العلمانيون استغلوا الفن والإعلام لتشويه صورة المتدينين
بكل خسة، استغل العلمانيون سيطرتهم على أجهزة الإعلام ومؤسسات الثقافة، ومنها السينما والمسرح، ليخوضوا حرباً غير نظيفة مع الإسلاميين، يشوهون فيها صورتهم، ويقيمون حائلاً بينهم وبين الجماهير، حتى لا تنتشر الفكرة الإسلامية وتؤتي ثمارها.
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
بكل خسة، استغل العلمانيون سيطرتهم على أجهزة الإعلام ومؤسسات الثقافة، ومنها السينما والمسرح، ليخوضوا حرباً غير نظيفة مع الإسلاميين، يشوهون فيها صورتهم، ويقيمون حائلاً بينهم وبين الجماهير، حتى لا تنتشر الفكرة الإسلامية وتؤتي ثمارها.
ويكاد يكون هناك إجماع بين العاملين في المجال الإسلامي بل وكثير من عوام الناس أن شخصية المتدين يتم تشويهها وظلمها حينما يتم تناولها في الأعمال الفنية سواء في الأفلام السينمائية أو المسلسلات التليفزيونية، وهذا الظلم والتشويه يؤثر تأثيرًا سلبياً على الدعوة والدعاة.
يقول د. سعد بركات أستاذ النقد الأدبي إن السينما المصرية التي هي أساس السينما العربية ويظهر فيها المتدين في أحد دورين، فإما أن يكون مأذوناً شرعياً أو مدرساً للغة العربية، وهو في الحالتين يتكلم العربية الفصحى ومظهره رقيع يغازل النساء أو يشجع بطل الفيلم على مغازلة النساء، وهو إنسان يضحك كثيرًا بدون سبب، وغير ملتزم بالآداب الإسلامية وهمه الرئيسي كثرة الأكل. والشخصية الفنية بهذه الصورة جعلت المتدين إنساناً سلبياً سلبية مطلقة وجعلته مسخة وأضحوكة وعامل منفر لا يدعو إلى الثقة. وبالتأكيد فإن عدم الثقة هذا سيمتد إلى مرجعية هذه الشخصية..وهذه المرجعية طبعاً هي الإسلام..فصار الهجوم على الإسلام بالغمز واللمز وتشويه أهله والداعين إليه. والملاحظ هنا أن السينما لم تقدح مباشرة في المشايخ وعلماء الدين الإسلامي وإنما قدحت بطريق غير مباشر في الرمزين اللذين جسدا الدور الإسلامي وهما المأذون الشرعي ومدرس اللغة العربية.
ولكن ينبغي الإشارة إلى أنه في الأربعينات وبداية الخمسينات ظهرت بعض الأدوار التي تعطي دوراً إيجابياً للمسلم، لكن الآن الموضة هي الهجوم على الرموز الإسلامية وعلى الأفكار الإسلامية ذاتها بدعوى محاربة الإرهاب ولا يتم التفريق بين الفكر الأصيل والفكر المنحرف بل يتم الهجوم على الجميع.
إهانة الرمز الإسلامي والزي الأزهري
وفي هذا السياق أيضًا يقول د. محمد يحيي أستاذ الأدب الإنجليزي والنقد الأدبي إننا فعلاً منذ سنوات طويلة كان لدينا أعمال فنية تصور الداعية المسلم في صورة إيجابية، فأفلام الراحل حسين صدقي كلها فيها قيم إسلامية أصيلة وفيها دعوة للإسلام بطريقة جيدة. هذا بالإضافة إلى فيلم "جعلوني مجرماً" حيث جسد فيه يحيي شاهين شخصية الشيخ حسن بصورة إيجابية.. فهو عالم فاضل وشيخ طيب يقف بجوار المظلوم المضطهد ويحببه في التوبة.. كذلك رأينا بعض الأدوار الجيدة تتعامل مع المتدين بصورة إيجابية.
ولم تكن السينما أمينة وهي تتعامل مع رجل الدين المسيحي فهو على طول الخط إيجابي لم يتم القدح فيه أبداً أما المشايخ فهم الذين يتم تشويه صورتهم وغمزهم ولمزهم.
ويضيف د. محمد يحيي أن أفلام ومسلسلات الكاتب المتميز أسامة أنور عكاشة رغم أن فيها إبداع ومهارة في رسم الشخصيات والحبكة الفنية إلا أنه عندما يتعامل مع شخصية المتدين لا يكون محايداً وإنما يتحامل عليها، فالإنسان المتدين في ليالي الحلمية كان شقيقة سليم البدري وهي شبه مهووسة، كل عالمها الأسياد والمشايخ. وحينما دخل بعد التطرف أفسد المسلسل الجميل.. وإن كنا جميعاً ضد التطرف والإرهاب، لكننا لم نجد الشخصية المتدينة الهادئة العاملة المتزنة.
أما مسلسل أسامة أنور عكاشة التليفزيوني "امرأة من زمن الحب" فقد أساء فيه إلى عالم الدين إساءة بالغة حيث اتضح أنه مزواج وزير نساء وفاسد الخلق. وهذه الصورة أغضبت علماء الأزهر غضباً شديدًا.
على أي حال فقد وجد أهل الفن في السنوات الأخيرة ضالتهم في شخصية "المتطرف" وهو إما طالب جامعة أو موظف يلبس الزي الإسلامي ويطلق لحيته ويتم تصويره على أنه عدواني ومشاكس يهاجم أفراد أسرته وجيرانه ويطلق شعارات دينية، وتنطوي سلوكياته على النفاق، وهو لا يتفاهم مع غيره، وملاحه منفرة. والغير مقبول فنياً هو أن شخصية المتطرف تقحم إقحاماً في كثير من الأعمال بشكل متعنت حتى وصلت إلى الأقلام التليفزيونية المعروفة بالاعتدال.
ومجمل القول أن شخصية المتدين في السينما العربية هي شخصية نمطية مكررة ليس فيها إبداع وإنما هي شخصية مسطحة ترسم أبعادها السلوكية والشكلية والعلمية استجابة وتمشياً مع موجة غمز الإسلام ودعاته والتعريض بالشريعة الإسلامية.
ولأن كثيرًا من الكتاب والمخرجين لهم اتجاهات سياسية معينة فيتم تكوين العمل الفني ليأخذ هذه الاتجاهات.. ومن شاهد أفلاماً مثل (الناصر صلاح الدين حد السيف البدروم الهجامة الكيت كات المصير) وغيرها سيجد الدليل العملي على ما نقوله. ففيها يتم تصوير المتدين على أنه ابن طبقة متدنية وهارب بمن الفقر والبطالة يلجأ إلى الدين كنوع من المخدر، أو هو إنسان جاهل ليس عنده علم أو مؤهل، ومعنى ذلك أن هذا المتدين إذا تعلم أو تثقف فسوف يترك الدين، وإذا وجد فرصة عمل أو اغتنى فسوف يترك الدين أيضًا.
كما وقعت السينما العربية في الظلم والإجحاف مرة أخرى وهي تصور شخصية الشيوعي فهو إنسان إيجابي مهذب مثقف متعلم تعليماً عاليا، فهو إما صحفي أو فنان أو أستاذ جامعة يضحي في سبيل غيره، ومن طبقة عالية وأسرة محترمة وكثير القراءة والإطلاع وهادئ وعقلاني، في مقابلة المتدين الانفعالي الأناني الانتهازي العدواني كثير الإيذاء للناس غير المثقف المنغلق الجاهل الذي لا يقرأ.
ففي فيلم "الهجامة" البطلة نشالة تدخل السجن فتقابل إحدى المسجونات الشيوعيات التي تجري لها عملية غسيل مخ فجة عن الاشتراكية ومبادئها في أسلوب انحيازي وفكري موجه وصارخ. أما فيلم "الكيت كات" فبطله أزهري فاسد وحشاش وبوهيمي هائم على وجهة ومتفلت. فلماذا يزج بالأزهري والزي الأزهري والرمز الإسلامي في هذا الأتون؟.
ممثل تخصص في تشويه المتدينين
أما الناقد الفني مصطفى ربيع فيسرد نماذج أخرى من التشويه العلماني لشخصية المتدين فيقول: في فيلم "الإرهاب والكباب" للكاتب وحيد حامد وإخراج شريف عرفة ظهر المتدين في صورة موظف ملتحِ يترك عمله خلال تأدية الوظيفة لكي يصلي في داخل مكتبه، في وقت ليس فيه صلاة فريضة، فقد كانت الساعة الحادية عشرة صباحاً. فيعترض عليه المراجع أحمد (عادل إمام) قائلاً له: يا شيخ، قضاء حاجات المراجعين أهم من الصلاة في هذا الوقت. فيردّ الموظف المتدين عليه: يا كافر يا عدو الله أتنهاني عن الصلاة؟ ويحدث بينهما شجار وتقع المشكلة التي تكون على حساب الموظفين والمراجعين الذين وقعوا رهائن كما هو معروف في قصة الفيلم.
والكاتب وحيد حامد يضع الموظفين والمراجعين جانباً ويأتي إلى هذا الموظف المتدين الذي تجاوز الخمسين من العمر وبدا الشيب في شعره ويجعله يقع في فتنة المرأة المنحرفة، وكأن المتدين هو الإنسان الوحيد الذي يضعف أمام إغراءات النساء، علماً بأن المتدين ـ عموما ًـ لديه رادع ديني غير موجود عند كثير من الناس.
فالكاتب أراد أن يُفهم المشاهد أن بعض المشكلات في حياتنا تقع بسبب سوء تصرف المتدينين الذين يفهمون الدين فهماً مغلوطاً.
وفي فيلم "طيور الظلام" للكاتب وحيد حامد وإخراج شريف عرفة أيضاً، ينحو فيه الكاتب منحى آخر في تشويه صورة المتدين. فقد طرق في هذا الفيلم قضية دور المتدينين في الوصول إلى أغراضهم وأهدافهم بطرق غير شرعية وغير رسمية كالرشوة والخدمات المشبوهة مقابل قضاء طلباتهم من قبل المسئولين في الدولة.
وطيور الظلام هم الخفافيش، والخفافيش تعيش حياتها في ظلام الليل ولا تحب النور والضياء. والمعني بـ "طيور الظلام" في الفيلم شخصان، الأول: المحامي علي (رياض الخولي) وهو المتدين. والثاني: المحامي فتحي نوفل(عادل إمام) الذي يُرافع في قضايا مشبوهة. والمحامي علي ـ المتدين ـ لا يقوم بأعمال غير أخلاقية مثل التي يقوم بها المحامي فتحي نوفل، وإنما يظهر عفيفاً أمام إغراءات النساء ولا يشرب الخمر وما إلى ذلك. ولكن الأحداث تُشعر المشاهد بأنه يقوم بأعمال سياسية مشبوهة، فيقف المشاهد منه موقف سلبياً.
وفي نهاية الفيلم تظهر الشخصيتان ـ المحامي علي والمحامي فتحي نوفل ـ وهما تقتسمان المسؤوليات في البلد. الأول وهو المحامي فتحي نوفل وله الوزارات، والثاني وهو المحامي علي ـ المتدين ـ وله النقابات. فيشعر المشاهد ـوقد توّلد في نفسه كره شديد للشخصيتين ـ أن البلد تحت سيطرة أخطبوطين كبيرين، أحدهما المتدين ومن وراءه من المتدينين، لأن المحامي علي كان كثيراً ما يتكلم بضمير الجمع(نحن، نريد... الخ). فصورة المتدين هنا أخذت شكل السياسي المشبوه، وهو يختلف عن صورته في فيلم" الإرهاب والكباب"، أو بمعنى آخر أخذت شخصيته في هذا الفيلم وجها آخر أكثر خطورة.
أما فيلم "الإرهابي" للكاتب لينين الرملي وإخراج نادر جلال فيمكن أم نعتبره أكثر الأفلام العربية تشويها لصورة المتدين، لأن صورته في هذا الفيلم أخذت أشكالاً متعددة وليس شكلاً واحداً كما في الفيلمين السابقين. وبدت صورة المتدين ـ وهو الإرهابي علي (عادل إمام) ـ وهو يدمر كل المظاهر التي يعتقد أنها مصدر الفساد في البلد كمحلات بيع الفيديو وقتل السائحين الأجانب. وظهرت المجموعات الإرهابية التي ينتمي إليها الإرهابي علي كالحة الوجه، تلبس زياً موحداً، وتعيش في أماكن مهجورة تخيّم عليها الكآبة وروح الشر، وتسيّر هذه المجموعات من قبل أمير لها، له عليهم حق الطاعة العمياء. فيشعر المشاهد كأنه أمام عصابة من الحشاشين ومهربي المخدرات، وأنه أمام أُناس متطرفين في كل نواحي الحياة، في أشكالهم وأفكارهم وبيوتهم ونظام حياتهم.
وحرص الكاتب أن يُطلع المشاهد على نفسية المتدين الذي أخذ في هذا الفيلم شكل الإرهابي، فأظهره وعينه شاردة وراء النساء، والمرأة الجميلة التي يراها في الشارع نجده يراها في منامه، بمعنى أن المتدين يعيش حالة كبت جنسي توّلد عنده ـ بحسب نظريات علم النفس ـ العنف والعدوان على الآخرين.
ولكن إشكالية الفيلم ليست في هذه الصورة السوداوية التي رسمها الكاتب لينين الرملي لعالم المتدين ونفسيته وأفعاله، وإنما الإشكالية في شيء أبعد من ذلك وأخطر، وهي أن الإرهابي ـ عموماً ـ ممكن تغييره، وقد طرح الكاتب حلاً لذلك، وهو نقل الإرهابي من البيئة التي يعيش فيها مع الإرهابيين إلى بيئة أخرى كبيئة الفتاة سوسن(شيرين) التي صدمت الإرهابي علي، فقد تغير فكره وسلوكه في البيئة الجديدة التي عاش فيها خلال العلاج، بمعنى أن الإرهابي عندما يعيش وسط الناس يتغير ويبتعد عن الإرهاب والتطرف.
أهل الفن يستنكرون
عن هذه القضية تقول المخرجة التليفزيونية إنعام محمد علي التي تلتزم في أعمالها بالثوابت الاجتماعية والدينية إن الدين كان أحد المحرمات التي لا يجوز الخوض فيها فنياً.. ولكن لما ظهرت مشكلة الإرهاب وأصبحت تهدد كيان المجتمع سمحوا للفن بتداولها.. وكان المفترض أن يسبق الفن الواقع ويقدم إرهاصاته. إن كثيرًا من الأعمال الفنية التي تتناول الدين تربط بين الدين والتخلف، وأحياناً تكون الصورة ظالمة للدين فيصور المتدينون في صورة نمطية لاذعة.. وهذا خطأ فالإنسان المتدين الواعي جزء من التركيبة المصرية والعربية بسلوكه وعاداته.. والتحريف في تصوير شخصيته خطأ جسيم.
وإذا كانت الأفلام والمسلسلات تصور من يصلي على أنه يشرب الخمر في نفس الوقت فهذه الشخصية موجودة في الواقع وهناك أناس يفعلون ذلك فيصلون ويشربون الخمر ويعقدون الصفقات المشبوهة. و هكذا فالفن صادق في التعبير عن هذه الجزئية أي جزئية التدين الشكلي النفعي. وأنا لا أريد أن أخوض هذه التجربة كمخرجة ولن أقدم شخصية المتطرف وأفضل أن أقدم الشخصية الوطنية.
الجوانب الإيجابية في أزمة فاروق حسني والحجاب
فلنحرر ثقافتنا حتى تقود سياستنا
العلمانيون استغلوا الفن والإعلام لتشويه صورة المتدينين