المرأة بين تكريم الإسلام ويومها العالمي
يعيش العالم فرحة مزيفة تحت شعار "يوم المرأة العالمي"، وخرجت المحطات المتلفزة والشخصيات العالمية للإشادة بالمرأة ودورها في المجتمع، وكأنَّ المرأة لم تأخذ حقها إلا منذ بات للغرب حضارة، وهو عمر قصير من تاريخ البشرية
يعيش العالم فرحة مزيفة تحت شعار "يوم المرأة العالمي"، وخرجت المحطات المتلفزة والشخصيات العالمية للإشادة بالمرأة ودورها في المجتمع، وكأنَّ المرأة لم تأخذ حقها إلا منذ بات للغرب حضارة، وهو عمر قصير من تاريخ البشرية، وعبثًا حاول المتحدثون إضفاء صفات ومكاسب وهمية حصلت عليها المرأة.. تحدثوا عن "الديمقراطية الغربية"، والحداثة، والعولمة.. وقضايا تلو قضايا، متناسين في الوقت نفسه أنَّ الإسلام أول من لفت إلى كرامة المرأة، بل كرَّمها، وأعزها، وأعلى مكانتها وقدرها.. لا عن تفضل، ولله واسع الفضل والمنة؛ بل عما اعتبره الإسلام حقوقًا واجبة للمرأة، ولازمة الأداء نحوها على الرجال من قبل أبيها وإخوتها وبنيها.. قرر هذا الإسلام غير آبهٍ بجميع العوالم من حوله، منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا، وفتح البلاد على هذه المبادئ وبها.
وها هو اليوم الإسلام يتهم بظلم للمرأة وكبت حريتها؛ من حيث إنه يصونها، ويكرمها، ويعطيها، ولا يأخذ منها.. بل إن المتصفح شريعة الإسلام حكمًا حكمًا لا يجد الإسلام يلزم المرأة سوى بأقل الأعمال؛ كالصلاة والصوم والحج كما ألزم الرجال مع التخفيف الذي يراعي ظروف المرأة ودورها وخلقتها، وبطاعة الوالدين والزوج ليسير ركب الحياة، ثم هو يلزم بجميع التكاليف، ثم بحماية النساء، وببر النساء، وبإنصاف النساء، ويتوعدهم على ظلم النساء.
وتعجب من إيقافهم عجلة الزمن مرة كل عام ليحتفلوا بيوم المرأة، وكأنَّه يكفي المرأة يوم في العام، تحتسب فيه الإنجازات، وتخصم منه التطلعات.. وكأن المرأة لم تعانِ الأمرين طوال التاريخ في جميع الحضارات، وإلى اليوم! فهي لم تنصف وتعز وتكرَّم حق التكريم سوى عبر حضارة الإسلام، وفي ظل دين الإسلام.
إذ برغم الاهتمام المتزايد مؤخرا بالحديث عن حقوق المرأة، وبرغم ما حملته الاتفاقيات والمؤتمرات من شعارات تمكين المرأة من حقوقها، والدعوات -زورا- إلى تحريرها، ومساواتها بالرجل؛ فإنَّ هذه الحملات المسعورة والمأجورة لم تلحق بمبادئ الإسلام المعنية بالمرأة، ولم تضره؛ إذ لا يزال المدافع الحق عنها، والكافل بحقِّ لجميع حقوقها.
هذا، على الرغم من وجوب التفريق بين ممارسات الشريعة الإسلامية الغراء، وبين العادات والتقاليد التي يألفها مسلمون في بيئاتٍ ما ويعتادونها، لتصبح جزءا -في نظرهم- من الدين؛ فتشوش طبيعة مكانة المرأة في الإسلام، ويقوم الأعداء من بعد بتقريرها كجزءٍ منه يرونه يظلم النساء.
الإسلام منهاج الحياة الأشمل والأسدُّ، اعتقادًا وفكرا.. أحكامًا وآدابا.. سلوكًا وأخلاقا.. عبادةً ومعاملة.. والمرأة جزء من هذا النظام لا يتجزأ؛ فالمرأة في الأول والأخير إنسانٌ.. كما يقرر كتاب الله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً}، ومن ههنا كان الاشتراك في الواجبات والحقوق، وفي الوظائف التي تتناسب والقدرات.
لذا، ومنذ بدأت نسائم الإسلام الأولى، كانت النساء شقائق الرجال، في وقت عدها الرومان واليونان والفرس واليهود رجسًا يُجتنب، وشكك الأوربيون فيما إذا كانت إنسانًا أم لا!
الإسلام حرر المرأة من عبوديتها للرجال، وقضى على نظرية اعتبارها محض متاعٍ؛ فخرَّجت الحضارة الإسلامية المحدّثات والمحاربات، ومن تخطب في المجالس، وتواجه الخلفاء بالبيان الواضح والحجة البالغة. فضلا عن أنه أحصن عفتها، وملكها مالها، ومنحها حرية قبول من ترغب ورفض من ترفض، لا تتقيد في هذا برأي يفرض سواء من أبيها أو زوجها، فحرم عضلها، قال تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ}.
فضل عن هذا فقد جعل الإسلام رأي المرأة نافذًا أحيانًا على الرجال، فأُمُّ هانئ بنت أبي طالب ابنة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أجارت رجلًا من المشركين، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا بقوله: «أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ»؛ فأعطت الأمان ومنحت الجوار في الحرب والسلم على الرجال.
اليوم نرى وننظر، ونجدُّ ونبحث؛ لنرى ماذا أضاف "اليوم العالمي للمرأة" من جلب حقوقها الضائعة؟ ووقف ابتذالها وامتهانها، والتجارة فيها وبها؟ وإعناتها بالعمل المضني مقابل الوعد بتحقيق الذات؛ في حين تَفشل الحياة كلُّها باختلال قضية المرأة، وظلم المرأة بوضعها في غير الموضع الذي خلقت له، وبشغلها عن الثغر الذي أمرت لتسدَّه؟!
أما كانت تكفيها وتكفيهم مبادئ دين الله الخاتم؟!
___________________________________________
عبدالله بن معيوف الجعيد
- التصنيف:
- المصدر: