من لحقوق المرأة المسلمة في يوم المرأة؟!
مجدي داود
وفي يوم المرأة العالمي، يطيب لي أن أفضحَ دعاوَى هذه الحركةِ النِّسوية المتطرفة، ومواقفها المتحيِّزة ضد المرأة المسلمة، وهدفها من إخراج المرأة من حضن الإسلام الذي حفِظ لها كافَّة حقوقها السياسية والاقتصادية والشرعية..
- التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة -
استطاعت الحركةُ النِّسوية المتطرفة أن تجعل للمرأة عيدًا سنويًّا، يسمُّونه يوم المرأة، وهو يوم الثامن من شهر مارس من كلِّ عام، وكان أول احتفال بعد انعقاد المؤتمر الأول للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي في باريس عام 1945، وهو اتِّحاد يتكوَّن من المنظمات الرَّديفة للأحزاب الشيوعية، ولم يتمَّ تخصيص يوم الثامن من مارس كيومٍ عالمي للمرأة إلا بعد سنوات طويلة من ذلك؛ لأنَّ منظمة الأمم المتحدة لم توافِقْ على تبني تلك المناسبةِ سوى سنة 1977، عندما أصدرت المنظمة الدولية قرارًا يدْعو دول العالم إلى اعتماد أيِّ يوم من السنة يختارونه للاحتفال بالمرأة، فقررتْ غالبية الدول اختيار الثامن من مارس.
في يوم المرأة العالميِّ تحتفل النِّساء الغربيَّات بهذا اليوم، يتحدَّثن فيه عن حقوق المرأة، وعن التَّمييز ضدها، يتحدثن فيه عن حقها في العَهْرِ والزنا، وعن المِثْلية الجنسية، وإقامة العلاقات غير الشرعيَّة، يتحدثن فيه عن المرأة المتحضِّرة التي تتحدَّى المجتمع والضوابط الشرعية، والأعرافَ الأُسَرية، يتحدثن فيه عن المساواة بين الرجال والنساء، يتحدَّثن فيه عن حق المرأة السعودية في قيادة السيارة، وعن حقِّها في الخروج للعمل بلا ضوابطَ، وعن حق المرأة في كلِّ البلاد في التعامل مع الزَّوج بندِّية، ويهاجمنَ قوامةَ الزَّوج على زوجته، يهاجمن الإسلامَ؛ لأنه يفضِّل الرجال على النساء بزعمهن، يهاجمنَ نظامَ المواريث في الإسلام، يهاجمن العفَّة والأخلاق والانضباط.
وفي يوم المرأة العالمي، يطيب لي أن أفضحَ دعاوَى هذه الحركةِ النِّسوية المتطرفة، ومواقفها المتحيِّزة ضد المرأة المسلمة، وهدفها من إخراج المرأة من حضن الإسلام الذي حفِظ لها كافَّة حقوقها السياسية والاقتصادية والشرعية، كأمٍّ وأختٍ، وزوجةٍ وابنةٍ، وجاريةٍ أيضًا إن كان ثمة جَوَارٍ، إلى أحضان الفساد الإعلامي والسياسي والاقتصادي، في ظلِّ الحديث عن حقوق المرأة في يوم المرأة العالميِّ، تتجاهل الحركة النِّسوية المتطرفة حقوقَ المرأة المسلمة، التي تنتهكُها قوَّات الاحتلال الأمريكيِّ والصِّهْيَوْنيِّ والناتو والروسي والإثيوبي والكيني وغيرهم في كلِّ البلاد والدول العربية والإسلامية المحتلَّة؛ حيث لا أحدَ يهتمُّ بهنَّ، ولا يسأل عنهنَّ، ولا يتحدَّث عن حقوقهن ولا احتياجاتِهن.
في فِلَسطين تعاني المرأة الفلسطينية أشدَّ المعاناة؛ ففي قطاع غزة الحصار مستمرٌّ منذ ستِّ سنوات كاملة، حصار بسبب اختيار سياسيٍّ حر، حوصرت غزةُ، ومُنع الطعام والشراب عن النساء والأطفال والشيوخ العجائز، فمَنعت نفسَها عن الطعام؛ لتُطعم صغارَها، مُنع الدواءُ عن المرضى، فمَنعت نفسَها من الدواء الذي تحتاجه؛ كي تداويَ وليدها؛ فضاعف ذلك من معاناة المرأة المسلمة الغزَّاويَّة.
كم من امرأةٍ فقدت زوجَها شهيدًا بعدما قصفتْه طائرات الاحتلال، فتحمَّلتْ مسؤولية الأبناء والبنات، وكم من فتاة فقدت والدَيها في قصفٍ، فقامت بدور الأمِّ والأخت، كم فتاةً فقدتْ ذراعَها أو رِجْلها أو أصابتها شظيةٌ في عينها، كم من فتاة في الضِّفة الغربية وقفت أمام حاجز عسكريٍّ صِهْيَوْنِيٍّ فتحرَّش بها جنودُ الاحتلال وأجبروها على التفتيش عاريةً، دون أدنى احترامٍ لحقوقها الإنسانية، ودون أدنى استنكارٍ من الحركة النِّسوية المتطرفة!
في معتقلات الكِيان الصِّهْيوني يتفنَّن جنود الاحتلال في تعذيب المرأةِ المسلمة الفلسطينية، وقد كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الصِّهْيَونية، في عددها الصادر يوم 8 مارس - أيْ: يوم المرأة - عن قيام قوات الاحتلال الصِّهْيَوني باختراعِ وسائل تعذيب جديدةٍ ضد الأسيرات الفلسطينيات داخل سجونها، كما تقوم باستجواب الأسيرات وهنَّ عُريانات، وكشفت أيضًا عن اعتياد جنود الاحتلال على الاقتراب جسديًّا من الأسيرات أثناء التَّحقيق والجلوس بجانبهن، واستغلال كونِهنَّ مقيَّداتٍ، كما أكَّدت أن الأسيرات يتعرضْنَ للإهانة والتحقير والضرب المبرِّح، ولكن مع ذلك لم نجدِ الحركة النِّسوية العالمية تحرِّك ساكنًا لهن، أو تُعيرهن أيَّ اهتمام، ولو حتى ببيانِ استنكار يتيمٍ.
في فلسطين الأسيرة "هناء الشلبي" تواصل إضرابَها عن الطعام لأكثرَ من عشرين يومًا على التوالي؛ احتجاجًا على انتهاك الاحتلال حقَّها، وسلبَها حريتها، واعتقالها بلا جريمة وبلا محاكمةٍ، وهناك أخريات كان من المفترض أن يُفرج عنهن ضمن صفقةِ وفاءِ الأحرار، ولا يزال الاحتلال يرفض تحريرَهن، فأين أنتم يا دعاة حقوق المرأة؟!
عن أي حقوق تتحدثون؟ وهؤلاء لا يملكن الطعام والشراب ولا يريْنَ شمس الحرية ولا يجدن الدواء؟! أوَليس الأولى أن نوفِّر لهن أسبابَ الحياة قبل أسباب الرفاهية؟! أين هي أولوياتكم يا مدَّعي التقدُّم والرقي والحضارة والمدنية؟!
ومِن هضم حقوق المرأة الفلسطينية إلى هضم حقوق المرأة العِراقية، عشراتُ الآلاف من الأرامل، ومئاتُ الآلاف من الفتيات اليتيمات، وهؤلاء اللاتي وُلِدْنَ مشوَّهاتٍ نتيجة الأسلحة الفتَّاكة، وهؤلاء اللاتي فقدن بعض أطرافهن يدًا كانت أو رجْلاً، وهؤلاء اللاتي مزَّق الرصاص أجسادَهن، وهؤلاء اللاتي اغتصبَهن جنود الاحتلال في سِجن أبي غريب وغيره، وهؤلاء اللاتي يسكنَّ العراءَ؛ لأنَّ الاحتلال قصَفَ منازلهن فدمَّرها، وهؤلاء اللاتي لا يجدن في منازلهن كِسرةً من الخبز يأكلْنَها، وغيرهن.
الكثير من المآسي والأحزان، والحقوق المنتهكة على أيدي جنود المحتلِّ الأمريكي، فيا تُرى من يهتم بحقوق هؤلاء؟!
ألسن نساءً ولهن حقوق على المجتمع الدولي؟!
لماذا لا يتدخَّلون ويفرضون على الحكومة العراقية أنْ تهتمَّ بهن وتراعيَهن، وتوفر لهن فقط احتياجات الحياة الضرورية، فهنَّ لا يحلمن بهذا كي يطالِبْنَ بغيره؟!
ومن المرأة العراقية إلى المرأة الصومالية، المرأة الصومالية كانت تفاضل بين أولادها، أيُّهم تعطيه كِسرة من الخبز ليعيش، وأيُّهم لا تعطيه تلك الكسرة فيموت جوعًا، المرأة الصومالية التي تعاني الأمرَّين، فالاقتتال الداخلي لم يتوقفْ منذ سنوات، وعندما دخلت القوات الإثيوبية زادت المأساة، وحلَّت القوات الإفريقية محلَّ الإثيوبية، ولكن لم يمضِ الكثير من الوقت حتى تدخَّلت القوات الكينية في الأراضي الصومالية لتلحق بها من جديد القوات الإثيوبية؛ لتتفاقم معاناةُ المرأة الصومالية، فمن يا ترى اهتم بها؟!
لم نسمع أن هذه المنظمات النِّسوية العالمية المتطرِّفة أصدرت بياناتٍ، أو أرسلت قوافلَ إغاثية، أو سيَّرتْ رحلات استكشافية للواقع هناك، أفبعد هذا يتحدَّثْنَ عن حقوق المرأة؟!
هذا غيضٌ من فيضٍ، ولو أردتُ الإطالة لأطلت، ولو أردتُ الاسترسال لاسترسلت؛ فإنَّ الواقع محزِنٌ، والمآسيَ كثيرة، وهذا ما يكشِف لنا عوار دعَوَاتِ تحرير المرأة وإعطائِها حقوقَها، ويكشف لنا عوار المؤتمرات والنَّدوات العالمية، والاتفاقيات الدولية الملزِمة، وعلى سبيل المثال، فإن مجلس حقوق الإنسان الدَّولي، ناقش في يوم المرأة إعطاء المِثْليِّين من الجنسين حقوقَهم وتوفير الحماية لهم، كما كتبت بعضُ متزعِّمات الحركة النِّسوية المتطرِّفة مقالاتٍ في عدد من الصحف، خلتْ تمامًا من التعرُّض لأيٍّ من الظروف التي تعيشها المرأةُ بسبب الفقر أو الظروف السِّياسية السيئة، وكان كلُّ همِّهنَّ هو الحديثَ عن الحرِّية الجنسية، وقهر الأزواج المزعوم؛ متمثلاً في تعدُّد الزوجات، وفرض الحجاب على المرأة، ومنع المرأة من الوصول لكرسيِّ الحكم، وكأنَّ مشكلة المرأة هي أنها ليست عاهرةً، أو أنها لا تجلس على كرسيِّ الحكم، أو أن زوجها تزوَّج عليها.
في المقابل نشر الكثير من الشباب وروَّاد المواقع الاجتماعية الكثير من الصور، التي تبيِّن الحالة المزريةَ لبعض الأُسَر، التي تعود قطعًا بالسلب على المرأة، فتظهر في إحدى الصور امرأةٌ وقد أخرجَت كِسرةً من الخبز من "برميل زبالة" وتعطيها لابنها، وأخرى تحمل ولدَها الذي تظهر عليه علامات البؤس والمرض وتقفُ به في الشارع؛ لعلَّ الناس يعطونها من فضل الله، أليس لمثل هؤلاء حقوقٌ أيضًا؟
وحقوقهن يسيرة ومعروفة، لماذا لا تنتفض الحركة النِّسوية للمطالبة بحقوقهنَّ؟!
وفي يوم المرأة العالمي أيضًا أقام حزب الحرية والعدالة الإسلامي المصريُّ مؤتمرَه الأول حول المرأة، ناقش فيه كيفية التغلُّب على جميع المعوِّقات التي تواجه الأسرة المصرية كافةً، وليس المرأة وحدها دون الرجل، ومشاكل العنوسة، وعزوف الشباب عن الزَّواج، وتأخر سنِّ الزواج، وكذلك ما تعانيه المرأة من ظروف اقتصادية سيئةٍ، وقد أظهرت المشاركات نضجًا كبيرًا، وإدراكًا حقيقيًّا لمشاكل المجتمع بصفةٍ عامَّةٍ، والمرأة بشكل خاصٍّ، وهذا هو الفارقُ بين حقوق المرأة من منظور الشرع، وبين حقوقها من منظور الانحلال والتفلُّت، وللعلم فإن وسائل الإعلام تجاهلَتْ هذا المؤتمرَ؛ حتى لا يظهر أنَّ هناك مَن يهتم بحقوق المرأة غير هؤلاء النِّسوة المتطرفات.
وللتدليل بمثالٍ آخرَ على الأهداف الخبيثة لهذه الحركة النِّسوية، فإن هؤلاء النسوة يتغنيْنَ ليلَ نهارَ بسِيرة وكفاح ونضال "هدى شعراوي" المزعوم من أجل حقوق المرأة، ولكنهنَّ في ذات الوقت يتجاهلْنَ عن عَمْدٍ السيدة "لبيبة أحمد"، وهي رفيقة النِّضال السياسي لهدى شعراوي خلال ثورة 1919، وقادت معها التَّظاهرة النِّسائية الكبرى، إلا أنها انفصلتْ عن هدى شعراوي بعدما أسست "الاتحاد النسائي" سنة 1923، وتأثرت بالأفكار الأوروبية تأثرًا كبيرًا، واتجهتْ لبيبة أحمد إلى تأسيس "جمعية نهضة السيدات المصريات"، وهي جمعية ذات طابَع اجتماعيٍّ أخلاقي، اهتمتْ بتحسين المستوى الخلقي والديني المستمدِّ من الشريعة الإسلامية، وكانت تهدِف إلى زيادة فرص التعليم أمام الفتيات، ومحاولة جعلِه إجباريًّا في المراحل الأولى، بالإضافة إلى العناية بأحوال الطبقة العاملة المصرية، وتشجيع الصِّناعات الوطنية والتجارة المحلية، فلماذا لا تذكرُها أيٌّ من مؤسسات حقوق المرأة، أو هؤلاء النِّسوة اللاتي يدَّعِينَ حرْصَهنَّ على المرأة، ويظهرْنَ حسرتَهنَّ على حقوق المرأة المسلوبة؟! ألم يهضمنَ حقَّها وهي رائدةٌ من رائدات الحركة النِّسوية ولكنها منضبطة بالشرع؟! أم لأنَّها التزمت بالدين والشرع؛ فقد خالفت أصول دعوتِهنَّ، وخرجت عن مبادئهن الرخيصة؟!