العيد ليس للأطفال فقط
إذا كان الأطفال يفرحون بالمظاهر الشكليَّة للعيد، فإنَّ فرحة المؤمن به هي الفرحة الحقيقيَّة؛ لأنَّها فرحة قائمة على أُسس متينة، فرحة لها أسبابها ولها أسانيدها الثابتة.
التقيتُ بصديقتي والعيدُ على الأبواب، فدار بيننا حديثٌ عن التحضيرات لهذه المناسبة المباركة؛ من إعداد للحلويَّات، واقتناء لملابس الأطفال، لكنَّ صديقتي قالت متنهِّدة في عقب كلامنا في هذه المواضيع:
• يا حسرة على فرحة العيد عندما كانت فرحة حقيقيَّة، في الواقع إنَّ العيد للأطفال فقط، فهم وحدَهم مَن يفرحون فرحة صادقة فيه، آه أذكُر كيف كان الفرح يملأ قلبي في أيَّام الأعياد عندما كنتُ طفلةً صغيرة لا تَفقه من أمور الدنيا شيئًا ... ليتني بقيتُ كذلك، لقد كنتُ وقتها لا أَتَمكَّن من النوم ليلة العيد مِن فرْط الشوق إلى قدومه، وفي الصباح أَنهض طائرةً على أجنحة السرور يَملأ قلبي فرحٌ غامر لذيذ، يا لتلك الفرحة التي ما عدتُ أعرِف لها طعمًا اليوم، وليتني بقيتُ طفلة لأفرحَ بالعيد ذلك الفرح الكبير، وأتذوَّق بقدومه طعمَ تلك السعادة الأسطوريَّة.
فقلت معقِّبة على قولها:
• اعذِريني يا صديقتي إذا خالفتُك الرأي، وقلت كلامًا يناقض قولك، فالسعادة بالعيد حسب رأيي ليستْ مقصورة على الأطفال، بل إنَّ سعادة الكبار بالعيد قد تكون أكبرَ من سعادة الصغار به وأعمقَ.
لم تَبدُ صديقتي مقتنعة بما قلت وهي تتساءل:
• كيف ذلك بربِّك؟
فقلت:
• إنَّ الإجابة عن سؤالك هذا تقتضي منِّي قبل كلِّ شيء تعريفًا لهذا المفهوم، مفهوم العيد، فالعيد يا صديقتي ليس مجرَّد احتفال بالفطر بعد الصيام، وليس مقتصرًا على الاستمتاع بالأجواء البهيجة المقترنة بذبح الأضحية والأكلِ مِن لحمِها الطازَجِ، العيد مفهومٌ أسمى من هذا.
العيد يا صديقتي هو مناسبة يستشعر فيها المؤمنُ عِظَمَ نعمة الله عليه، ويتجدَّد فيها إحساسُه بكرمه ورحمته به، العيد يوم يُحسُّ فيه المؤمن بجمال أثر الطاعة ورَوعة عاقبتها في كِيانه، فإذا كان قد أحسَن استثمار أيَّامه بين العيد والعيد في مختلف أشكال الطاعة والعبادة، والتقرُّب من الخالق، فإنَّ بهجة يوم العيد ستكون غامرة تملأ قلبَه بأشكال ساحرة من السرور العذب الذي يسمو برُوحه إلى أجواء فرح علويَّة صافية، وإذا كان قد نَجَح في أن يزداد قربًا من الله، وفي أن يعلوَ بمرتبتِه إلى مرتبة أفضل مِن مرتبته السابقة، فإنَّه سيستشعر يوم العيد خفَّةً وسُموًّا، وسيداخل رُوحه فرحٌ لم يخطِّط له، فينتشر داخل كِيانه، وضيئًا بهيجًا مثل فجر يوم رائقٍ جميلٍ ينضح رَوعةً ونقاءً.
ففي يوم العيد ترى المؤمن الحقَّ نيِّرَ الوجه مشرقَ الأسارير، يستقبل أهله وأحبابه بفرحة صادقة، فرحة مَن عرَف ربَّه، ورأى آثارَ جماله وكماله في عناصر الكون مِن حوله، واستشعر لذَّةَ محبَّتِه في محبَّة خلقه.
وإذا كان الأطفال يفرحون بالمظاهر الشكليَّة للعيد فرحة ساذجة بسيطة، فإنَّ فرحة المؤمن به هي الفرحة الحقيقيَّة؛ لأنَّها فرحة قائمة على أُسس متينة، فرحة لها أسبابها ولها أسانيدها الثابتة. ففرحةُ الكبار بالعيد ليستْ فرحة اعتباطيَّة تُصيب هذا وتخطئ الآخر بالصدفة، بل هناك ما يبرِّر وجودها أو غيابَها.
فلماذا نَظلِم الزمان ونزعُم أنَّ تقدُّمَنا في العمر هو مَن سلَبنا فرحةَ العيد، وفي الحقيقة فإنَّه بريء من ذلك الاتِّهام الخاطئ.
_____________________________________________________
الكاتب: آمنة بريري
- التصنيف: