عَوِّدهُم
محمد عزت السعيد
الوقتُ جُزء من العِلاج، فلا تتصور أن بناء عادة جيدة أو التخلص من عادة سيئة هو وليدُ لحظةٍ، أو بضْعة أيام
- التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة -
قديمًا قالوا: الإنسَان أسِير عَاداته، وإذا اعْتاد الإنسَان على فعْل شَيء، فإنه سرعان ما يحبه، فإذا أحبَّه فلا يكاد ينفَك عنه أبدًا، بل ويصبح جزءًا من برنامجه اليومي، هذا كلُّه بغَضِّ النظر عن كونه حَسنًا أو قبيحًا، جيدًا ورديئًا.
ومِن ثم فإنَّ الوصُول إلى الكَمال في العبادات ومَكارم الأَخلاق لم يكن ليصل إليه إنسَان إلا بعد المِران والتدريب والتَّكرار والتَّعَود، وجاء في الأمْثال إنَّما العِلْم بالتَّعلم والحِلمُ بالتَّحَلُّم، أي ببذل الجهد وتكراره.
وفي بيوتنا عَادات وعادات تحتاج إلى تعْديل وتغيير، منها ما هو حَسَنٌ جميلٌ، ومنها ما هو غير ذلك، فالاستيقاظ مبكرًا وتقبيل رأس الوالدين والتهاني في المناسبات وغيرها، ومنها ما هو غير ذلك كإسراف في الطَّعام والشَّراب والسَّهر دونما فائدة وغيرها ....
ومِن الجَيد أن تُعِّود نفْسك وأبناءَك وأهْل بيتك على الجيِّد من العَادات، وتطفئ لدَيهم الرَّغبة في فعل العَادات غَير الحَسَنة، ولا يكون ذلك إلا بالتَّهيئة لهُم، وإيجاد الدوافع لذلك، وتحفيزهم وتشجيعهم وتكرار التوجيه وتنوعه، وأنْ تضْرب لهم من نفسْك المـَثل والقدوة فسيكون له أطيبُ الأَثَر.
وليسَ أسْهل مِن التَّخَلي عن العَادات السَّيئة أو اكْتساب عَادات أخرى جَيدة، إذَا توافَرت لها الدَّوافع والظُّروف، فرغْبتُك ودَافعك لتغيير عَادة سيئةٍ أو تكوين عَادة جيدة، وكذلك التحْفيز والتشْجيع المصَاحب لهما، وتجديدُ النِّية واحتسابُ الأجر رغبةً فيمَا عند الله من ثَواب وجزاءٍ، ورهبةً مما يكون من عقِاب وعَذاب عند الاستمرار في عادة ينهَى عنها الشَّرع الحنيف ويأمر باجتنابها، والمدَّة الزمنية التي تتكوَّن فيها أو تتخَلص منها، كل ذلك له دور كبير في بنَاء العَادة أو تغييرها.
فعادة مثل الإقلاع عن التدخين، أو إهمَال في أداء الواجبات، أو النَّوم لفترات طويلة، أو السَّهر، أو كثرة الأكْل، أو غيرها من العَادات غير الجيدة يمكن – وبسهولة- التخَلص منها حَال توافرت لها الشُّروط التي ذكرتها سابقًا ....
والوقتُ جُزء من العِلاج، فلا تتصور أن بناء عادة جيدة أو التخلص من عادة سيئة هو وليدُ لحظةٍ، أو بضْعة أيام، لا ... فعَدَدٌ من الدِّراسات أكَّدت أن الإنسَان يحتاج إلى فترة تتراوح ما بين واحِد وعشرين يومًا إلى سِتَّة وسبعين يومًا .... هَذه الفترة كافية - مع مراعاة العَوامل المحيطَة – لبنَاء عَادة جديدة أو تغيير أخرى سَيئة، ولذلك جعل الله-تعالى- صيَام رمضَان شهرًا كاملاً، والصَّلوات الخْمس كل يوم، وسنَّ لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وقِراءة القُرآن والذِّكر والتَّسبيح وأذْكار الصَّباح والمسَاء وصَلاة الضُّحى وقيَام الليل وغيرها من العِبادات التي بتكْرارها تتَحوَّل إلى عَادات يومية ضِمن برنامج عمَل المُسْلم اليومي، والتي لا يحْتاج إلى كثير عَناء أو تدبيرٍ في ممارستها بشكل مُستمر.
وانتقَالاً من العِبادات التي تحوَّلت بشَكلٍ سهْل وبسيط إلى كونها جُزء من حياة المسْلم اليومي، فإنَّك تُلاحِظ تعوُّدَك على ممارسة الرِّياضة أو قراءة الكِتاب أو مُشاهدة التلفَاز أو تصَفُّح الجرائد أو تنَاول القَهْوة أو غيرها من العَادات اليومية، والتي لا تحتاجُ إلى كثير جهد في أدائها يوميًا، وذلك لأنَّك ألفْتها وتعَوَّدت عليها.
وعْودًا على ذي بدء فمِن الجيِّد – كما قُلت – أن تعْمَد إلى الأفعَال الحَسنة في نفسِك وزوجتك وأبنائِك فتُحفِّزهم عليها وتشجعهم على تنفيذها باسْتمرار حتى يكْتسبوا فعْلها، وتصبح لدَيهم عادةٌ جيْدة، عَوِّدهم على الذَّهاب إلى المسْجد للصَّلاة، وقراءة ما تيسر من القُرآن، عَوِّدهم على تصَفُّح الكتب ومطَالعة النَّافع من المقَالات والقِصص، عَوِّدهم على احترام الكبير، والاستماع إلى المتحدث، وكثرة الإنصَات، وعدم المقَاطعة، عَوِّدهم على الاستيقَاظ مبكرًا، والتطّيب وارتداءِ الحَسَن من الثياب، وغَيرها من العَادات الطِّيبة الحَسنة ...
وإن أردَّت أنْ تطفئ لديهم عَادة سيئة فأوجد لها بديلاً مُناسبًا، فلا تمنعَهم عن الجُلوس أمام التلفاز طَويلاً، أو شاشة الجوَّال ومواقع الإنترنت دون أن توفِّر لها بدائل آمِنة، كَضَمهم إلى النَّوادي الرِّياضية والمشْي، وتعَلُّم الحِرَف والمهن المفيدة النَّافعة وتعلُّم التطْبيقات والبرامِج المفيدة ....
ولعل في قصَّة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفْسًا، وما ورد في السِّيرة النبوية حينما قصَّت السَّيدة حَفصة – رضي الله عنها – لرسُول الله – صلى الله عليه وسلم – رؤيا أخَيها عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- وما أشار عليهَا بقَوله- صلى الله عليه وسلم -: "نِعْم الرَّجُل عبد الله لو كان يقومُ من اللَّيل" فلمْ يترك قيَام الليل بعْدها أبدًا، فقَد صَار عَادةً لديه بعد تحفيزٍ وتشْجيع وإصْرار وعزيمَة.
إن استبدال العَادات السِّيئة بعَادات حَسنة أمرٌ في غاية الأهمية كي تنعَم بأفضل حَياة ممكنة مهْما كانَ الوقت المستغرق لإنجاز ذلك، فالعادات السيئة يمكنها أن تُعَرقل استغلالك لقدراتك، وقد تُسبِّب لك ولأسرتك الأمراض وتجعلك شخصًا قليل الإنتاج تعيسًا، بل إنَّ العَادات الأسوأ يمكنها أن تفقدك علاقاتك وحتى حياتك، في حين أنَّ العادات الحسنة تؤهلك للنجاح والسعادة في نواحي حياتك كافة، ويمتلئ بيتك سعادة وسرورًا.
ومن خلال الوَعْي وتحديد الهدف، وتجديد النية والمقصد والغاية، وتغيير البيئة المحيطة من سيئة إلى جيدة، والمرونة في تطبيق الفعْل، والإصْرار والعزيمة على التغْيير، والصَّبر والجَلَد والتحمُّل على تبعَات هذا التغيير كلها مفاتيح إذا امتلكتها أو ملكتها أفراد أسرتك، غيرتم الكثير والكثير من العادات غير الجيدة، وبنيتم الكثير والكثير من العادات الحسنة الجيدة، ونعمتم بحياة هانئة سعيدة.