يوضع على صدره الصخرة العظيمة ويقول له: لا والله لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم وتعبد اللات والعزى. فيقول قولته الخالدة: أحد أحد،

 

حلاوة الإيمان وجدها الزبير بن العوام رضي الله عنه وأرضاه: ما جرى للزبير بن العوام رضي الله عنه من تعذيب عمه له كما أخرج الحاكم عن أبي الأسود عن عروة قال: أسلم الزبير بن العوام وهو ابن ثمان سنين وهاجر وهو ابن ثمان عشرة سنة وكان عم الزبير يعلق الزبير في حصير ويدخن عليه بالنار ويقول: ارجع إلى الكفر فيقول الزبير: لا أكفر أبدًا.

 

حلاوة الإيمان وجدهها مصعب بن عمير رضي الله عنه وأرضاه: بعد أن كان فتى مكة المدلل جوعته أمه وعذبته وأخرجته حتى تخشف جلده كتخشف الحية وما ترك دينه حبا لله ولرسوله.

 

حلاوة الإيمان وجدها خباب بن الأرت: صاحب حديث النصرة ـ وحتى لا يظن أحد أنهم أول ما عذبوا سألوا النصرة، وإنما سألوها بعد أن بلغت بهم البلايا كل مبلغ ـ وخباب هو مولى أم أنمار بنت سباع الخزاعية. وقد تعرض خباب لشتى ألوان العذاب، لكنه تحمل وصبر في سبيل الله، فقد كانوا يضعون الحديد المحمي على جسده فما يطفئ النار إلا الدهن الموجود في ظهره، وقد سأله عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- يومًا عما لقي من المشركين، فقال خباب: يا أمير المؤمنين، انظر إلى ظهري، فنظر عمر، فقال: ما رأيت كاليوم، قال خباب: لقد أوقدت لي نار، وسحبت عليها فما أطفأها إلا ودك ظهري (أي دهن الظهر).

 

حلاوة الإيمان وجدتها ابنة ماشطة فرعون: جاءت الرواية على لسان جبريل، كما وردت الحديث في المسند عن ابن عباس، أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال: «لما كانت الليلة التي أسري بي فيها -يقصد ليلة الإسراء والمعراجأتت علي رائحة طيبة، فقلت: يا جبريل، ما هذه الرائحة الطيبة؟ فقال: هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها، قَال: قلت: وما شأنها؟ قَال: بينما هي تمشط ابنة فرعون ذات يوم، إذ سقطت المدرى من يديها، فقالت: بسم اللَّه، فقالت لها ابنة فرعون: أبي؟ قالت: لا، ولكن ربي ورب أبيك اللَّه، قالت: أخبره بذلك! قالت: نعم، فأخبرته، فدعاها فقال: يا فلانة؛ وإن لك ربا غيري؟ قالت: نعم؛ ربي وربك اللَّه، فأمر ببقرة من نحاس فأحميت -والتَّبقُّر، هو التوسع- ثم أمر بها أن تلقى هي وأولادها فيها، قالت له: إن لي إليك حاجة، قال: وما حاجتك؟ قالت: أحب أن تجمع عظامي وعظام ولدي في ثوب واحد وتدفننا، قال: ذلك لك علينا من الحق، قال: فأمر بأولادها فألقوا بين يديها واحدا واحدا إلى أن انتهى ذلك إلى صبي لها مرضع، وكأنها تقاعست من أجله، قال: يا أمه؛ اقتحمي فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فَاقْتَحَمَتْ»

حلاوة الإيمان ذاقتها الزنيرة: مما أخرجه البيهقي عن صبر النساء ما جاء عن الزِّنِّيرة ومدى عذابها وصبرها في الله حتى أعتقها أبو بكر رضي الله عنه فيمن أعتق من ضعفاء المسلمين الذين عذبوا في الله تعالى، قال البيهقي: فذهب بصرها وكانت ممن يعذب في الله على الإسلام، فتأبى إلا الإسلام، فقال المشركون: ما أصاب بصرها إلا اللات والعزى، فقالت: كلا والله ما هو كذلك، (وفي بعض الروايات: وما تدري اللات والعزى من يعبدهما، ولو شاء الله لرد علي بصري) فرد الله عليها بصرها.

 

حلاوة الإيمان ذاقتها الخنساء - رضي الله عنها - وقد مات ولدها وزوجها ووالدها وأخيها - في غزوة أحد -فلا تبالي في أنها تسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل هو بخير، قالت أرينه، فلما رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل يا رسول الله (أي:هينة).

 

عندما يتلذذ العبد بالطاعات، ويتحمل المشاقّ في سبيل رضا الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وسلم، وتفضيله ذلك على الدُنيا، فهو يجد حلاوة الإيمان في قلبه، يقول عليه الصلاة والسلام «ذاقَ طَعْمَ الإيمانِ مَن رَضِيَ باللَّهِ رَبًّا، وبالإسْلامِ دِينًا، وبِمُحَمَّدٍ رَسولًا».

 

فلذّة الطاعة لا تُشبه لذّة المعصية؛ لأنّ لذّة الإيمان قلبيّة روحيّة، ولذّة المعصية شهوانيّة جسدية، تتبعها الحسرة والندم.

 

حلاوة الإيمان ذاقها الأغنياء والفقراء، والأحرار والعبيد، والرجال والنساء، فخرجوا من الفتنة كما تخرج الشعرة من العجين، إن أهل الإيمان يضحون بأنفسهم في سبيل هذا الدين ويتحملون أنواع الأذى في سبيل إظهار دعوتهم، والصبر والثبات عليها، وكيف تغلبت بشاشة الإيمان وحلاوة الإسلام على ظلمات الجهل ودركات الجاهلية!!

 

حلاوة الإيمان ذاقها المجاهدون في كل الميادين، والمرابطون على كل الثغور، والمقيدون المكبلون في غياهب الظلم والظالمين فصبروا واحتسبوا حتى أرضاهم الرحمن ورفع قدرهم الإيمان.

 

إن الإيمان يشد أصحابه إلى الآخرة ويحببهم في لقاء ربهم والنظر إلي وجهه الكريم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم فتهون عليهم الحياة الدنيا، فإذا عرفوا قيمة هذا الدين، عملوا له واعتزوا به وافتخروا بتعاليمه وبذلوا أرواحهم في سبيله.

 

وبعد فهل تذوقت حلاوة الإيمان؟!

نعم للإيمان حلاوة تجدها في قلبك فيطمئن ولا يخرج عنه إلا ما ينفع البلاد والعباد، وفي عقلك فيسمو ولا يمكر شيئًا، وفي جوارحك فتنطلق لفعل الخير وتمسك عن الشر، نعم فالإيمان هو حياة القلوب، وراحة الأبدان، وبلسم السعادة، ومصدر الطمأنينة، ومناط النجاة في الدنيا والآخرة، فهو يورث القلوب طمأنينة، والنفوس رضى، والأبدان راحة، وكلما تدرج العبد في مراتب الإيمان ذاق طعمه، ووجد حلاوته، وعاش حقيقته واطمأنت نفسه، قال صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار» (متفق عليه).

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا واجعلنا من الراشدين.

___________________________________________________________
الكاتب: خميس النقيب

  • 0
  • 0
  • 4,286

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً