من أقوال السلف في التواضع
** قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: وليتكم ولست بخيركم. قال سفيان: بلغنا عن الحسن أنه قال: بلى, والله إنه لخيرهم, ولكن المؤمن يهضم نفسه.
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فالتواضع خُلق عظيم, وأدب رفيع, من وفقه الله عز وجل له, فقد ملك خيراً كثيراً, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ما نقصت صدقة من مالٍ, وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً, وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.)) [أخرجه الإمام مسلم]
للسلف أقوال في التواضع, جمعت بفضل الله وكرمه بعضاً منها, أسأل الله الكريم أن ينفعني والجميع بها.
** قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: وجدنا الكرم في التقوى, والغنى في اليقين, والشرف في التواضع.
** قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: وليتكم ولست بخيركم. قال سفيان: بلغنا عن الحسن أنه قال: بلى, والله إنه لخيرهم, ولكن المؤمن يهضم نفسه.
** قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: من تواضع لله تخشعاً, رفعه الله يوم القيامة, ومن تطاول تعظماً, وضعه الله يوم القيامة.
** قال عبدالله بن مسعود: رأس التواضع أن تبدأ من لقيت بالسلام, وأن ترضى بالدون من المجلس
** قال كعب: ما أنعم الله على عبد من نعمة في الدنيا, فشكرها لله, وتواضع بها لله إلا أعطاه الله نفعها في الدنيا.
** عن جرير بن عبدالله قال: قال لي سلمان رضي الله عنهما: يا جرير تواضع لله, فإنه من تواضع لله في الدنيا رفعه الله يوم القيامة.
** قالت عائشة رضي الله عنها: إنكم لتغفلون عن أفضل العبادات, التواضع.
** قال لقمان لابنه: يا بني تواضع للحق تكن أعقل الناس.
** قال ابن السماك للرشيد: تواضعك في شرفك أشرفُ من شرفك.
** قال يوسف بن أسباط: يجرى قليل الورع من كثير العمل, ويجزي قليل التواضع من كثير الاجتهاد.
** قال الفضيل وقد سئل عن التواضع, ما هو ؟ فقال: أن تخضع للحق, وتنقاد له, ولو سمعته من صبي قبلته, ولو سمعته من أجهل الناس قبلته.
** قال قتادة: من أعطى مالاً أو جمالاً أو ثياباً أو علماً, ثم لم يتواضع فيه, كان عليه وبالاً يوم القيامة.
** قال زياد النميرى: الزاهد بغير تواضع, كالشجرة التي لا تثمر.
** قال الحسن: أتدرون ما التواضع ؟ التواضع أن تخرج من منزلك, ولا تلقى مسلماً إلا رأيت له عليك فضلاً.
** قيل لعبدالملك بن مروان: أي الرجال أفضل ؟ قال: من تواضع على قدرة, وزهد عن رغبة, وترك النصرة عن قوة.
** قال الإمام الغزالي: يقال: أرفع ما يكون المؤمن عند الله أوضع ما يكون عند نفسه.
** عن عبيدالله بن عدي بن الخيار قال: سمعت عمر على المنبر يقول: إن العبد إذا تواضع لله رفع الله حكمته, وقال انتعش نعشك الله, فهو في نفسه صغير_ أو فقير_ وفي أنفُس الناس كبير.
** قال ابن قتيبة: ثمرة القناعة الراحة, وثمرة التواضع المحبة.
** قال رجاء بن حيوة: قام عمر بن عبدالعزيز ذات ليلة فأصلح من السراج, فقلت: يا أمير المؤمنين, لو أمرتني بذلك, أو دعوت له من يصلحه, فقال: قمتُ وأنا عمر, وعدتُ وأنا عمر.
** قال عبدالملك ابن مروان:: ثلاثة من أحسن شيء: جُود لغير ثواب, ونصب لغير دنيا, وتواضع لغير ذلّ.
** قال يحيى بن خالد: لست ترى أحداً تكبر في إمارته إلا وهو يعلم أن الذي نال فوق قدره, ولست ترى أحداً يضعُ نفسه في إمارة إلا وهو في نفسه أكثر مما نال في سلطانه.
** قال ابن حبان: الواجب على العاقل لزوم التواضُع ومجانبة التكبُّر، ولو لم يكن في التواضُع خصلة تُحمَد إلا أن المرء كلما كثر تواضُعه ازداد بذلك رفعة، لكان الواجب عليه ألَّا يتزيَّا بغيره، والتواضُع يرفع المرء قدرًا، ويعظم له خطرًا، ويزيده نُبْلًا.
** قال ابن حبان: العاقل إذا رأى من هو أكبر سنًّا منه تواضَع له، وقال: سبقني إلى الإسلام، وإذا رأى من هو أصغر سنًّا تواضَع له، وقال: سبقته بالذنوب، وإذا رأى مَنْ هو مثله عدَّه أخًا، فكيف يحسن تكبُّر المرء على أخيه؟!
** قال الإمام النووي: قالوا والحكمة في رعاية الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم, ليأخذوا أنفسهم بالتواضع, وتصفى قلوبهم بالخلوة, ويترقوا من سياستها بالنصيحة إلى سياسة أممهم بالهداية, والشفقة, والله أعلم.
** قال الإمام النووي: قوله صلى الله عليه وسلم: «ما تواضع أحد لله إلا رفعه » فيه وجهان, أحدهما: يرفعه في الدنيا, ويثبت له بتواضعه في القلوب منزلة ويرفعه عند الناس ويُجلّ مكانه, الثاني: أن المراد ثوابه في الآخرة, ورفعة فيها بتواضعه في الدنيا.
** قال العلامة ابن القيم: من علامات السعادة والفلاح: أن العبد كلما زِيدَ في علمه زِيدَ في تواضعه ورحمته, وكلما زِيدَ في عمله زِيدَ في خوفه وحذره, وكلما زِيدَ في ماله زِيدَ في سخائه وبذله, وكلما زِيدَ في قدره وجاهه زِيدَ في قربه من الناس وقضاء حوائجهم, والتواضع لهم
** قال العلامة ابن القيم: الفرق بين التواضع والمهانة أن التواضع يتولد من بين العلم بالله سبحانه, ومعرفة أسمائه وصفاته ونعوت جلاله, وتعظيمه ومحبته وإجلاله, ومن معرفته بنفسه ونقائصها وعيوب عمله وآفاتها. فيتولد من بين ذلك كله خُلق هو التواضع, وهو انكسار القلب لله, وخفضُ جناح الذلَّ والرحمة لعباده, فلا يرى له على أحد فضلاً, ولا يرى له عند أحد حقاً, بل يرى الفضل للناس عليه والحقوق لهم قبله, وهذا خلق إنما يعطيه الله عز وجل من يُحبه ويُكرمه ويُقربه.
أما المهانة فهي الدناءة والخسة, وبذل النفس وابتذالها في نيل حظوظها وشهواتها, كتواضع السُفَّل في نيل شهواتهم.
** قال الإمام ابن القيم: التواضع للدين هو الانقياد لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم, والاستسلام له والإذعان...وإذا رأيت من أدلة الدين ما يُشكل عليك, وينبو فهمك عنه, فاعلم أنه لعظمته وشرفه استعصى عليك وأن تحته كنز من كنوز العلم لم تؤت مفتاحه بعد.
** قال الإمام ابن القيم: لا تصحُّ لك درجة التواضع حتى تقبل الحقّ ممن تحبُّ, وممن تُبغض, فتقبله من عدوك كما تقبله من وليك...ومن أساء إليك ثم جاء يعتذر من إساءته, فإن التواضع يوجب عليك قبول معذرته, حقاً كانت أو باطلاً, وتكلُ سريرته إلى الله تعالى.
** قال الإمام ابن القيم: من منازل {إياك نعبدُ وإياك نستعين} منزلة التواضع, قال تعالى: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً} [الفرقان:63] أي سكينةً ووقاراً, متواضعين, غير أشرين, ولا مرحين, ولا متكبرين.
** قال الحافظ الذهبي: إيثار الخمول والتواضع وكثرة الوجل من علامات التقوى والفلاح.
** قال الحافظ ابن رجب قال بعض السلف: التواضع أن تقبل الحق من كل من جاء به وإن كان صغيراً" فمن قبل الحق ممن جاء به سواء كان صغيراً أو كبيراً, وسواء كان يُحبه أو لا يحبه, فهو متواضع, ومن أبى قبول الحق تعاظماً عليه, فهو متكبر
** قال الحافظ ابن حجر: في هذه الأحاديث مباشرة الكبير والشريف شراء الحوائج, وإن كان له من يكفيه إذا فعل ذلك على سبيل التواضع, والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم, فلا يشك أحد أنه كان له من يكفيه ما يريد, ولكنه كان يفعله تعليماً وتشريعاً.
وختاماً فطوبى لمن وفقه الله عز وجل فرُزق التواضع, متأسياً في ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم, قال العلامة ابن القيم: كان النبي صلى الله عليه وسلم يمرُّ على الصبيان فيُسلم عليهم, وكان إذا أكل لعق أصابعه الثلاث, وكان يكون في بيته في خدمة أهله, ولم يكن ينتقم لنفسه قط, وكان يعود المريض, ويشهد الجنازة, ويركب الحمار, ويجيب دعوة العبد.
وكان يخصف نعله, ويُرقِّع ثوبه, ويحلب الشاة لأهله, ويعلف البعير, ويأكل مع الخادم, ويجالس المساكين, ويمشى مع الأرملة واليتيم في حاجتهما, ويبدأ من لقيه بالسلام, ويجيب دعوة من دعاه ولو إلى أيسر شيءٍ.
وكان هين المؤنة, لين الخُلق, كريم الطبع جميل المعاشرة, طلق الوجه, بساماً, متواضعاً من غير ذلةٍ, جواداً من غير سرفٍ, رقيق القلب, رحيماً بكل مسلمٍ, خافض الجناح للمؤمنين, لين الجانب لهم.
اللهم ارزقنا التواضع, واجعلنا من عبادك المتواضعين.
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
- التصنيف: