غفران الذنوب في كل مجلس
من أسباب الحسرة يوم القيامة أن يجلس المسلم مجلسًا ثم يقوم، ولم يذكر الله تعالى فيه، ولو لم يكن فيه شيء من الكلام الحرام...
- التصنيفات: الذكر والدعاء -
أيها المسلم الكريم، من أسباب الحسرة يوم القيامة أن يجلس المسلم مجلسًا ثم يقوم، ولم يذكر الله تعالى فيه، ولو لم يكن فيه شيء من الكلام الحرام، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: «مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ، وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ، إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً (يَعْنِي حَسْرَةً وَنَدَامَةً)، فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ» [1].
ولو نظرنا إلى مجالس الكثير من الناس اليوم، لرأينا قلما يجلس الإنسان مجلسًا إلا ويحصل له فيه شيء من اللغط أو اللغو أو ضياع الوقت، ولذلك علَّمنا النبي (صلى الله عليه وسلم) كلمات من قالها قبل قيامه من ذلك المجلس غفر الله له ذنوبه، هذه الكلمات تسمى بدعاء كفارة المجلس.
فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) يقول: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم): «مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ، فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ» [2].
إن النبي (صلى الله عليه وسلم) يعلم أن المسلم مهما جاهَد نفسه، فلا بد أن يقع في آفات اللسان، لذلك شرع لنا هذا الدعاء، وحثَّنا عليه حتى يكفِّر الله ذنوبنا.
قال ابن رجب الحنبلي (رحمه الله): "كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يختم مجالسه بكفارة المجلس، وأمر أن تختم المجالس به، وأخبر أنه إن كان المجلس لغوًا كانت كفارة له، وروي ذلك عن جماعة من الصحابة"[3].
وهذه السيدة عَائِشَة (رضي الله عنها) تقول: مَا جَلَسَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) مَجْلِسًا قَطُّ، وَلَا تَلَا قُرْآنًا، وَلَا صَلَّى صَلَاةً إِلَّا خَتَمَ ذَلِكَ بِكَلِمَاتٍ قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَاكَ مَا تَجْلِسُ مَجْلِسًا، وَلَا تَتْلُو قُرْآنًا، وَلَا تُصَلِّي صَلَاةً إِلَّا خَتَمْتَ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، مَنْ قَالَ خَيْرًا خُتِمَ لَهُ طَابَعٌ عَلَى ذَلِكَ الْخَيْرِ، وَمَنْ قَالَ شَرًّا كُنَّ لَهُ كَفَّارَةً: سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ» [4].
فنبينا (صلى الله عليه وسلم) أراد من المسلم أن يختم مجلسه بهذا الدعاء، أي مجلس كان، فإن كان مجلس قرآن، أو صلى صلاة، أو جلس مع أصحابه، أو جلس مع أهل بيته، أو جلس مجلس صلح، أو غير ذلك، ثم أراد أن يقوم، قال هذا الدعاء قبل أن يقوم.
وينبغي التنبيه على قوله: (إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ): أي من الذنوب من غير مظالم العباد، فإنها تحتاج أن يتحلل من صاحبها، فإذا كان المجلس فيه كلام في أعراض المسلمين: غِيبة، ونميمة، وسخرية، ونحو ذلك، فهذه حقوق للعباد؛ لا يكفي فيها هذا الذكر أن يقوله المرء ويظن بذلك أن هذه الحقوق سقطت؛ فهذه لا تسقط إلَّا بالعفو والمسامحة منهم.
فعلى كل واحد منا أن يحفظ هذا الدعاء الذي حثَّنا عليه نبينا (صلى الله عليه وسلم) ولْنَقُلْه في نهاية كل مجلس، ويحث الناس عليه، حتى ينال المغفرة من الله عز وجل، وينال أجر إحياء سنة من سنن المصطفى (صلى الله عليه وسلم).
نسأل الله تعالى لنا ولكم الحفظ، والسلامة، والعافية من كل داء، وحسن الختام، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] سنن الترمذي، أبواب الدعوات- بَابٌ فِي الْقَوْمِ يَجْلِسُونَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ:(5/ 323)، برقم (3380)، قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
[2] سنن الترمذي، أبواب الدعوات- بَاب مَا يَقُولُ إِذَا قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ: (5/ 371)، برقم (3433) قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
[3] فتح الباري لابن رجب: (3/ 345).
[4] سنن النسائي، كتاب عمل اليوم والليلة - مَا تَخْتِمُ بِهِ تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ:(9/ 123)، برقم (10067).
__________________________________________________
الكاتب: د. محمد جمعة الحلبوسي