من أبجدية السعادة الزوجية - وَسِّط أمُورَك كُلَّها
زوجتُك إن رَأَتْ منك نظرة متَّزنة لشؤون بيتك كلِّها، فلم تجدك يومًا متعصبًا لفكرة ولا متشددً لأمرٍ، ولا أنت متهاونًا فيه، قَلَّت بينكما الخلافاتُ الأسرية، وانعدمت المشاكلُ الزوجية
مِن أبجَديةِ السَّعادَة الزَّوجِيَّة: وَسِّط أمُورَك كُلَّها
إذا أردنا أن نصفَ دينًا بوصفٍ يبرز أجمل ما فيه فلن نجد أفضَل من وصفه بأنه دين الوَسطيَّة، حيثُ لا وصفَ أجمل لهذه الأمة من وصفها به، ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥﱦ ﱠ البقرة: ١٤٣
ذكر ابن كثير في تفسيره: يقول تعالى: إنما حوَّلناكم إلى قِبلة إبراهيم- عليه السَّلام- واخترنَاها لكم لنجعلَكم خِيارَ الأمَم، لتكُونوا يوم القيامة شُهداء على الأمم؛ لأن الجميع معترفون لكم بالفضل. والوسط هاهنا: الخِيار والأجْود، كما يقال: قريش أوسَط العرب نسبًا ودارًا، أي: خيرها. وكان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وسطًا في قومه، أي: أشرفهم نسبًا، ومنه الصَّلاة الوسطى، التي هي أفضل الصَّلوات، وهي العَصْر، كما ثبت في الصِّحاح وغْيرها، ولما جَعل الله هذه الأمَّة وسطًا خَصَّها بأكمل الشَّرائع وأقوم المناهج وأوضَح المذاهِب، {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحج: ٧٨]
والدِّين الإسْلامي في مجمله قَائم على الاعتدال في الأمور كلِّها: أوامره ونواهيه، أخلاقِه وعباداتِه، بل في شؤونه كلِّها ابتداءً من أصول الاعتقادِ وانتهاء بمكارم الأخلاقِ والآدابِ، فهو وسَط بين الغُلو في عِبادةِ المخلوق والحَجر والشَّجَر والتَّفرُّد في عبودية الله الواحِد الأحَد، حيثُ وجَّه العقولَ والقلوبَ إلى عبادة الخالقِ – جلَّ وعَلا – وهو وسَط في العبادات والتكليفاتِ من أوامرَ ونواهيَ بين الغلو والتشَدد والإفراطِ والتهَاون، بل هُو وسطٌ حتى في الأخلاق والفضائلِ والنوافلِ من الأعمال.
وقد أرسى القرآنُ الكريم هذا المعنى في نفوسِ المؤمنين من أتباعِه وتعددت الآيات التي ترسِّخ لذلك، وفَاضَت كتبُ السنة النبوية بالكثيرِ من الأحاديث التي أكَّدت على هذا المعنى، وإنَّك لتلمح هَذا جليًا واضحًا في العديد من الآيات،
{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [ القصص: ٧٧]
والنَّبي -صلَّى الله عليه وسَلم- يؤكد على هذا المعنى في الكثير من أفعَاله وأقواله ..... «عن أَبِي هريرة -رضي الله عنه -عن النَّبيّ ﷺ قَالَ: "إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، ولنْ يشادَّ الدِّينُ إلاَّ غَلَبه فسدِّدُوا وقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، واسْتعِينُوا بِالْغدْوةِ والرَّوْحةِ وشَيْءٍ مِن الدُّلْجةِ " رواه البخاري. وعن أَنسٍ – رضي الله عنه- قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ الْمسْجِدَ فَإِذَا حبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ فقالَ: مَا هَذَا الْحبْلُ؟ قالُوا، هَذا حبْلٌ لِزَيْنَبَ فَإِذَا فَترَتْ تَعَلَقَتْ بِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: حُلّوهُ، لِيُصَلِّ أَحدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذا فَترَ فَلْيرْقُدْ» " [متفقٌ عَلَيهِ] .
وفي حديث عَائشة – رضي الله عنها - « ما خُيِّرَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْنَ أمْرَيْنِ قَطُّ إلَّا أخَذَ أيْسَرَهُمَا، ما لَمْ يَكُنْ إثْمًا، فإنْ كانَ إثْمًا كانَ أبْعَدَ النَّاسِ منه، وما انْتَقَمَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لِنَفْسِهِ في شيءٍ قَطُّ، إلَّا أنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ بهَا لِلَّه»
« وعن أنسٍ – رضي الله عنه- قال: جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إلى بُيُوتِ أزْوَاجِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يَسْأَلُونَ عن عِبَادَةِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقالوا: وأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ قدْ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ وما تَأَخَّرَ، قالَ أحَدُهُمْ: أمَّا أنَا فإنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أبَدًا، وقالَ آخَرُ: أنَا أصُومُ الدَّهْرَ ولَا أُفْطِرُ، وقالَ آخَرُ: أنَا أعْتَزِلُ النِّسَاءَ فلا أتَزَوَّجُ أبَدًا، فَجَاءَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إليهِم، فَقالَ: أنْتُمُ الَّذِينَ قُلتُمْ كَذَا وكَذَا، أما واللَّهِ إنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وأَتْقَاكُمْ له، لَكِنِّي أصُومُ وأُفْطِرُ، وأُصَلِّي وأَرْقُدُ، وأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليسَ مِنِّي. »
وإذا كان الأمر ُكذلك فإنَّ البيتَ السَّعيد والأسرة المتوازنةَ ينبغي أن يكونَ الاعتدالُ منهجَ حياتها، والوسطية صورة معبرةً عنها، اعتدالٌ في الأوامر والنواهي، واعتدالٌ في المشاعر والعواطف بين الأبناء، بل إن اعتدالَك في بيتكَ ومع أبنائك وتبَنِّيك نهجَ الوسطية والاعتدال في الأمور كلِّها أدعى إلى الاستقرار النفسي والفكْري لديهم، بل ويحفظهم من كل تطرف أو غُلو.
وإنَّ مما لفتَ انتباهي يومًا مَا أنْ وجدتُّ واحدًا من أصدقائي يأمر أبناءَه على غير ما يفعَل، ويفعلُ عكْس ما يأمُرهم به أو ينهاهم عَنه، الأمر الذي خَلَق في أبنائه انفصَامًا وانفصالاً في شخصيتهم نفسيًا وفكريًا، بل وانفصالاً عاطفيًّا ووجدانيًّا بينهم وبين أبيهم، وإنْ حدَّثتك عَن ضَعف انتمائهم وولائِهم فحَدِّث ولا حَرج، وهَكذا حَال عَددٍ من أبناءِ امتنا في هَذه الأيام.
زوجتُك إن رَأَتْ منك نظرة متَّزنة لشؤون بيتك كلِّها، فلم تجدك يومًا متعصبًا لفكرة ولا متشددً لأمرٍ، ولا أنت متهاونًا فيه، قَلَّت بينكما الخلافاتُ الأسرية، وانعدمت المشاكلُ الزوجية، وعِشتُما سعيدي البالِ مُرتاحي النفس، ونشأ الأبناءُ يقلِّدون منهجَكم، ويقتفون أثركم؛ فَزِن الأمورَ كلَّها بميزان الاعتدال، وكُن وسَطًا في أمورك كلِّها، تميلُ إلى التسيير دون تفريط وإلى الالتزام والانْضباط دونما تشَدُّد، حينها يفيض بيتكم أُنسًا وسعادة، وتمتلئ أركانه نورًا وضياءً.
- التصنيف: