فوائد من فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن رجب
* قال سفيان الثوري: لو أن اليقين وقع في القلب كما ينبغي لطارت القلوب اشتياقاً إلى الجنة وخوفاً من النار.
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمن مؤلفات الحافظ ابن رجب رحمه الله "فتح الباري شرح صحيح البخاري" الذي شرح فيه قطعة من صحيح البخاري, قال ابن ناصر الدين الدمشقي: شرح من أول صحيح البخاري إلى الجنائز شرحاً نفيساً.
وشرحه فيه الكثير من الفوائد, وقد يسّر الله الكريم لي فاخترت بعضاً منها, أسأل الله أن ينفعني والقرّاء بها.
* من زاد ذكره لله وتلاوته لكتابه زاد إيمانه, ومن ترك الذكر الواجب بلسانه نقص إيمانه.
* قال سفيان الثوري: لو أن اليقين وقع في القلب كما ينبغي لطارت القلوب اشتياقاً إلى الجنة وخوفاً من النار.
* كان ابن مسعود يقول في دعائه: اللهم زدنا إيماناًً ويقيناً وفهماً.
* ما استجلب العبد من الله ما يحب واستدفع منه ما يكره بأعظم من اشتغاله بطاعة الله وعبادته وذكره, وهو حقيقة الإيمان, فإن الله يدفع عن الذين آمنوا.
* كان سفيان يقول: الدعاء: ترك الذنوب, يعني: الاشتغال بالطاعة عن المعصية
* الإيمان له حلاوة وطعم يذاق بالقلوب كما يذاق حلاوة الطعام والشراب بالفم, فإن الإيمان هو غذاء القلوب وقوتها كما أن الطعام والشراب غذاء الأبدان وقوتها, وكما أن الجسد لا يجد حلاوة الطعام والشراب إلا عند صحته فإذا سقم لم يجد حلاوة ما ينفعه من ذلك, بل قد يستحلي ما يضره وما ليس فيه حلاوة لغلبة السقم عليه, فكذلك القلب إنما يجد حلاوة الإيمان من أسقامه, فإذا سلم من مرض الأهواء المضلة والشهوات المحرمة وجد حلاوة الإيمان حينئذ, ومتى مرض وسقم لم يجد حلاوة الإيمان, بل يستحلي ما فيه هلاكه من الأهواء والمعاصي, ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم : «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» لأنه لو كمل لوجد حلاوة الإيمان فاستغنى بها عن استحلاء المعاصي. سئل وهيب بن الورد: هل يجد طعم الإيمان من يعصي الله؟ قال: لا, ولا من هم بالمعصية. قال ذو النون: كما لا يجد الجسد لذة الطعام عند سقمه كذلك لا يجد القلب حلاوة العبادة مع الذنوب.
* محبة الله على درجتين:
إحداهما: فرض, وهي المحبة المقتضية لفعل أوامره الواجبة, والانتهاء عن زواجره المحرمة, والصبر على مقدوراته المؤلمة, فهذا القدر لا بد منه في محبة الله, ومن لم تكن محبته على هذا الوجه فهو كاذب في دعوى محبة الله....فمن وقع في ارتكاب شيء من المحرمات أو أخل بشيء من فعل الواجبات فلتقصره في محبة الله, حيث قدم محبة نفسه وهواه على محبة الله, فإن محبة الله لو كملت لمنعت من الوقوع فيما يكرهه
الدرجة الثانية من المحبة: وهي فضل مستحب: أن ترتقي المحبة من ذلك إلى التقرب بنوافل الطاعات والانكفاف عن دقائق الشبهات والمكروهات, والرضى بالأقضية المؤلمات.قال عمر بن عبدالعزيز لما مات ولده الصالح: إن الله أحب قبضه, وأعوذ بالله أن تكون لي محبة تخالف محبة الله.
* محبة الرسول فتنشأ عن معرفته ومعرفة كماله وأوصافه, وعظم ما جاء به...وهي أيضاً على درجتين:
إحداهما: فرض, وهي ما اقتضى طاعته في امتثال ما جاء به من الواجبات والانتهاء عما نهى عنه من المحرمات والرضى بذلك, وأن لا يجد في نفسه حرجاً مما جاء به ويسلم له تسليماً, وأن لا يتلقى الهدى من غير مشكاته
الدرجة الثانية: فضل مندوب إليه, وهي: ما ارتقى بعد ذلك إلى اتباع سنته وآدابه وأخلاقه والاقتداء به في هديه وسمته وحسن معاشرته لأهله وإخوانه, وفي التخلق بأخلاقه الظاهرة في الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة وفي جوده وإيثاره وصفحه وحلمه وتواضعه وفي أخلاقه الباطنة من كمال خشيته لله ومحبته له, وشوقه إلى لقائه ورضاه بقضائه, وتعلق قلبه به دائما, وصدق الالتحاء إليه والتوكل والاعتماد عليه.
* لا تتم محبة الله ورسوله إلا بمحبة أوليائه وموالاتهم وبغض أعدائه ومعاداتهم
* المؤمن يحب الإيمان أشد من حب الماء البارد في شدة الحر للظمآن
* الصحيح أن التائب توبة نصوحاً مغفور له جزماً, لكن المؤمن يتهم توبته, ولا يجزم بصحتها وقبولها, فلا يزال خائفاً من ذنبه وجلاً.
* جمهور العلماء على أن من تاب من ذنب فالأصل أن يستر على نفسه ولا يقرَّ به عند أحد, بل يتوب منه فيما بينه وبين الله عز وجل
* سير آخر الليل محمود في سير الدنيا بالأبدان, وفي سير القلوب إلى الله بالأعمال.
* ما يذكر في مناقب العباد من الاجتهاد المخالف للشرع ينهي عن ذكره, على وجه التمدح به, والثناء به على فاعله.
* قال الحسن: إن دور الجنة تبنيها الملائكة بالذكر, فإذا فتر العبد انقطع الملك عن البناء, فتقول له الملائكة: ما شأنك يا فلان؟ فيقول: إن صاحبي فتر. قال الحسن: -أمدوهم رحمكم الله_ بالنفقة.
* لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الرؤية في حديث جرير بن عبدالله البجلي أمر عقب ذلك بالمحافظة على الصلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها,...فمن حافظ على هاتين الصلاتين على مواقتيهما وأدائهما وخشوعهما وحضور القلب فيهما رُجي له أن يكونُ ممن ينظر إلى الله في الجنة في وقتهما
* قال سفيان الثوري: خلاف ما بيننا وبين المرجئة ثلاث:
نقول الإيمان قول وعمل. ويقولون: الإيمان قول ولا عمل.
ونقول: الإيمان يزيد وينقص. وهم يقولون: لا يزيد ولا ينقص.
ونقول: النفاق. وهم يقولون: لا نفاق.
* قيل: إن البيعة سميت بيعة لأن صاحبها باع نفسه لله
* الإصرار على المعاصي وشعب النفاق من غير توبة يخشي منها أن يعاقب صاحبها بسلب الإيمان بالكلية, وبالوصول إلى النفاق الخالص, وإلى سوء الخاتمة, نعوذ بالله من ذلك. كما يقال: إن المعاصي بريد الكفر.
* الجلباب: هي الملاءة المغطية للبدن كله, تلبس فوق الثياب.
* المشروع تميز النساء عن الرجال جملة, فإن اختلاطهن بالرجال يُخشى منه وقوع المفاسد.
* وقد فسر عبيدة السلماني قول الله عز وجل: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ} [الأحزاب:59] بأنها تدنيه من فوق رأسها, فلا تظهر إلا عينها, وهذا كان بعد نزول الحجاب, وقد كن قبل الحجاب يظهرن بغير جلباب, ويرى من المرأة وجهها وكفاها, وكان ذلك ما ظهر منها من الزينة في قوله عز وجل: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } [النور:31] ثم أمرت بستر وجهها وكفيها.
