كتاب أدبى عظيم لا يعرفه أكثر الأدباء
المعتز بالله الكامل محمد علي
وكل قطعة أدبية ساقها فى فاضله ، فهو جدير بهذا الإسم ، ثم هو قد ازداد زينة وبهاء وجمالا بتحقيق العلامة عبدالعزيز الميمنى الراجكوتى
- التصنيفات: الشعر والأدب -
أكثر شداة الأدب والمحبين له والحريصين على اقتناء كتبه يعرفون كتاب الكامل لإمام اللغة العظيم أبى العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر المعروف بالمبرد ، فهو كتاب عظيم النفع جليل القدر ، وهو من الكتب التى تهتم بالإنتقاء ، فصاحبه رحمه الله يذكر آيات من كتاب الله أو أحاديث من أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم أو أبياتا شعرية أو خطبة أو قطعة أدبية فنية رائقة ثم يشرح غريب الألفاظ التى توجد فيها ثم يتعرض أحيانا لوجوه اللغة ، وهو كتاب عظيم الفائدة غزير المادة ، قد طبقت شهرته الآفاق خاصة بعد ما نقله ابن خلدون فى مقدمة تاريخه حين قال ((وسمعنا من شيوخنا فى مجالس التعليم أن أصول هذا الفن وأركانه (يعنى علم الأدب ) أربعة دواوين وهى أدب الكتاب لابن قتيبة وكتاب الكامل للمبرد وكتاب البيان والتبيين للجاحظ وكتاب النوادر لأبى على القالى )).
لكن مالا يعرفه أكثر أدبائنا هو أن للمبرد كتابا آخر لا يساوى كتاب الكامل ولا يدنيه فى الإشتهار ومعرفة الناس به ، لكننى لعلى لا أبالغ إذا قلت أن هذا الكتاب الآخر على صغر حجمه يفوق كل كتب الأدب التى اهتمت بانتقاء أطايب الكلام كديوان المعانى لأبى هلال العسكرى ، والبيان والتبيين للجاحظ ، والكامل للمبرد ، والأمالى لأبى على القالى ، إذ أن كتابنا الذى نتحدث عنه اليوم قد فاق جميع هذه الكتب فى جودة الإنتقاء ، وجمال الإختيار ، وحسن الإصطفاء ، فقد أحسن مؤلفه الإختيار لكل شئ وضعه فى هذا الكتاب ، فهو قد اختار من الشعر أعذبه ( ولست أعنى بأعذبه أكذبه ) بل قد أتقن صاحبه اختيار كل بيت ذكره فى كتابه ، وكل قطعة أدبية ساقها فى فاضله ، فهو جدير بهذا الإسم ، ثم هو قد ازداد زينة وبهاء وجمالا بتحقيق العلامة عبدالعزيز الميمنى الراجكوتى ، فخرج على الأدباء يرفل فى حلة فوقها زينة وبهاء، حلة مؤلفه ، وزينة محققه ، فغدا نورا على نور وبهاء على بهاء ، وأنا ناقل لك بعض ما أورده مؤلفه من أبيات رائقة ، ومن قطع أدبية فريدة ، على أنى لن أُكثر لا لخوف الملالة على قارئى الكريم فإن هذا الكتاب من الكتب النادرة التى لا يعرف الملالة ولا السآمة قارئها ، بل لأن المقالة لن تتسع لأكثر مما سأنقله وإلا خرجت عن كونها مقالة فأصبحت كتابا وهذا مالم أقصده .
وهذا أوان الشروع فى النقل .
يقول الإمام المبرد رحمه الله تحت عنوان : باب من الشعر
أنشدنى أبو عثمان المازنىّ :
وإنا لمشّاءون بين رحالنا ... إلى الضّيف منّا لاحف ومنيم
فذو الحلم منا جاهل من ورائه ... وذو الجهل منا عن أذاه حليم
وقال آخر يصف ضيفا:
عوى فى سواد اللّيل بعد اعتسافه ... لينبح كلب أو ليفزع نوّم
جاوبه مستسمع الصوت للقرى ... له مع إتيان المهيبين مطعم
يكاد إذا ما أبصر الضيف مقبلا ... يكلّمه من حبّه وهو أعجم
وقال أعرابى :
وعاو عوى شبه الجنون وما به ... جنون ولكن كيد أمر يحاوله
فأوقدت نارى فاستضاء بضوئها ... وأخرجت كلبى وهو فى السجن داخله
فلما رآها كبّر الله وحده ... وبشّر قلبا كان جمّا بلابله
فلما أتاها قلت أهلا ومرحبا ... تقدّم ولم أقعد إليه أسائله
فقمت إلى البرك الهجان أعودها ... بضربة حقّ لازم أنا فاعله
فجالت قليلا واتّقتنى بخيرها ... سناما، وأدناها من الشحم كاهله
فأطعمته من لحمها وسنامها ... شواء، وخير الخير ما كان عاجله
طعامين لا أسطيع بخلا عليهما ... جنى النحل والمغصوب تغلى مراجله
وقال آخر يصف ضيفا :
ومستنبح قال الصّدى مثل قوله ... حضأت له نارا لها حطب جزل
وقمت إليه مسرعا فغنمته ... مخافة قومى أن يفوزوا به قبل
فأوسعنى حمدا وأوسعته قرى ... وأرخص بحمد كان كاسبه الأكل
وقال أبو كدراء العجلىّ :
يا أم كدراء مهلا لا تلومينى ... إنى كريم وإن اللوم يؤذينى
فإن بخلت فإن البخل مشترك ... وإن أجد أعط عفوا غير ممنون
ليست بباكية إبلى إذا فقدت ... صوتى ولا وارثى فى الحىّ يبكينى
بنى البناة لنا مجدا ومكرمة ... لا كالبناء من الآجرّ والطين
هذه صفحات من الكتاب نقلتها متتالية ، كما نقشتها يد كاتبها ، لم أتدخل فيها بتقديم أو تأخير ، أو حذف أو تغيير ، وهذا غيض من فيض ، وكل ما نقله الإمام المبرد يشبه هذا حسنا ، أو يزيد عليه جمالا .
أتمنى أن يسامحنى القارئ الكريم إذ قطعت عليه لذته ،فإنى لم يمنعنى من كثرة النقل إلا خشية الإطالة ، وإلا فإنى أقسم أنى أجد لكل بيت نقله الإمام المبرد رحمه لذة دونها لذة المتنقل بين الرياض النضرة ، أو المتفكه بأفضل أنواع الفاكهة ، ولست ممن يحفظون الشعر دون معاناة لكننى لا أبالغ إن قلت أن أكثر أبيات كتاب الفاضل قد طبعت فى ذهنى وعلى صفحة قلبى دون أدنى تكلف للحفظ .
لعلك أيها القارئ الكريم قد اشتقت لمعرفة اسم هذا الكتاب العظيم والسفر الجليل ، إنه كتاب
الفاضل لأبى العباس المبرد رحمه الله رحمة واسعة .
وأخيرا فإنى ناصح قرائى الكرام قائلا لهم : عليكم بهذا الكتاب الذى لا يمل قارئه ولا يسأم تاليه بل لا أبالغ إن قلت لم أقرأ فى كتب الأدب كتابا يشبهه ، ولم أقرأ كتابا أكثر من مرةكما فعلت معه ، ولم تصبنى ملالة التكرار حتى ولو أعدته مائة مرة .
عليكم به فهو نصيحتى لكم ، لعلكم تحسون بما أحس حينما أقرأه .
محب الخير لكم
المعتزبالله الكامل
لكن مالا يعرفه أكثر أدبائنا هو أن للمبرد كتابا آخر لا يساوى كتاب الكامل ولا يدنيه فى الإشتهار ومعرفة الناس به ، لكننى لعلى لا أبالغ إذا قلت أن هذا الكتاب الآخر على صغر حجمه يفوق كل كتب الأدب التى اهتمت بانتقاء أطايب الكلام كديوان المعانى لأبى هلال العسكرى ، والبيان والتبيين للجاحظ ، والكامل للمبرد ، والأمالى لأبى على القالى ، إذ أن كتابنا الذى نتحدث عنه اليوم قد فاق جميع هذه الكتب فى جودة الإنتقاء ، وجمال الإختيار ، وحسن الإصطفاء ، فقد أحسن مؤلفه الإختيار لكل شئ وضعه فى هذا الكتاب ، فهو قد اختار من الشعر أعذبه ( ولست أعنى بأعذبه أكذبه ) بل قد أتقن صاحبه اختيار كل بيت ذكره فى كتابه ، وكل قطعة أدبية ساقها فى فاضله ، فهو جدير بهذا الإسم ، ثم هو قد ازداد زينة وبهاء وجمالا بتحقيق العلامة عبدالعزيز الميمنى الراجكوتى ، فخرج على الأدباء يرفل فى حلة فوقها زينة وبهاء، حلة مؤلفه ، وزينة محققه ، فغدا نورا على نور وبهاء على بهاء ، وأنا ناقل لك بعض ما أورده مؤلفه من أبيات رائقة ، ومن قطع أدبية فريدة ، على أنى لن أُكثر لا لخوف الملالة على قارئى الكريم فإن هذا الكتاب من الكتب النادرة التى لا يعرف الملالة ولا السآمة قارئها ، بل لأن المقالة لن تتسع لأكثر مما سأنقله وإلا خرجت عن كونها مقالة فأصبحت كتابا وهذا مالم أقصده .
وهذا أوان الشروع فى النقل .
يقول الإمام المبرد رحمه الله تحت عنوان : باب من الشعر
أنشدنى أبو عثمان المازنىّ :
وإنا لمشّاءون بين رحالنا ... إلى الضّيف منّا لاحف ومنيم
فذو الحلم منا جاهل من ورائه ... وذو الجهل منا عن أذاه حليم
وقال آخر يصف ضيفا:
عوى فى سواد اللّيل بعد اعتسافه ... لينبح كلب أو ليفزع نوّم
جاوبه مستسمع الصوت للقرى ... له مع إتيان المهيبين مطعم
يكاد إذا ما أبصر الضيف مقبلا ... يكلّمه من حبّه وهو أعجم
وقال أعرابى :
وعاو عوى شبه الجنون وما به ... جنون ولكن كيد أمر يحاوله
فأوقدت نارى فاستضاء بضوئها ... وأخرجت كلبى وهو فى السجن داخله
فلما رآها كبّر الله وحده ... وبشّر قلبا كان جمّا بلابله
فلما أتاها قلت أهلا ومرحبا ... تقدّم ولم أقعد إليه أسائله
فقمت إلى البرك الهجان أعودها ... بضربة حقّ لازم أنا فاعله
فجالت قليلا واتّقتنى بخيرها ... سناما، وأدناها من الشحم كاهله
فأطعمته من لحمها وسنامها ... شواء، وخير الخير ما كان عاجله
طعامين لا أسطيع بخلا عليهما ... جنى النحل والمغصوب تغلى مراجله
وقال آخر يصف ضيفا :
ومستنبح قال الصّدى مثل قوله ... حضأت له نارا لها حطب جزل
وقمت إليه مسرعا فغنمته ... مخافة قومى أن يفوزوا به قبل
فأوسعنى حمدا وأوسعته قرى ... وأرخص بحمد كان كاسبه الأكل
وقال أبو كدراء العجلىّ :
يا أم كدراء مهلا لا تلومينى ... إنى كريم وإن اللوم يؤذينى
فإن بخلت فإن البخل مشترك ... وإن أجد أعط عفوا غير ممنون
ليست بباكية إبلى إذا فقدت ... صوتى ولا وارثى فى الحىّ يبكينى
بنى البناة لنا مجدا ومكرمة ... لا كالبناء من الآجرّ والطين
هذه صفحات من الكتاب نقلتها متتالية ، كما نقشتها يد كاتبها ، لم أتدخل فيها بتقديم أو تأخير ، أو حذف أو تغيير ، وهذا غيض من فيض ، وكل ما نقله الإمام المبرد يشبه هذا حسنا ، أو يزيد عليه جمالا .
أتمنى أن يسامحنى القارئ الكريم إذ قطعت عليه لذته ،فإنى لم يمنعنى من كثرة النقل إلا خشية الإطالة ، وإلا فإنى أقسم أنى أجد لكل بيت نقله الإمام المبرد رحمه لذة دونها لذة المتنقل بين الرياض النضرة ، أو المتفكه بأفضل أنواع الفاكهة ، ولست ممن يحفظون الشعر دون معاناة لكننى لا أبالغ إن قلت أن أكثر أبيات كتاب الفاضل قد طبعت فى ذهنى وعلى صفحة قلبى دون أدنى تكلف للحفظ .
لعلك أيها القارئ الكريم قد اشتقت لمعرفة اسم هذا الكتاب العظيم والسفر الجليل ، إنه كتاب
الفاضل لأبى العباس المبرد رحمه الله رحمة واسعة .
وأخيرا فإنى ناصح قرائى الكرام قائلا لهم : عليكم بهذا الكتاب الذى لا يمل قارئه ولا يسأم تاليه بل لا أبالغ إن قلت لم أقرأ فى كتب الأدب كتابا يشبهه ، ولم أقرأ كتابا أكثر من مرةكما فعلت معه ، ولم تصبنى ملالة التكرار حتى ولو أعدته مائة مرة .
عليكم به فهو نصيحتى لكم ، لعلكم تحسون بما أحس حينما أقرأه .
محب الخير لكم
المعتزبالله الكامل