خطورة المسلسلات!
لم تعد خطورة المسلسلات الدرامية التي تذاع على شاشات الفضائيات العربية في شهر رمضان تقتصر على مجرد مشاهد العري والابتذال، بل أصبحت تقدم رسائل تستهدف عقائد المسلمين وليس فقط أخلاقهم.
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
لم تعد خطورة المسلسلات الدرامية التي تذاع على شاشات الفضائيات العربية في شهر رمضان تقتصر على مجرد مشاهد العري والابتذال وتحطيم الأخلاق الإسلامية، بل أصبحت تقدم رسائل تتناول أصول الدين والتعامل مع نصوصه من القرآن والسنة، بصورة توحي بأن وراءها مخططا يستهدف عقائد المسلمين وليس فقط أخلاقهم.
فقد تداولت مواقع التداول الاجتماعي على الانترنت مقاطع من إحدى المسلسلات، تعمّد فيه كاتب المسلسل - الذي يشتهر بعدائه للدين- الربط بين الشريعة الإسلامية والحقوق المسلوبة من المرأة في حالة الطلاق كما يزعم، بالإضافة إلى محاولات الكاتب ترسيخ لفكرة أن الشخص المتدين دائما ما يكون متشددا وغير متقبل الأفكار الأخرى، وقد يستخدم الشريعة لتحقيق أهدافه في قمع المرأة على حد زعمه.
وكان أكثر المشاهد استفزازا، مشهد بطلة المسلسل مع الشيخ الأزهري الذي يحاول إقناعها بإجماع الفقهاء على سقوط حضانة الأم في حالة زواجها بعد الطلاق، بينما تصر الممثلة أن هذا الأمر ليس من الدين الإسلامي، وظلت تردد جملة " هو ربنا قال كده بنفسه" وهذا يعني إهمال كل السنة والأخذ بالقران فقط، وفي نفس الوقت فإن هذه الجملة تتعرض لمن له الحق أن يتصدى لفهم القرآن ومنهجية هذا الفهم.
فهذه ثلاث قضايا خطيرة تتعلق بالإسلام وفهمه.
نبذ السنة والاكتفاء بأحكام القرآن
ظهر بين المسلمين في القرون الأخيرة من ادعى أنه من أهل القرآن، من يرون أن القرآن هو مصدرهم الوحيد للإيمان والتشريع في الإسلام، وأن السنة لا يُحتج بها؛ لأنها إنما كُتبت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة طويلة، فهم لا يعترفون بالأحاديث ولا الروايات التي تنسب للنبي صلى الله عليه وسلم على أساس أن الله قد وعد بحفظ القرآن فقط، ولا ذكر للسنة في هذا الحفظ.
والغريب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تنبأ بظهورهم بقوله: «يوشك أن يقعد الرجل متكئاً على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله».
كما يرى هؤلاء من يطلق عليهم القرآنيون أن المنهجية التي اتبعت في تصحيح الأحاديث النبوية كانت تفتقر للموضوعية ومخالفة للمنهج العلمي السليم، إضافة لقولهم أن من اعتمد تصحيح هذه الأحاديث النبوي هم مجرد أفراد وتصحيحهم قابل للصواب والخطأ، فهذه السنة المروية أو الأحاديث لم تدون إلا في القرن الثالث الهجري أي بعد ما يزيد عن المئتين والثمانين عاماً على وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.
فهؤلاء القرآنيون يتجاهلون حتى القرآن الذي يعتمدونه كمصدر للفهم، فلم يروا مثلا آية {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}، كذلك تكررت آية {وأطيعوا الله وَأطيعوا الرسول}مرات عديدة في القرآن، فقرن الله طاعته، بطاعة النبي، حيث ذكر القرآن هذا أكثر من مرة.
ويرد على هؤلاء الامام ابن حزم الأندلسي، حيث قال: "ولو أن أمرئ قال: لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن، لكان كافرا بإجماع الأمة، ولكان لا يلزمه إلا ركعة ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل، وأخرى عند الفجر؛ لأن ذلك هو أقل ما يقع عليه اسم صلاة، ولا حد للأكثر في ذلك.
بل يصف ابن حزم قائل هذا بأنه كافر مشرك حلال الدم والمال."
أما الإمام الشاطبي وهو أشهر من ألف في علم أصول الفقه فقد تكلم عن هذه الطائفة: "فيقول إن الاقتصار على الكتاب رأي قوم لا خلاق لهم خارجين عن السنة، إذ عولوا على ما بنيت عليه من أن الكتاب فيه بيان كل شيء فاطرحوا أحكام السنة فأداهم ذلك إلى الانخلاع عن الجماعة وتأويل القرآن على غير ما أنزل الله".
من يتصدى لفهم الدين
وهذا يقودنا الى الأمر الخطير الثاني والذي حاول المسلسل وغيره من الأعمال الفنية زرعها في فكر المسلمين وترسيخها في وجدان الناس، وهو من يتصدى لتفسير نصوص القرآن والسنة؟
هل نقول للناس لستم بحاجة إلى مفت، بل كل يفتي نفسه، هل من حق أي أحد من العامة أن يفسر نصوص القرآن والسنة باعتبار أن الإسلام ليس كهنوتا كالنصرانية؟ أم يرد الأمر الى المتخصصين والعلماء من أصحاب التخصصات العلمية الشرعية؟
ولكن قبل التطرق الى الاجابة على هذا السؤال، يجب معرفة حقيقة بديهية وهو أن الحكومات وقوانين الدول المختلفة قد اصطلحت على أن من يمارس المهن المختلفة لابد له من شهادة معتمدة من الجهة العلمية التي تدرس هذه المهنة، والتي تعطيه الترخيص اللازم لممارسة هذه المهنة، فالطبيب لا يسمح له بممارسة تطبيبه للناس الا بشهادة الطب وأيضا بعد أن يناقش الكثير من الرسائل العلمية في تخصصه الطبي، وكذلك المهندس والمحامي والمحاسب وغيرهم من التخصصات، فمال بالك بالدين الذي هو أشرف العلم والتخصصات، لأنه يتناول أهم ما في الوجود وهو علاقة الناس بربهم وكيفية إقامة حياتهم على أساس هذا الدين.
يقول سبحانه وتعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} فما معنى هذه الآية.. غير إيجاب الرجوع إلى العلماء للاستفادة منهم في تبصير طريق المسلم في عباداته ومعاملاته عند عدم العلم.
ومثلها قوله سبحانه وتعالى: {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} بل هذه أوضح دلالة على أن المرء قد يحاول الفهم في نفسه فيحتار، أو تتشعب به الدلالات، أو يقع مع غيره في الاختلافات، فسبيل رفع ذلك كله أن يرد ما أشكل عليه إلى أولي الأمر وهم العلماء الشرعيون الذين سماهم الله تعالى في الآية الأولى: أهل الذكر.
وكما قيل فعلماء الشريعة هم عدول هذه الأمة الذين ينفون عن العلم تحريف الغالين وتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين.
منهج فهم الإسلام
هل الإسلام له قواعد ثابتة، وشكل نموذجي محدد، وإطار معلوم مقنن؛ نستطيع به أن نقيس أي نموذج يُدَّعَى أنه الإسلام، وأن غيره ليس من الإسلام؟
هل الإسلام كلعبة المكعبات كل شخص يحاول تركيبها كما يحلو له؟ أم له نموذج محدد كالأيزو مثلا في مجال الصناعة يمكن الرجوع اليه وقياس ما عليه فهمنا؟
الغريب أن المستشرق الغربي إرنست جلنر فهم أن الإسلام له أنموذج محدد، حين يكتب فيقول إن الجوهر الأصلي للإسلام أنه دين نصي أخروي يتميز بنزوع طهوري، وفي الأزمات الاجتماعية أو السياسية، وعندما تصل الأزمة إلى الثقافة، يعود النص للبروز، ويظهر علماء يتسلحون بالنص من أجل استعادة الطهورية أو البراءة الأولى.
ويشرح المفكر اللبناني رضوان السيد هذا المعنى أكثر فيقول: إن وجهة نظر جلنر هي أن الإسلام يملك جوهرًا ثابتًا تتوالى عليه الدهور؛ فيتغير المظهر دون الجوهر، ومعنى ذلك أن الأصولية أصيلة فيه، وفي ظروف الأزمات تعود للظهور باعتبارها الجزء الأصيل من ماهيته.
ولكن ما هو هذا اللب في الإسلام والذي يعود اليه المسلمون على مدار تاريخهم في الأزمات؟
النظرة المنصفة لتاريخ المسلمين نجد أن هناك منهج فكري لفهم الإسلام، له قواعد وأصول.
والمقصود به رؤية القرآن والسُنة وتطبيقهما بمنظور وفهم السلف الصالح وهم الصحابة - رضوان الله عليهم - والتابعون وتابعو التابعين؛ أي القرون الثلاثة الأولى ومن تبعهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين.
وتقوم الفكرة السلفية على مجموعة قواعد يطلق عليها منهج التلقي، ومنها: كل ما وافق الكتاب والسنة يتم إثباته وما خالفهما يُبطل، ولا معصوم إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، كما أن إجماع السلف حجة شرعية ملزمة للخلف، ولا تُقرُ السلفية قولاً ولا تقبل اجتهاداً إلا بعد عرضه على الكتاب والسنة والإجماع، ولا تعارض القرآن والسنة بعقل أو رأي أو قياس، وغير ذلك من القواعد.
وهذه القواعد الواضحة في التعامل مع النصوص الشرعية تجعل الأساس في المنهج السلفي جلياً نقياً، وهذا الوضوح يجعله في مقدمة المناهج على الساحة الإسلامية.
لقد كان المنهج السلفي هو المنهج الذي تلجأ إليه الأمة الإسلامية طيلة تاريخها في اللحظة الفارقة؛ عندما يختلط فهم الإسلام النقي بمفاهيم متعددة وافدة، أو مفروضة.
______________________________________________
الكاتب: حسن الرشيدي