* القلوب تستجيب إلى الحق بالموعظة الحسنة ما لا تستجيب بالعنف, لا سيما إذا عمَّ بالموعظة ولم يخص أحداً, وإن خصمه فإنه يلين له القول.
* رأى الحسن قوماً يزدحمون على حمل نعش بعض الموتى الصالحين, فقال: في عمله تنافسوا."
يشير إلى أن المقصود الأعظم متابعته في عمله لا مجرد ازدحام على حمل نعشه
* في هذا تحذير من الغفلة عن تدبر الآيات فمن رأى ما حلّ بالعصاة ولم يتنبه بذلك من غفلته, ولم يتفكر في حالهم, ويعتبر بهم فليحذر من حلول العقوبة به, فإنها إنما حلت بالعصاة لغفلتهم عن التدبر وإهمالهم اليقظة والتفكر.
* قال ابن راهويه: المساجد لا ينبغي أن تزين إلا بالصلاة والبر.
* قال سفيان الثوري: يكره النقش والتزويق في المساجد, وكل ما تزين به المساجد...إنما عمارته ذكر الله عز وجل.
* روى عن بعض السلف أن أول ما استنكر من أمر الدين لعب الصبيان في المساجد.
* كان للإمام أحمد مكان يقوم فيه في الصلاة المكتوبة خلف الإمام, فتأخر يوماً فنحاه الناس وتركوه, فجاء بعد ذلك فقام في طرف الصف ولم يقم فيه, وقال: قد جاء أنه يكره أن يوطن الرجل مكانه.
* كان كثير من السلف يأتي المسجد قبل الأذان, منهم: سعيد بن المسيب, وكان الإمام أحمد يفعله في صلاة الفجر.
* قال بعض السلف في قول الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} [الواقعة:10] إنهم أول الناس خروجاً إلى المسجد والجهاد وفي قوله: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } [الحديد:21] قال مكحول: التكبيرة الأولى مع الإمام, وقال غيره: التكبيرة الأولى والصف الأول.
* روى أن تسوية الصفوف وإقامتها توجب تآلف القلوب
* قال ابن عبدالبر: لا أعلم خلافاً بين العلماء أن من بكر وانتظر الصلاة, وإن لم يصل في الصف الأول, أفضل ممن تأخر ثم تخطى الصفوف إلى الصف الأول.
* مفتاح الصلاة: الطهور, ولها افتتاح بالتكبير, ولها استفتاح وهو ما يقوله بين التكبير والقراءة من الذكر والدعاء.
* قال بعض السلف: لولا من يذكر الله في غفلة الناس لهلك الناس
* الصلاة قوت قلوب المؤمنين وغذاؤها, بما اشتملت عليه من ذكر الله ومناجاته وقربه, فمن أتم صلاته فقد استوفى غذاء قلبه وروحه, فما دام على ذلك كملت قوته ودامت صحته وعافيته, ومن لم يتم صلاته فلم يستوف قلبه وروحه قوتها وغذاءها, فجاع قلبه وضعف, وربما مرض أو مات لفقد غذائه, كما يمرض الجسد ويسقم إذا لم يكمل تناول غذائه وقوته الملائم له.
* الغناء المهيج للطباع, المثير للهوى, فلا يباح لرجل ولا امرأة فعله, ولا استماعه, فإنه داع إلى الفسق والفتنة في الدين, والفجور, فيحرم, كما يحرم النظر بشهوة إلى الصور الجميلة, فإن الفتنة تحصل بالنظر والسماع, ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم زنا العينين: النظر, وزنا الأذن: الاستماع...وقد بسطنا القول في حكم الغناء وآلات اللهو في كتاب مفرد سميناه " نزهة الاستماع في مسألة السماع "
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
- التصنيف: