اليوم ستظمأ، وغدًا سترتوي بإذن الله
فاطمة الأمير
استطاع أن يتحمل العطش والجوع في أشد الأوقات حرًّا، ولكنه لم يستطع أن يمسك زمام نفسه، ويُلجمها بلجام الخوف من الله؛ لكيلا تفعل المعصية ليلًا!
- التصنيفات: ملفات شهر رمضان -
بقلم/ فاطمة الأمير
اليوم ستظمأ وغدًا سترتوي بإذن الله، يا لها من كلمات تفرح بها القلوب العطشى، وليست البطون الجوعى، فهناك فرق بين من صام رمضان ليرتوي من حسن الجزاء، فكان صيامه إيمانًا واحتسابًا، وبين من صام وامتنع عن الطعام والشراب، ولكن نفسه لم تمتنع عن المحرمات، صام النهار وامتنع عن الشهوات، وأقبل على المعصية ليلًا! فكيف يتجرأ ويفعل المعصية ليلًا وكأن ظلام الليل وسواده سيستره؟!
استطاع أن يتحمل العطش والجوع في أشد الأوقات حرًّا، ولكنه لم يستطع أن يمسك زمام نفسه، ويُلجمها بلجام الخوف من الله؛ لكيلا تفعل المعصية ليلًا!
فلنحذر أن يكون حظنا من صيامنا الجوع والعطش، ولنستمع لقول أشرف الخلق: عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنهَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ حَظٌّ مِنْ صَوْمِهِ إِلَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ حَظٌّ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ وَالنَّصَبُ » ؛ (رواه النسائي)،يَعْنِي إِذَا لَمْ يَكُنِ الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ لوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا ثَوَابَ لَهُ.
واعلَم أخي وأختي في الله أن أبواب الجنة ثمانية يدخل العبد منها من أيها شاء، قال صلى الله عليه وسلم: «في الجنة ثمانيةُ أبْوابٍ، فيها بابٌ يُسمى الريَّانَ، لا يدخلُهُ إلا الصائِمُونَ» (رواه البخاري).
هذا الباب لك وحدك أيها الصائم عن الطعام والشراب، هذا الباب لك وحدك يا من امتنعت وجاهدتَ نفسك عن كل ما يغضب الله طالبًا جنته.
ولك أن تتخيل كيف هي الجنة وما فيها، وما أعده الله لك من نعيم، إن الجنة تنادي وتقول: هل من مشمر لي؟ هل من مشتاقٍ لي؟
إن في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمِعت، ولا خطر على قلب بشر؛ ففيها ظلٌ ممدود، ونورٌ يتلألأ، وثمارٌ، وأنهارٌ، ترابها المسك والزعفران، وحجارتها من الياقوت والمرجان، وفي الجنة مساكن أُحيطت بالأنهار والأشجار؛ قال تعالى: {وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ } [الطور: 22]، لذا أنفق على نفسك بالخير، واغتنِم من كل أبواب العبادات في شهر رمضان، «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن أَنفَقَ زوجَينِ في سبيلِ اللهِ، نودِيَ من أبوابِ الجنةِ: يا عبدَ اللهِ هذا خيرٌ، فمَن كان من أهلِ الصلاةِ دُعِيَ من بابِ الصلاةِ، ومَن كان من أهلِ الجهادِ دُعِيَ من بابِ الجهادِ، ومَن كان من أهلِ الصيامِ دُعِيَ من بابِ الريَّانِ، ومَن كان من أهلِ الصدقةِ دُعِيَ من بابِ الصدقةِ)، فقال أبو بكر رضي الله عنه: (بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورةٍ، فهل يُدعى أحدٌ من تلك الأبواب كلها؟)، فقال: (نعم، وأرجو أن تكون منهم» (رواه البخاري ومسلم).
كل هذا لمن أقبل على الله وجعل صيامه إيمانًا واحتسابًا، وهناك عطاء آخر وفيض كثير؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه» » (رواه البخاري ومسلم).
ليست فقط مكافأتك باب الريان، بل ستُغفر ذنوبك التي أثقلت كاهلك وجعلتْك تَمضي ببطء إلى طريق الله، فهل سيكون صيامنا إذًا صيامًا عن الطعام والشراب؟ هل سيكون صيامنا صيامًا بالنهار فقط؟ هل سنبيع الجنة وباب الريان ومغفرة الذنوب، أم سنكون ممن ظمأ بالليل قبل النهار فارتوى؟ انظر إلى دعائك وأنت تستمع إلى المؤذن يقول: الله أكبر، وأنت تدعو وتقول: «ذهب الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّه» .
ذهب الظمأ: يا لها من كلمات تقال عند الإفطار! فكيف بك بعد أن تجتهد طيلة ثلاثين يومًا، فتقال لك وأنت على أعتاب جنتك؟! فاليوم ستظمأ وغدًا سترتوي، غدًا سترتوي من أنهار الجنة وقصورها، غدًا سترتوي عند مرافقة نبيك! غدًا سترتوي الارتواء الأعظم، وستقول: هل هناك ارتواء بعد هذا الارتواء؟! نعم إنه أعظم ارتواء، ولو أنه كان هدفنا منذ بدأنا حياتنا لما ضيعنا الثواني في البعد عن اغتنام الفرص، ولَما ضيعنا مواسم الطاعة.
إنه الارتواء الذي ليس بعده ارتواء، إنها لذة النظر لنور وجه ربك الكريم، فهذا هو عطشي وعطش مَن جدَّ وكان من عباد الله المتقين، هذا هو الذي علينا أن نحيا ونعمل له؛ لذلك علينا بالعمل والاجتهاد، فلا نترك رمضان يتسرب من بين أيدينا، فنظمأ في الدنيا ونظمأ في الآخرة.